لم يدع الاعلان عن نتائج امتحان البيزا الدولي ما يمكن لنا أن نُعلّق عليه أمالنا، في امكانية أن يُحقق المجتمع العربي ذاته في الناحية التعليمية لأبنائه، مع أن العنوان كان دوماً على الجدار وأمام مرأى ومسمع الجميع.
ولم العجب؟!، أليست امتحانات الميتساف ونتائجها سبقت بكثير نتائج امتحانات البيزا الدولية؟، فكل هذه النتائج والوقائع كانت تشير الى أن الجهاز التعليمي للعرب في اسرائيل كان وما زال فاشلاً، ويُؤسس الى صقل شخصيات دون المستوى المطلوب.
وأمام هذه المعطيات المقلقة فإننا سنضع بين أيدي القارئ الأسباب الكامنة وراء هذه النتائج التي لم تغب للحظة عن أعين المراقبين وصناع القرار.
لا شك أن المستوى التعليمي والثقافي للأهل يؤثر بشكلٍ كبير على المستوى الثقافي والتعليمي لأبنائهم، وهذا ما أشار اليه الدكتور "نوعام غروبر" في بحثٍ صدر عن معهد توريش الذي صرح خلاله عن مدى قوة العلاقة بالمستوى الثقافي للأم وتحصيل ابنها "التلميذ"، لكن اذا اعتبرنا أن الأهل غير مؤهلين لتحمّل هذه المسؤولية وانتشال ابنائهم نحو ما يتطلع اليه المجتمع من الناحية الثقافية والعلمية، فهل نعفي أصحاب المسؤوليات من واجباتهم؟!.
ان التقارير الأخيرة تشير الى أن ثمّة أمر كبير يحصل أمام أعين الجميع دون أن يُحرك أحد ساكناً، من تعيينات لغير مؤهلين لإدارة العملية التعليمية، ومناهج تؤسس الى صقل شخصيات راكدة وعقلية ثابتة متحجرّة، جعلت الطالب العربي مجرد وعاء يُعبئه المعلّم بالمعلومات فقط!.
علاوة على كل ما سلف، فإن الخبراء يشتكون من الكوادر المهنية التي التحقت بالمدارس الابتدائية خاصة، إذ يدور الحديث عن معلمين غير مؤهلين، فاقدي التخصصات، فعلى سبيل المثال تجد معلماً للغة العربية يُدرس العلوم والدين الاسلامي، ومعلم للرياضيات هو بالأصل تم تعيينه على أساس معلم لمادة العلوم، كما أن المحسوبيات تفرض نفسها في كل تعيين للمديرين او المعلمين، أضف إلى ذلك فقدان المراقبين - المفتشين العرب في المدارس من الوسط العربي لمتابعة تنفيذ المنهاج ومحاسبة المدارس والطواقم التعليمية المقصّرة في أداء واجباتها.
وقال أحد الباحثين الأكاديميين أن أبرز ما تُعاني منه العملية التعليمية هو فقدان ذلك المربي الذي يسعى الى توجيه طلابه من خلال طرق يُؤسس للبحث والتنقيب عن المعلومة بدلاً من هذا الأسلوب التقليدي الذي أكل عليه الدهر وشرب، حيث فقدت العملية التعليمية ذلك الأسلوب الذي يجعل الطالب يبحث ويفتّش ويحقق وراء المعلومة التي ترسّخ الى عقلية مدركة تسعى لتطوير قدراتها، وتحصيل المعلومات من المصادر والتجربة، فلا نريد معلمين فقط بل نريد مربين يفرضون احترامهم وقدوتهم على العملية التربوية التي ستمنح الجو الدراسي حتماً شيئاً يشوّق الطالب للتعليم.
اضافة الى ما ذُكر فإن المدارس الابتدائية تُعاني كذلك من سوء ادارة وعشوائية في فرض وسائل تعليمية، وكأن المدرسة أضحت حقلاً للتجارب عبر فرض اساليب غير مدروسة وغير مهنية، كتحويل الدراسة على سبيل المثال الى تعليم محوسب، والاستغناء عن الكتابة بالقلم في المراحل التعليمية الابتدائية، وهي مراحل يرى كثير من الباحثين أنها هامة جداً في تأسيس الطالب ولا سبيل الا بالاستعانة فيها بالكتاب والقلم، وأن التعليم المحوسب رغم تسميته على كونه شعاراً "للحداثة"، إلا أنه أسلوب لا يتماشى مع المرحلة التأسيسية للطلاب، وأن اعفاء الطلاب في هذه المرحلة من القلم سيجعلهم يصطدمون بسوء احكامه لاحقاً وضعف لغتهم التعبيرية.
وتشير التقارير إلى أن معظم طلاب المدارس الابتدائية يعانون من قلة في الملكات التعليمية الأساسية مثل (فهم المقروء، التعبير، الملكات الكتابية)، ولا يوجد لديهم ثروات لغوية، وهذا ينعكس تماماً على باقي المواضيع كالرياضيات، ولذلك نرى أن معظم الطلاب في هذه المرحلة راسبون، او يحصلون على علامات متدنية وفق نتائج امتحانات البيزا والميتساف في المواضيع الاساسية "العلوم الرياضيات، الانجليزي، العبري"، فالقراءة وفهمها هي مدخل لكل العلوم، وان فقدان هذه الملكات ستنعكس سلباً على بقية المواضيع.
فهل بقي هنالك عقلاء بأن يدركوا أن المشكلة تكمن في البيت الداخل رغم أننا لا نعفي المؤسسة من سوء ادارتها، وقلة مراقبتها ومحاسبتها لكل تلك المؤسسات المقصرّة، فإن وزارة التربية والتعليم ومن تحتها مديرية التعليم في بلدية تل ابيب تدرك تماماً وتعلم علم اليقين ان ما يصدر من نتائج من امتحانات الميتساف وامتحانات البيزا الدولية للمدارس الابتدائية هي حقيقية، وثمة مشكلة عجزت عن حلها، وما زالت تكنس تحت البساط كل تلك الاخفاقات التي مضى عليها عشرات السنين.
يشار الى أن نتائج امتحانات البيزا الدولية الأخيرة أشارت الى فجوة كبيرة وتمييز في كافة المجالات التعليمية والميزانيات بين الطلاب العرب واليهود في البلاد، فيما أكد الباحثون أنه لا علاقة لدرّ الميزانيات في رفع المستوى التعليمي لدى الطلاب، فكثيرة هي النماذج التي نرى فيها شحّ الامكانيات في بعض الدول والمناطق بينما يتحصل طلابها على أعلى الدرجات، ومدارس غزة والقدس ومناطق أخرى ليست ببعيدة ...!؟.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]