كتب الادباء ودوّّّن الشعراء في القديم والحديث , اجمل الكلمات وأرق العبارات عن الام , كلٌ تناول جانباً مشرقاً لصفة من صفاتها الحميدة التي انفردت بها دون منازع , مثل الصبر , والتضحية , والبذل , والعطاء , والحب , والحنان , والرحمة , وغيرها من الصفات التي اودعها الله تعالى في الأم , ورغم ما قدمه الادباء والشعراء من فن وإبداع في التعبير والتصوير , لم يفوا بالطلب , وما زالوا وسيظلون بعيدين عن المعنى الحقيقي للأمومة , لأن كل صفة اودعها الله تعالى في الأم هي اكبر من الكلمات والألفاظ والعبارات , لو استعرضنا صفة الصبر التي تتحلى بها الام على سبيل المثال , لوجدنا صبراً يفوق التصوّر والخيال , صبرا لا يطيقه اقوى الرجال , صبرا لا حدود له , لا ينتهي ولا يتوقف عند حد , ابتداء من الحمل وتبعاته , ثم الوضع وآلامه , وما يعقبه من الرضاعة والسهر والرعاية المتواصلة التي لا تعرف الكلل ولا الملل , القرآن الكريم يعرض في معرض حديثه عن الوصية بالوالدين مرحلة الحمل والوضع والرضاعة في موضعين , ففي سورة لقمان يقول الله تعالى ووصينا الانسان بوالديه حملته امُهُ وهنا على وهن , وفصاله في عامين ان اشكر لي ولوالديك اليّ المصير. الوهن هو الضعف الذي يعتري الجسم جراء الحمل , والفصال هو الفطام من الرضاعة , وفي سورة الأحقاف يقول الله تعالى : ووصينا الانسان بوالديه احساناً , حملته امُهُ كُرهاً ووضعته كُرهاً , وحملهُ وفصالهُ ثلاثون شهراً . الكُره اي المشقة , مشقة الحمل ومشقة الوضع , وما يعقبهُ من الرضاعة والسهر والرعاية المتواصلة وتوفير كل اسباب الراحة , كل ذلك يتمُ مصحوبا بالصبر الجميل بلا تأفف ولا ضجر , بل تقوم به الأم وهي راضية طيّبة النفس , والأشدّ على الأم من مشقة الحمل وآلام الوضع , تخلي الأب عن مسؤولياته الأسرية , وتركها وحدها وأولادها الصغار دون رعاية واهتمام , تعاركُ قسوة الحياة وشظف العيش , والأشدّ من ذلك كله , والقاصمُ للظهر العقوق , عقوق الولد لأمه , سؤ معاملته لها , اساءة الأدب معها , الجحود ونكران الجميل على عطائها المتواصل له بلا انقطاع , منذ كان علقة في رحم امه اول الحمل , الى ان خرج الى الدنيا خلقاً آخر بشرا سويّا , وبلغ أشُدّه واستوى اي أصبح كامل الرجولة , لولا عناية أمه المصحوبة بالصبر الجميل ورعايتها له طوال هذا الفترة الطويلة , لما بلغ مبلغ الرجال ولا حتى انصاف الرجال , هل في اللغة لفظٌ يمكن ان يعبّر عن حقيقة صبر الام تعبيراً دقيقاً ؟ لا احسب ذلك فصبر الام اكبر من ان يستوعبه لفظ من الالفاظ , وأعظم من ان تسعه الكلمات , بل هو الذي يسع الجُمل والمفردات , يسع العقوق بكل ما يمثل من جراحات وآلام وإساءات , وجحود ونكران , فيه تذوب الجراحات والآلام والإساءات , فيه يذوب قبحُ العقوق ويبقى الصبر الجميل , يتجلى ماثلاً في ابتسامة الأم ,كلما رأت اولادها سعداء , هذا كل ما تتمناه من دنياها ,
وفي الختام كلمه قالها النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الأم اذكّر بها الأبناء , روى البخاري ومسلم وابن ماجه , عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجلٌ الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله , من احق الناس بحسن صحابتي قال أمك , قال ثم من ؟ قال أمك , قال ثم من ؟ قال أمك , قال ثم من ؟ قال ثم أبوك , وصية النبي الأكرم بالأم ثلاثاً , دليل على سمو منزلتها , وعلو قدرها , وعلى المهمة الضخمة المنوطة بها , والدور المقدس الذي تنفرد به , والذي يتمثل بكل ما ذكرناه آنفاً , أمك تفرح لفرحك , وتحزن لحزنك , تجوع لتطعمك , تعرى لتكسوك , تؤثرك على نفسها , تعطي بلا مقابل , يرضيها ما يرضيك , بعد ذلك كله هل تبخل عليها بزيارة قصيرة ولو مرّه في الأسبوع , تسأل عن حالها وتدخل السرور عليها , ولتطمئن هي عليك , ألا تستحق منك زيارة وكلمة حانية وابتسامه وقبلة تطبعها على يدها امتنانا وعرفانا لها بالجميل؟ وأنت لو أمضيت عُمُرُك كله بارا بأمك , ما وفّيتها بعض حقها عليك , لا يوفيها حقها إلا الله عز وجل , فسارع إليها لتسترضها , فرضا الله من رضاها .
سعيد سطل ابو سليمان. يافا 17 /3 / 2012
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]