إنّه "واحد يوم" لا مثيل له في تاريخ الأيام، إنّه يوم ليس ككل الأيام... إنّه "واحد يوم"! بعده لن نعرف للظلم معنى، ولن يدقَّ الفقدان بابنا، وسنودّعُ الجهل والتخلّف على أعتاب "واحد يوم"... في "واحد يوم" سيحلُّ على ربوعنا الشامخة الشمّاء ضيوفٌ من كلّ حدب وصوب، يزرعون في كلّ زاوية من زوايا مآسينا "واحد فرح" تطير له الألباب والعقول... في "واحد يوم" سينزع ملك الخير بعصاه السحريّة من قلوبنا ( العربيّة..) المريضة براثن الحقد والحسد والكراهية، وسنصبح في "واحد ليلة" وضُحاها مؤهّلين للانضمام لموكب الشعوب المتحضّرة... في واحد يوم سنضعُ يافا على خارطة المناطق الأكثر أمنا وطمأنينة( إلا بعض الحالات التي تكرّسُ لإحياء سنن الجاهليّة، وهي شأن داخلي! ومن منطلق احترام عادات وتقاليد الغير، وتأكيدا على شعار المهرجان، فإنّنا نقول إنّ "واحد يوم" يعلن التسامح حتّى مع بقايا الجاهليّة).
ملاحظة هامّة: من المهم التنويه أنّ إيماننا الراسخ بالتسامح لا يعني بأي حال من الأحوال القبول بمظاهر الإزعاج وتعكير المزاج العام! الأذان مثلا، والمطالبة بحل أزمة السكن(أو تهويد يافا كما يروّج لها بعض المتآمرين على هذا النسيج الرائع من أثرياء اليهود من كلّ انحاء العالم وخليط من العرب المسالمين).
إنّه واحد يوم ولا غير وتخرج لغتنا الميّتة من سجنها الأبدي كي تصبح هذه التعابير من مفردات قاموسنا التي غفل عنها الفراهيدي وابن منظور! إنّه "واحد يوم" ويصبح خطابنا اليوميّ يبدأ بواحد מילה، ويمرُّ بواحد מפגש لينتهي بواحد טיול... والحبل على الجرار! (لا يكفينا أنّ لغتنا مهدّدة هي الأخرى بالترحيل، فإذا بعنوان يشوّه اللغة ويخلق عند الجيل الصاعد البعيد عن لغته اعتقادا بأنّ هذا التعبير صحيح لا خطأ فيه! وهذه الطامة الكبرى، فقد سمعت بعض الطلاّب يتساءلون: أليس هذا تعبيرا عربيا؟ واحد يوم...)
كان هذا ملخّصا للرؤيّة الإنسانيّة الاجتماعيّة للمهرجان.
قد يقول البعض: لماذا نحمّل الأمور أكثر مما تحمل، ولماذا نؤوّلها كما يحلو لنا؟ ألا يحقُّ لنا ان نفرح وننسى همومنا ولو ليوم واحد؟ ( وليس واحد يوم...!) يافا ليست أقلَّ شأنا من عكا والناصرة، فهي قادرة أن توفّر لسكانها المتعة والرفاهيّة، وتشجّع الفن والثقافة، وتحتضن مشاريع ومهرجانات ذات رسالة اجتماعيّة وفنيّة!
نعم أوافق مع ذلك، فقد كنت وما زلت من المؤمنين بضرورة هذه المشاريع وهذه البرامج...ولكن، وهنا بيت القصيد، ليس هذا هو التوقيت لإغراقنا في فيض من المهرجانات! مع العلم بحسن نوايا البعض من القائمين على المهرجانات، ورغبتهم الصادقة في جلب الفرح والمتعة لأهل يافا. نحن في بداية مرحلة في غاية الخطورة، إنّها مؤامرات تُحاك ليل نهار، والهدف منها واضح وجلي: إخلاء يافا منّا! إننا لا نناسب ذاك المجد الذي يتنبأ به أهم رجالات الاقتصاد والسياسة ليافا! وجه يافا يتغيّر بسرعة لا نستطيعُ مواكبتها، فأنت تمرُّ في المكان صباحا، ولكنك قد لا تعرفه في المساء، ما كنت تراه من نافذة بيتك لن تراه بعد يومين، بل ستطلُّ عليك بناية بطراز عربيّ جميل، ولكن لا لن يسمح لك أن تحلم بالعيش فيها، قد يُسمح لك النظر إليها أو العمل في صيانتها وتنظيفها، حتّى إشعار آخر!
القبور تدنّس، المساجد تُقتحم، الأثارات تُسرق ( طالعتنا الصحف العبريّة صباح اليوم في خبر مهم عن اكتشاف أثري للوح بخط عربيّ يكشف النقاب عن حقبة تاريخيّة مهمة، ويعتبر أحد المشاركين في الحفريات الأثريّة هذا الاكتشاف من أهم الاكتشافات في العصر الحديث... ومواقعنا مشغولة بأخبار "أثريّة" عن فسخ خطوبة فلان)، البيوت تُباع في المزاد العلنيّ، التعليم في أدنى مستوياته والتجهيل في أعلاها!
الحل ليس في المهرجانات! فلنؤجّلها بعد أن نضمن البقاء هنا... البقاء بكرامة.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]