منقول عن الزميل ساهر غزاوي
مناقصات مطبوخة وشبه سرية للتعيينات
يَعْتبر جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) أن منظومة التعليم العربي داخل الكيان الإسرائيلي مسألة “أمن وطني” عليهم السيطرة عليها بشكل متعمق إلى الجذور، وعليهم السيطرة فيها على الهوية الفلسطينية وكيفية تشكيلها وتأسيسها منذ الأساس في مؤسسة التربية والتعليم، حتى يصبح الطالب العربي ضحية لمؤامرة خطيرة من غسل دماغ وتشويه رؤية وتزوير رواية وفرض الآخر عليه واخفاء عنه تفاصيل هامة ومفصلية في تاريخ الشعب الفلسطيني وقضيته والصراع على أرضه.
لذلك، تعمق جهاز “الشاباك” في المنظومة التعليمية العربية، وكانت له الكلمة الأخيرة في مسألة تعيين المعلمين والمديرين وفصلهم أيضًا، حيث كان يتم الفصل طبقًا لقرارات متعسفة من جهاز “الشاباك” إثر نشاط المعلمين أو المديرين السياسي، أو حتى بسبب نشاط أحد أقاربهم السياسي الذي يؤدي إلى فصل تعسفي دون توضيح الأسباب.
وفي الإطار، أوضحت الوثائق التي كشفت عنها “يديعوت أحرنوت” في تقريرها عام 2017، أن النشاط السياسي للمعلمين والمديرين لم يكن السبب الوحيد الذي يثير حنق جهاز الشاباك، حيث كان الأشخاص المثقفون محل شك من جهاز الأمن الإسرائيلي، ليكون سببًا كافيًا لاستبعادهم من صفوف الإدارة خصيصًا وصفوف المعلمين بشكل عام، حيث كان من الصعب الوصول إلى هيئة تدريس كفء للمدارس العربية التي تعمق الشاباك في السيطرة عليها.
وللوقوف على حقيقة ما يجري في المدارس العربية، التقت صحيفة “المدينة” بأحد المدرسين من منطقة الناصرة للتحدث عن تجربته الطويلة في سلك التعليم وقال: الأمر أكبر مما نتخيل! “الشاباك” يتدخل في تعيين المدراء وفي أدائهم وخاصة فيما يتعلق بالفعاليات اللامنهجية وكذلك ومن خلال المدراء هناك متابعة لأداء معلمي الدين.
ويضيف: بما أن هناك أهمية لكل ما يتعلق في السلة الثقافية والتعليم اللامنهجية فهناك إشراف مباشر على هذه الأمور، يكفي أن نعرف أن مضامين السلة الثقافية مراقبة وعادة يمنع من يطرح قضايا دينية من العمل مع المدارس. أضف إلى ذلك أن كل جهاز التفتيش وخاصة التفتيش اللامنهجي أو ما يسمى دائرة الشباب وكشافة المدارس يتحكم في كل ذلك “الشاباك” وبقوة، وتجد أن معظم المسؤولين هم من المقربين للأحزاب الصهيونية!
ويستدرك: لأن التعليم اللامنهجي هو الأهم من حيث التأثير على بناء الهوية لكل طالب، كذلك هناك سيطرة واضحة على برنامج رحلات المدارس وطابعها العام، فبينما يشمل برنامج الرحلات المدارس اليهودية مضامين تعزز الهوية الدينية نجدها عند العرب تسعى لإضعاف الانتماء الديني، كذلك بالنسبة للموظفين في الوزارة تجد أنهم من المقربين للسلطات أو من أبنائهم ولا تجد بينهم موظفين ذوي توجه إسلامي وعادة تكون المناقصات مطبوخة وشبه سرية.
كما يضيف في ختام حديثه: قسم القوى العاملة في الوزارة ذو طابع طائفي واضح وكذلك يتدخل “الشاباك” في أقسام المعارف التابعة للسلطات المحلية.
الهدف ضرب مكانة المعلمين والمس بالثقة بهم
وفي مداخلة له لصحيفة “المدينة” حول هذا الموضوع، يقول الناشط السياسي والأكاديمي المحامي علي حيدر: لقد أعاد كشف جدول اجتماعات مدير عام وزارة المعارف، على أثر التماس قدمته الجمعية لحرية المعلومات، والذي يكشف عن عقد لقاء بينه وبين ممثلي جهاز الأمن (الشاباك) في شهر نوفمبر الماضي، من أجل مناقشة مواضيع متعددة متعلقة في جهاز التربية في المجتمع العربي والقدس المحتلة. أعاد الى الاذهان تدخلات أجهزة الأمن في العملية التربوية العربية بشكل مكثف في مرحلة الحكم العسكري (1948-1966) وما تلاها. حيث سيطرت قوى الأمن من خلال تعيينات المعلمين والمربين والمفتشين ووضعت المضامين والمناهج التعليمية والتي هدفت إلى ضرب مكانة المعلمين والمس بالثقة بهم وتهجين هوية الطالب العربي ونزع عن تاريخه وانتمائه ونفي الرواية التاريخية لشعبه ومحو ذاكرته.
ويؤكد المحامي علي حيدر أن “تدخل قوى الأمن في العملية التربوية هي عملية غير قانونية ومنافية للحقوق والحريات الأساسية للإنسان كحرية المعتقد والعمل والفكر والخصوصية والكرامة…الخ. كما أنها منافية للفكر التربوي السليم”. لافتاً إلى أن “هذا النهج يكرس فكرة رؤية العرب كأعداء وأن جهاز التربية هو جهاز سيطرة ورقابة وهندسة للوعي. ولذلك فهذه ممارسات مرفوضة يترتب معارضتها وإيقافها. وفي المقابل مطلوب تعزيز مكانة المعلم العربي وزيادة وعيه وتداخله المجتمعي وشعوره بالحرية وعدم الانصياع والخضوع للرقابة الذاتية. إلى جانب تربية طلابنا على قيم الانتماء والعدل والمساواة والحرية والاعتزاز بتاريخهم وتراثهم”.
مجتمعنا بحاجة لبناء حصانته المجتمعية
رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم العربي الدكتور شرف حسّان، يؤكد في مقابلة له مع “المدينة” أن استمرار تدخل الشاباك في التعليم العربي مرفوض ومدمر ويعمق عدم ثقة العرب بالتعليم ويزيد من حالة الاغتراب.
ويقول: “علينا أن نؤكد في نفس الوقت بأن مجتمعنا العربي بدأ منذ سنين طويلة بكسر حاجز الخوف ولذلك نرى في التعليم العربي الكثير المعلمين والمديرين والمسؤولين الملتزمين والوطنيين ويقومون بعمل هام في تربية الأبناء. لقد رأينا ذلك في التجاوب الكبير مع مبادرات تربوية للجنة متابعة التعليم العربي، لذلك علينا دعم وتشجيع معلمينا ومديري المدارس ومؤسساتنا وحثهم على القيام بواجبهم التربوي بشكل مهني والتربية للقيم التي نصت عليها وثيقة أهداف التعليم العربي التي صاغها المجلس التربوي العربي".
ومن أجل مواجهة استمرار تدخل الشاباك في التعليم العربي، يقول حسان إن “المطلوب هو تصعيد نضالنا لتغيير واقع التعليم الذي يتطلب تقوية مؤسساتنا الوطنية كلجنة متابعة التعليم العربي ولجان الأهالي وكذلك تقوية أقسام التربية في السلطات المحلية وتطوير عملها المهني وكذلك قيام المدارس والمربين باستغلال الحيز الكبير المتاح لهم للعمل التربوي الذي يخدم مجتمعنا وكذلك زيادة التنسيق والتعاون بينها وبين جميع الأطراف المعنية الشريكة في النضال ولجنة الرؤساء ولجنة المتابعة العليا والنواب العرب والجمعيات وما إلى ذلك”.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]