أود أن أجعل هذه العبارة الاجتماعية في مقدمة حديثي:" إن حقائق اليوم هي أحلام الأمس، وأحلام اليوم حقائق الغد"، إن هذه النظرية مؤيدة بالبراهين ومعززة بالدلائل والوقائع، فمن كان يصدق أن يصل العلماء إلى ما وصلوا إليه من اكتشافات واختراعات قبل وقوعها ببضع سنين، وعندما أعلنَ عن هذه الانجازات قام البعض لينكرها ويكذبها إلا أن الواقع أيدها والدلائل أثبتتها... وأصبح كيانها أمرٌ واقع ووجودها حاضر بوضوح في أثر الحياة.
فإذا وُجهت الأنظار إلى بطون مجلدات التاريخ وتفحصتها بنظرة عميقة ومتأنية، نجد أن نهضات الأمم مجتمعة إنما بدأت على حال الضعف والهوان فكان يُخيل للناظر إليها أن وصولها لقمم المجد أمرٌ محال وضربٌ في الخيال، ومع هذا الخيال فقد قصّ علينا معلم التاريخ أركان وأسس تلك النهضات التي بلغت ذروة النجاح والتوفيق عندما تشبثت في هذه الأركان الخمسة: (" الإيمان بالفكرة، والإرادة، والعمل، والحكمة، والصبر").
فمن ذا الذي كان يُصدق أن الجزيرة العربية تلك الصحراء المجدبة الجافة تنبت النور والعرفان، وتستطيع أن تفرض نفوذها الروحي والسياسي على أنحاء شاسعة من المعمورة وتسقط عملاقة ذاك الزمن من الفرس والبيزنطيين، ومن ظن أن أبا بكر ذو القلب الرقيق باستطاعته إخراج أحد عشر جيشا في يوم واحد لقمع الطغاة وتأديب العُصاة واستخلاص حق الله في الزكاة بعد تقويم كل معوج وضال وكان أنصاره في حيرة من أمرهم، ومن أعتقد أن صلاح الدين الأيوبي قد يقف الأعوام الطوال فيدحر خمسة وعشرون ملكا من أوروبا إلى أعقابهم يجرون الخيبة وأذيال الهزيمة... .
إن الإيمان بالفكرة السليمة القويمة ("القرآن والسُنة") والانتظام من حولها بعد الاقتناع التام بشموليتها وما تحمله من مبادئ وأفكار يُنتج الإخلاص الوفيّ الذي يبعث في النفوس الإرادة الصلبة للسيّر نحو قلب الواقع وتغيير الحال القائم، وإذا وضع الفرد المؤمن بالفكرة غاياتها نصب عيناه فقد حقق شطرها الأول وأما النصف الثاني المتمم فهو مقرون بالعمل والسعيّ الدائم لتحقيق الغاية، والعمل إن لم يكن منظما فمآله الاندحار فلا بُد من فرض النظام وطرح الأجندة العملية الواضحة حتى لا تستنفذ الطاقات والجهود عبثا، وما من أمة قد طرقت باب النجاح إلا نالته لكن بين طرقاتها قد قدمت القرابين النفيسة على مذبح العزة فاحتسبت وصبرت فتمكنت في الأرض بإذن الله تبارك في علاه.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]