ما هي إلا سويعات ويحل علينا عام جديد! بضع ساعات ،ويبدأ العد التنازلي بين المشرق والمغرب لإستقبال عام آخر.
وكلٌّ يحتفل باستقبال العام الجديد بطريقته الخاصة.. عيد تعدّى الشعوب والأديان والألوان , وأرض فلسطين المقدسة التي ولد فيها سيدنا المسيح عيسى بن مريم عليه السلام وراح ينشر السلام والمحبة بين بني البشر تئن ألماً وتعيش هذا العيد بأجواء ممزوجة بالحزن والفرح تبحث عن السلام وعن الحق , عن الحرية وحقوق الإنسان , عن العدل وعن ليلة تمرّ دون أن تحتضن الأرض المقدسة شهيداً آخر دفع أغلى ما عنده حباً ودفاعاً عن الوطن. أرض غاب عنها السلام وذبحت عليها حمائم السلام!! بين الناصرة وبيت لحم , بين يافا وغزة , بين كنيسة القيامة وقبة الصخرة وفي المخيمات وفوق كل مئذنة وكنيسة.
تقرع أجراس الكنائس وينادي المنادي :"حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح" وقليل من يلبي النداء. عهدة عمرية كتبت على الصخرة الصماء , شاهدة على رباط من الأخوة والمحبة بين الأديان وأخرى كتبت لا نقول بالمداد ولكن بالدماء.
رابطة أخوية بين ألأهل في المشرق العربي منذ أن تعانقت الديانة الإسلامية والمسيحية بأجمل صورها الإنسانية والحضارية فعاش الإنسان المسلم إلى جانب أخيه المسيحي بسلام ومحبة على مدى عقود طويلة.
ولنسأل الفرات الذي يشهد على تاريخ سالَ وسارَ في عروقه يحمل الأصالة والفكر والملحمة العربية المشرقية , هذا الفرات الذي احمرّ محياهُ خجلاً من تاريخ نسيناه وماضٍ أضعناه أمام شاشات التلفاز وأمام المسلسلات الهابطة،والأفلام الرخيصة، وأخ كبير واخر صغير إلى أن نمتثل لفراش الكسل واللا مبالاة القاتل والقاهر.
كل يوم تطلع علينا شمس الصباح معلنةً ميلاد فجر جديد يحمل في طياته النور والأمل وما أن تغيب عنا تلك الشمس حتى نسطر جملاً من الفشل والإهمال لا نقولها بحق غيرنا ولكن بحق أنفسنا أولاً. ويمضي يوم اخر.. ونهار اخر.. وفجر اخر.. ونعيد الكرّة مرة وأخرى لنستقبل عاماً اخر بعد أن مضى الذي قبله دون أن نحرّك ساكنا ونتباكى على عام مضى ولا نكترث.
لستُ خرّيجا من كلية الفلسفة ولا كلية العلوم التطبيقية فأنا إنسان مثلي مثلكم لي طموح وأمال ويوم جديد لي معه لقاء كل يوم إلى أن يشاء الله. مثلكم انسان يسأل نفسه كل يوم امام المرآة :"أيوماً اخر أضعته يا فلان ؟" لا بد من مقدمة نقولها فنحن العرب أبناء سيبويه وابن خلدون والخوارزمي وكم هم كثر علماؤنا ومفكرونا , نحب الحديث ونحب بعثرة الكلمات المهمة وغير المهمة وأن نقول ما نعرف وما لا نعرف المهم أن نقول .
لا بد من كلمة نقولها ونحن نستقبل العام الجديد.. كلمة تحمل مشاعر الحزن والأسى لما جرى . ويتلعثم لساننا عندما نضع الحاضر بين يدينا وترتجف شفاهنا ونحن نتحدث عن مستقبل مجهول. فمن منكم يعرف عن الغد أخباره، غير الله عالم الغيب والشهادة . الغد المجهول هو ثمرة الماضي الذي أضعناه, الغد المجهول هو عمل اليوم , هو حلم الأمس , هو طموح المثابر وشقاء عامل يمسح جبينه من عرق الأمس , هو تفاؤل اليوم . هو اليد الممدودة نحو الغد لتحضنه وتلاطفه وتمتلكه قبل أن يصفعها كما فعل بالأمس. "بأيّ حال عدت يا عيد؟!" وبيت لحم تزينها شجرة الميلاد وخلفها يختبئ المخيم , بأي حال عدت يا عيد ونحن نفترش الأرض ونلتحف السماء في كانون كما هو حال عائلة أبو عيد في اللد , لأن يد ظالمة امتدت محاولة إقتلاعنا من جذورنا من أصالتنا من تاريخنا الذي كتبناه بدمائنا, وفي الشيخ جراح، وفي سلوان، وفي يافا، ومثلثنا الجنوبي، والشمالي، وجليلنا، وماضينا، وحاضرنا ومستقبلنا الذي تهدّدُه البلدوزرات والدولارات والمستوطنات , وتهددنا أفكارنا وأعمالنا وخيالنا المحدود وفكرنا المهزوز.
فأجراس العودة لن تقرع أمام شاشات التلفاز، ولا باب الحارة، ولا فوق اطلال بيت هدمته قوات طاغية تركت طفلا يبكي على كراسته المدرسية وعلبة الحلوى التي خبأها تحت وسادته التي دنستها "بساطير" العساكر.
لن تستقبلوا العام الجديد وحدكم آل أبو عيد!! فنحن معكم في يافا وعكا والجليل. قضيتكم هي قضية كل عربي يجلس معكم في الخيمة أو لا يجلس , يتضامن أو لا , يخاف أو لا يخاف , غدا سيعرف أن لكل واحد منا يوم ولكل واحد منا خيمة . لكل واحد منا يوم وله غد عليه أن يستعدّ للقائه شاء من شاء وأبى من أبى، إلى أن يكتب الله أجلا كان مفعولا. لم يكن ولن يكون عدوَّنا الأول جرافة تهدم بيتنا أو جنديا يعتقلنا, لأنّ عدونا الأول هو اللا مبالاة والخنوع عدوّنا الأول هو التشاؤم والبكاء والعويل , عدونا أن ينظر الواحد منا للأخر دون أن يحرّك ساكنا ونقول له يا حرام يا مسكين , في حين هو بأمسّ الحاجة لنقول له قضيتك هي قضيتنا وما أصابك قد أصابنا ولنواجه المستقبل معاً ولعل المستقبل يحمل في طياته ما هو أصعب ..
لنستقبل عاما جديدًا راجين من الله اللطف والصبر والرباط على أرض الرباط , ولكل المحتفلين بالعيد أقول :"تذكروا عائلة أبو عيد".
عبد القادر سطل يافا
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]