الانتخابات في بلادنا ليست مسرحية بل واقع . انها ساحة سياسية تعمل بها الاحزاب والقوائم وتعرض من خلالها برامجها الانتخابية المتكاملة امام الجمهور وذلك عبر منصات ومحطات التلفاز والاذاعة وقنوات التواصل الاجتماعي بهدف جذب واقناع المواطن ببرنامجها .
المسرح المستقل حزبيا , المُسيّس والملتزم لخدمة الشعب ليس بحاجة لعرض برنامج احزاب او قوائم فالمسرحيات الفنية الراقية الوطنية التي تعرض امام الجمهور الكبير والصغير تصبو بان تعكس آلام وآمال الناس من الناحية العملية فالبرنامج المسرحي هو اداة لرفع وعي الجماهير ورافعة لتحقيق مطالبه وذلك بالاطار الحزبي او الغير حزبي الذي يختاره المسرح بنفسه.
ورغم ذلك فهناك هموم مسرحية هامة تتعلق بتصرف الاحزاب العربية في الحراك والانشطة الفنية في بلادنا واهمها محاولة تأطير العمل الفني العام القائم وامكانياته والتسلط عليه خاصة الناجح , والامثلة على ذلك كثيرة . ان توقعات العاملين بالحقل الفني تختلف مع هذه النظرة وما يحصل على ارض الواقع من محاولات احتكار النشاطات الناجحة ما هو الا تضييق للعمل الفني الحاضر والمستقبلي .
نحن العاملون في المجال الفني عشرات السنين نتوقع من الاحزاب واعضاء الكنيست العرب ان يعملوا على دعم الانشطة الفنية العربية على مختلف اطيافها وبناء خطة دعم كاملة ومتكاملة وهنا اعطي مثالا على ذلك عمل النائب احمد طيبي في الكنيست باسم القائمة المشتركة على دعم الفن بغض النظرعن اي انتماء حزبي للنشاط من خلال تعاونه مع منتدى الجمعيات الثقافية العربية المستقل الذي يوحّد الكثير من الهيئات الثقافية الفنية في البلاد. نحن نرفض اية مراقبة او شروط على الفن ان كان ذلك من احزابنا او من المؤسسة الرسمية . ومن اجل الحصر لا التعميم لنأخذ المسرح العربي في البلاد مثالا . لقد مر المسرح بمراحل مأساوية ولعل اهمها اغلاق مسرح الميدان وتدهور الانتاج المسرحي لمسرح السرايا العربي في يافا لدرجة ان اصبح المسرح العبري المدعو مسرح يافا المسرح العربي العبري (وهو ما كان يسمى مسرح ميكومي العبري سابقا ) منصة للمسرح العربي .هل ذلك بسبب صراعات حزبية حول التسلط على هذه المسارح ؟ او اسباب اخرى مرتبطة ايضا ؟ مسائل فيها نظر. ولكن من الناحية الاخرى لا ننكر دور الاحزاب في دعم الحياة الثقافية في البلاد كالحزب الشيوعي الذي دعم المسيرة الثقافية سنين طويلة من خلال وسائله الاعلامية وكذلك حزب التجمع الوطني الديمقراطي . ولا يخفى ان عوامل اخرى لعبت دورا مصيريا مثل الدعم الرسمي المالي الشحيح من المؤسسة الرسمية .
لقد آن الاوان ان نطالب الاحزاب العربية ان تضع في برامجها الانتخابية جزءا خاصا للناحية الثقافية الفنية في البلاد . ان الاحزاب عندما تطرق ابواب المواطن وتطلب دعمها لبرنامجها تضع امامه اجندتها السياسية والاجتماعية وغيرها مثل الحق بالمسكن والدفاع عن الاراضي ومعارضة هدم البيوت والاعتراف بالقرى الغير معترف بها ومحاربة العنف والجريمة . طبعا هذه النواحي مهمة جدا ولكن ماذا بالنسبة للفنون ؟ هل يمكن ان تكون لنا متطلبات حياة اساسية دون وجود الفن في مجتمعنا ؟ هل قضية العنف غير مرتبطة بالثقافة والفن والروح ؟ هل الحق بالمسكن لا يشمل مراكز وأبنية للفن كجزء من التخطيط المدني ؟ ان الحياة متعلقة بالفن لأن الفن اكثر من رسالة فهو مرآة تعكس قضايا وآمال وحقوق الانسان , لانه القلب النابض في حياة الشعوب وبدون القلب لا توجد حياة . نحن شعب يستحق الحياة ويستحق النشاط الثقافي والفني .
ان من حق المؤسسات الثقافية الفنية العربية في البلاد الحصول على الدعم الحقيقي حتى تستطيع تقديم الفن الملتزم الراقي وتعمل على دفعه خطوات الى الامام من ناحية وتامين حياة الفنان من خلال حصوله على حقوقه بالعمل من ناحية اخرى . فالمطلوب صياغة اجندة واضحة عامة غير مشروطة بمصالح حزبية .
لذلك وجب على الاحزاب جميعا العمل معا لوضع برنامج ثقافي فني على اجندتها بالتعاون مع المؤسسات والجمعيات وعلى رأسها منتدى الجمعيات الثقافية العربية والمراكز القائمة مثل مركز مساواة وفنانين واشخاص مهنيين ومختصين آخرين من نواحي ثقافية مختلفة.
ان الحياة مبنية على الفنون والشعوب تقاس وتعتبر بانتاجها وابداعها الفني , ونحن لدينا الكوادر الثقافية الفنية في جميع المجالات من اجل انتاج نشاط ثقافي عظيم ولكن ما ينقص هو الدعم ثم الدعم ثم الدعم .
بعد ذلك يرفع ستار انتصار القائمة المشتركة بجميع احزابها دون استثناء ويرفع ستار العروض الفنية التي ستشارك في بناء حياة كريمه آمنه جميلة من حق شعبنا .
يناير 2021 /يافا
اديب جهشان. مدير مسرح السرايا سابقا.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]