ما أجمل بزوغ فجر جديد ترسل فيه شمس الصباح خيوطها معلنة استقبال يوم جديد بعد أن غسل الليل أطرافه وجمّد البرد القارس عقولنا وأفكارنا أمام مدفئة نحضنها كما لو كانت حبنا الكبير من سبات عميق نستفيق ونتقلّب في فراشنا علّ الليل الطويل يطول وينتظر الفجر قليلا ريثما ننتهي من كتابة نهاية جميلة لحلم مرعب استولى على أفكارنا ووجداننا.
فجراً جديدا نستقبله بعد ليل جلا دماء من رحلوا عنا دون وداع. رحلوا عنا وهم يلبسون العيد ويرسمون الفرحة على وجوه أطفال فرحة قلّما نلقاها في شوارع يافا البائسة الحزينة.
يافا التي تنتظر عودة الأهل وعودة من رحلوا عنا قبل عقود من الزمن ولكن الحدث راسخ في عقولنا وكأن ما حدث ما لبث أن مرت عليه عشية وضحاها. الذاكرة أقوى من المكان والزمان واحتلال الأرض لا يعني فقدان المكان ولكن هو قهر للإنسان والزمان هو مرحلة لا بد منها في سجل التاريخ ،ومن يملك أن يغير ما كان.؟! شعب تشتت بين الأقطار ولكن الأنظار تجمدت في حر حزيران والأفكار تطفو من شدة البرد القارس في عتمة كانون ومن شدة الحنين إلى فلسطين الذاكرة والمكان والزمان.
ونحن جزء من الذاكرة ومن الشعب وممن رحلوا وعادوا أو لم يعودوا. ويافا تشكّل صورة مصغرة من شعب العروبة والتضحيات والإيمان والصبر فيه الحلو والمرّ فيه الحب، والكراهية، والتسامح والعداء ،فيه العطاء والتفاني والإخلاص وفيه كل مكونات المجتمع المتجانس ولكنه يحب العيش بكرامة على أرض من كانوا.
أمطار غزيرة اجتاحت البلاد وجابت شوارع يافا لتغسلها من غبار الصيف الحار وتجلي معها دماء من سقط فيها وبرد قارس كان له وقع على نفوسنا وأجسادنا هو خليط من الخوف والسكينة , من الرغبة بمعرفة الحقيقة، مع أن الحقيقة لن تغير ما فينا، ولن تكون الدواء، بل ربما تكون كشفا للداء أما الدواء فهو نحن .
أنا وأنت. علينا أن نتحدى البرد والعتمة والشتاء ،حتى لا يقال عنا "ذهب مع الريح ولم يحرّك ساكنا". الأمر لا يتطلب مجهودًا كبيرًا، بل أن نخرج مجرد أن نخرج ونترك المدفئة وننطلق إلى الشارع فهناك سنجد طفلاً جائعاً نقدم له وجبة ساخنة وسنسمع أنين أمِّ تنتظر عودة الغائب ونرى بأم أعيننا الألم والحزن والعتمة. في الشارع نضيء شمعة تنير درب أطفالنا ونقدم لقمة تشبع بطوناً جائعة ونرسم بسمة على شفاه طفل تمزقت شفتاه من البرد . لا تخف يا أخي ويا أختاه فمجرد أن خرجت سترى أن العشرات بل المئات بانتظارك. لسنا بحاجة إلى سيارة ولا طيارة فمشاكلنا رابضة على أعتاب بيوتنا وعيوبنا تدق أبوابنا وغدنا مشرق وخلف كل غيمة شمس ساطعة وبعد كل شتاء ربيع وبعد المطر تلد الأرض خيرا كثيرا.
أقدم يا أخي أنا معك وكلنا معك لأن يافا بحاجة لنا جميعا.
وكلمة إلى أم حافظ بشراك يا أم حافظ فغدا لناظره قريب وحافظ سيكون أو من يخرج ومعه أهله ومعه أصحابه ورفاقه ومعه كل يافاوي . الحرية لحافظ وجميع الأسرى في السجون والمعتقلات. والحرية لمن قيّد أرجله بسلاسل المدفئة.
عبد القادر سطل
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]