يقول صاحبي :" بعد أن خطبتها صرت أعد الثواني واللحظات حتى نجتمع تحت سماء واحدة وكان لنا ذلك ، فعشنا حياة زوجية لا تختلف عن حياة كثير ممن حولنا ، نجوع أحيانا ونشبع أحيانا ، ونختصم أحيانا ونصطلح أحيانا ، لكننا تعاهدنا ألا يخرج من ذلك شيء ، حتى إلى أهلنا ، مع أن أهلها كانوا كخير ما يكون الأهل ، على فاقتهم ، ولعل ذلك كان أول خطئنا.
ورزقني الله تعالى منها الأولاد فلم يكن أحد أشد فرحا مني بذلك ، الأمر الذي زادني كلفا بها حتى صارت هي محور حياتي ، أفعل ما أستطيع لكي أمضي رغباتها ، فلم أكن أعترض على شيء تريده ما دام لا يغضب ربا ، ولم أمنعها عن وصل أرحامها متى أرادت من ليل أو نهار ، وكنت لها "كأبي زرع لأم زرع" ما استطعت ، ودائما ما ألتمس لها المعاذير حينما أراها غضبى ، فوطأة الحياة شديدة وهي تحتاج إلى متنفس ، يخفف عنها ما هي فيه.
ثم انتقلنا إلى بيت جديد ، ووالله ، ما إن دخلت هذا البيت حتى انقبض قلبي ، وأحسست بانزعاج وضيق شديدين ، وتذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم :" «إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ، وَالمَرْأَةِ، وَالفَرَسِ» وازدادت أعباء الحياة على غير المعتاد ، وبدأ الشيطان ينزغ بيننا نزغا شديدا ، حتى أصبَحَت في أحيانٍ كثيرة لا ترجع إلى البيت من بيت أهلها إلا كالمضطر ، وكانت تُستفز لأتفه الأسباب . كنت أرى ذلك وأقول : رب سلم ، سلم ، فقد كنت أخاف أن ينهار كل شيء . وصار الهم حِلسَ بيتنا فلم يفارقنا ، حتى فرقنا الطلاق.
كان وقع ذلك عَلَيَّ كالطامة ، ويشهد الله ، أن خروج روحي أهون علي من خروج تلك الكلمة البغيضة من بين شفتي ، وصار شأني كما قال الفرزدق :
ندمـــــت ندامة الكسعيّ لمّـــا ... غدت منّي مطلّقة نُــــوار
وكانت جنّتي فخرجت منها ... كآدم حين أخرجه الضّرار
وكنت أسمع كثيرا من العذال من يقول لي : إن النساء كثير ، ومن أتى بها سيأتي بغيرها ، وهي ليست بآخر النساء ... كلام كثير كان بالنسبة لي كوقع السياط ، لكنني كنت أكتم ما بقلبي من وله بها حتى لا أرمى بالجنون أو الخبل ، وكان لسان حالي معهم كما يقول شوقي:
يا لائِمي في هَواهُ وَالهَوى قَدَرٌ ** لَو شَفَّكَ الوَجدُ لَم تَعذِل وَلَم
تَلُم
لَقَــــد أَنَلتُـــــــكَ أُذنـــــاً غَيرَ واعِيَةٍ ** وَرُبَّ مُنتَصِتٍ
وَالقَلبُ في صَمَـــمِ
فأنا لا أرغب في غيرها ، بل آليت على نفسي إلا أمَسَّ امرأة غيرها ما حييت . ثم ابتلاني الله تعالى بعد ذلك ببلية زادت من وطأة الأمر علي ، حتى أنكرتُ نفسي ، وأنكرني من يعرفني ، ودخلت في حالة من الانطوائية والسوداوية حتى صارت تمر علي الأيام ذات العدد بل والأسبوع والأسبوعان لا أجاوز عتبة بابي ، وصرت أتمنى مع هذه الحالة الموت بل وأسعى إليه سعيا ، وتجنبت الناس ومخالطتهم ، وخلقت حولي عالما افتراضيا ، وأشخاصا افتراضيين ، أحدثهم ويحدثونني وأبثهم ما أجد ، وكانت تأتيني أحيانا أوقات ترجع إلي فيها نفسي ، فأسعى إلى من يساعدني ممن أثق فيهم ، فأجد الاستعداد لذلك منهم ، ثم تفتر همتي أو همتهم فأنتكس إلى ما كنت إليه.
ولما كتبت هذه الأخت رسالتها الجريئة ، بعثت الأمل فيَّ ، فلعل كلماتها تلامس قلبا طالما نبض بالحب والمودة ، أو تحرك أوتارا طالما عزفت ألحان العشق الحلال ، وكنت أقلب تعليقات القراء على أتنسم بين الردود أنفاسا من وامق ، أو إشارة من حبيب مفارق فلا أجد .
يا صاحبي ، أنا لا أتمنى من هذه الدنيا شيئا إلا أن يكون آخر نفس لي فيها ورأسي على وسادة الحبيب وعينيَّ ترنوان إليه " تلك كانت كلمات بل زفرات بثها إلي صاحبي ، كانت تخرج من فمه أحر من الجمر ، كان يشرق بها أحيانا ويغص أخرى ، لكنني أعلم علم يقين أنه صادق في كل زفرة منها.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]