أصدر قاضي المحكمة المركزية في القدس، موشيه بار – عام، الأسبوع الماضي، قرار حكم في قضية أراضي البطريركية الأرثوذكسية في القدس، يقضي بأن على البطريركية أن تدفع مبلغ 13 مليون دولار إلى شركة "هيمنوتا" التابعة لـ"كيرن كييمت ليسرائيل" (الصندوق الدائم لإسرائيل – "كاكال") في قضية تأجير الأراضي للأخيرة في منطقتي رحافيا وطالبية في القدس لمدة 99 عاما.
وجاء قرار الحكم رغم أن القاضي بار – عام أكد في قراره أن "البطريرك ثيودوروس لم يوقع بخط يده على وثائق الصفقة. وتم تزوير توقيعه ولم يؤكد من قِبل (كاتب العدل المحامي أبراهام) بيري. وإلى جانب ذلك، فإن ختم البطريركية وختم البطريرك اللذان يظهران على الوثائق هي أختام أصلية، رغم أنه ليس واضحا من ختم بها الوثائق"، بحسب تقرير نشرته صحيفة "ماكور ريشون" في موقعها الإلكتروني اليوم، الأحد.
ويذكر أنه في هذه القضية، بعد التأجير المزعوم لأراضي البطريركية في رحافيا وطالبية لـ99 عاما، في منتصف التسعينيات، نقلت "كاكال" حقوق التأجير هذه إلى "مديرية أراضي إسرائيل"، التي بدورها أجّرتها لـ1100 عائلة ومؤسسة تقطن في هاتين المنطقتين اليوم. وبمرور السنين ارتفع سعر هذه الأراضي بينما في نهاية الألفية الماضية كان البطريرك ثيودوروس قد أصبح مسنا ومريضا. وبسبب هذه الصفقة المزعومة وغيرها، كانت تمارس عليه ضغوط من طائفته، وضغوط أخرى من الحكومة الإسرائيلية التي سعت إلى الاستيلاء هلى هذه الأراضي من خلال تمديد فترة تأجيرها كي لا يبرم صفقات مع مستثمرين باسم السلطة الفلسطينية، حسب الصحيفة.
وفي العام 2000، توجه المحامي يعقوب فاينروت إلى وزيري المالية والبنية التحتية الإسرائيليين، كوكيل للسمسارين الحريديين يعقوب رابينوفيتش ودافيد مورغنشتيرن، اللذين ساعدهما شخص يدعى بينو زيسمان. وادعى السمساران وزيسمان أنهم يتواصلون مع مكتب البطريرك ثيودوروس، وأن البطريرك يوافق على توقيع صفقة، تقضي بتأجير الأراضي لمدة 999 عاما مقابل مبلغ 16 مليون دولار.
وأضافت الصحيفة أن الحكومة الإسرائيلية وافقت على هذا العرض، لكن بسبب صعوبة إبرام البطريرك صفقة كهذه مع إسرائيليين، تم الاتفاق على أن يقيم رابينوفيتش شركة أجنبية باسم Christian Land in Israel، وأن تحصل على حقوق التأجير بالائتمان لصالح "هيمنوتا". واشترط السمساران أن تكون الصفقة سرية وأن يتم تحويل المال نقدا إليهما ومن دون إصدار سندات قبض مقابل المال. كما طلب فاينروت والسمساران إضافة 4 ملايين دولار كأتعاب.
ولاحقا، نقل فاينروت شيكا بمبلغ 16 مليون دولار إلى رابينوفيتش وزيسمان، كي ينقلانه إلى البطريركية. لكن السمسارين صرفا الشيك وغادرا البلاد من دون تسليم المبلغ إلى البطريركية. وإثر ذلك سارعت "هيمنوتا" إلى تسجيل "ملاحظة معارضة" على الأراضي في الطابو، التي أثارت غضب الكنيسة الأرثوذكسية ورفعت دعوى من أجل شطب المذكرة، وأكدت أنها لم تتلق مالا وأن التواقيع مزورة. وأظهر تحقيق أجرته الشرطة الإسرائيلية أنه جرى إيداع الأموال في أوروبا وأن السمسارين حصلا على معظمها. وتم لاحقا سجنهما وتغريمهما بعد إدانتهما في محكمة إسرائيلية.
وفي العام 2013، أصدرت المحكمة قرارا جاء فيه أن "صفقة الأراضي وهمية ولا صلاحية لها. ولم تشترِ هيمنوتا أي حق في الأراضي بموجب وثائق الصفقة".
ثيوفيلوس ومحضر العام 2006
يشار إلى أن قرار القاضي بار – عام، من الأسبوع الماضي، جاء في إطار دعوى قدمتها "كاكال" في العام 2013، تطالب البطريركية بدفع 13 مليون دولار. وحول ذلك، قال بار – عام إن البطريرك الحالي ثيوفيلوس الثالث "أجرى في العام 2006 مفاوضات مع هيمنوتا من أجل إنهاء النزاع. وشملت المفاوضات لقاءات في القدس وتل أبيب، وشارك فيها ثيوفيلوس نفسه ومحامياه، والمحامي إلحناني من قبل هيمنوتا، والمحامي فاينتروب كوسيط".
وصاغ الأطراف محضرا للاجتماع الذي أصبح يعرف بـ"اتفاق 2006"، وكُتب في بدايته أنه بعد مفاوضات بين ثيوفيلوس ومحاميه وبين مندوب "كاكال" تم الاتفاق بين الجانبين على "بذل أي جهد من أجل تسوية الخلافات سلميا بين البطريركية وكاكال بخصوص قضية الأراضي". لكن في هذه المرحلة لم يكن ثيوفيلوس قد حصل على مصادقة نهائية لتعيينه بطريركا، وشمل المحضر تعهدا منه بالحصول على موافقة "السينودس المقدس". ويدل ذلك على أن الحديث لا يدور عن اتفاق موقّع على تأجير الأراضي في رحافيا وطالبية.
وجاء في المحضر من العام 2006 أن "كاكال" ستتنازل عن كافة مطالبها بالنسبة لأراضي الكنيسة، فيما تختار الكنيسة بين تعويض "كاكال" بـ13 مليون دولار، أو تمدد تأجير الأراضي بـ150 عاما مقابل 4.5 مليون دولار. وقال بار – عام إنه من أجل إعطاء صلاحية لهذه التفاهمات، "عُقد اجتماع احتفالي وغير مألوف في مكتب المحامي فاينتروب في تل أبيب، بمشاركة البطريرك وحاشيته، مندوبي كاكال وهيمنوتا، وقاضيين متقاعدين هما أفيغدور ميشعالي ودان أربيل، وعدد من المحامين". ورفعت "كاكال" الدعوى المطالبة بـ13 مليون دولار لأن ثيوفيلوس رفض تحويل المحضر إلى اتفاق والتوقيع عليه.
بيع أراضي الكنيسة
بين ثيوذوروس وثيوفيلوس كان يرأس البطريركية البطريرك إيرنيوس الأول، الذي عين في العام 2001. وماطلت الحكومة الإسرائيلية بالمصادقة على تعيينه حتى 31 آذار/مارس 2004، بادعاء التخوف من مواقفه المؤيدة للفلسطينيين.
إلا أن هذه المخاوف الإسرائيلية تبددت، بعدما تبين أن إيرينيوس أبرم صفقات مع متبرعين يهود لجمعية "عطيرت كوهانيم" الاستيطانية، بداية العام 2005، وباعهم ثلاث عقارات إستراتيجية للكنيسة الأرثوذكسية في البلدة القديمة، هي فندقا إمبريال وبترا وعقار آخر، جميعها في منطقة باب الخليل. وفي حزيران/يونيو من العام نفسه، قاد ثيوفيلوس حملة للإطاحة بإيرينيوس.
وحصل ثيوفيلوس على اعتراف تعيينه بطريركا من الأردن، وتعهد للأردن والسلطة الفلسطينية بعدم إبرام صفقات مع إسرائيل. لكن رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه، أريئيل شارون، الذي غضب من الإطاحة بإيرينيوس، رفض الاعتراف بثيوفيلوس كبطريرك.
وتغير هذا الوضع لاحقا بعد تلاقي مصالح، بحسب الصحيفة: فاينتروب أراد التخلص من دعوى "كاكال" من خلال جمع أموال لتعويض "كاكال" عن المال الذي سرقه السماسرة؛ وثيوفيلوس أراد اعتراف الحكومة الإسرائيلية به كبطريرك.
وأشارت الصحيفة إلى أنه في العام 2007 تم تعيين الوزير رافي إيتان، المسؤول السابق في الموساد، وزيرا لشؤون البطريركية اليونانية الأرثوذكسية في القدس. وتبين أن محضر 2006 شمل بندا مفاده أنه إذا لم تعترف الحكومة الإسرائيلية بثيوفيلوس بطريركا حتى أيار/مايو 2008، سيُلغى المحضر.
ولم يتم الاعتراف بثيوفيلوس خلال هذه الفترة. وفي نهاية العام 2008، طالب الوزير يتسحاق كوهين من حزب شاس الحكومة بأن تستخرج من ثيوفيلوس رسالة مفصلة حول تعهداته تجاه السلطة الفلسطينية والأردن. وفي موازاة ذلك، أحضر إيتان تصريحا من ثيوفيلوس جاء فيه إنه "يتعامل بمساواة من دون تمييز بين ديانة وعرق وقومية". كذلك حصل إيتان على تعهد من ثيوفيلوس بتمديد محضر العام 2006 بسنة كاملة. وفي نهاية العام اعترفت الحكومة الإسرائيلية بثيوفيلوس بطريركا.
وبحسب الصحيفة، فإن ثيوفيلوس باع في العام 2016 أراضي الكنيسة في رحافيا وطالبية لشركة "نايوت كومميوت" التابعة لنوعام بن دافيد وعائلته. والآن تعرض هذه الشركة على العائلات التي تسكن في بيوت على أراضي الكنيسة في رحافيا وطالبية ملكية كاملة لها مقابل 38% من قيمة هذه العقارات، وفي موازاة ذلك تدفع "نايوت" اتفاقيات "إخلاء – بناء" وصفقات أخرى في هذه الأراضي نفسها.
وخلصت الصحيفة إلى أنه بموجب اتفاقية شراء هذه الأراضي، فإن "نايوت" اشترت أيضا "الالتزامات والمخاطر"، ولذلك فإنها ستدفع مبلغ الـ13 مليون دولار إلى "كاكال".
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]