يقول الله تعالى : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا , إنّ أكرمكم عند الله اتقاكم ,إنّ الله عليم خبير.
الخطاب في هذه الآية لجميع الناس على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم , كل الناس خلقهم الله تعالى من ذكر وأنثى , من لدن آدم وحواء , الملفت في الآية أن الله تعالى جاء بعبارتي شعوبا وقبائل بصيغة الجمع وليس بصيغة المفرد , لم يقل شعباً وقبيلةً , إنما قال شعوبا وقبائل ليشير إلى التعددية , شعوب متعددة وقبائل متعددة , والتعددية تعني أجناسا متعددة , وألوانا متعددة , ولغات متعددة , وثقافات متعددة.
هذا الاختلاف والتعددية في الأنواع والأجناس والألوان واللغات هو آية من آيات الله , وسُنةٌ من سُننه الكونية. ولو شاء الله عز وجل لجعل الناس شعبا واحدا , أو قبيلة واحده لونها واحد ولغتها واحده وثقافتها واحده , يقول الله تعالى في ذلك , ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة , ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك , ولذلك خلقهم , نستدل من الآيات أن الاختلاف سُنة كونيه من سُنن الله في مخلوقاته , فالاختلاف ظاهرة صحية , وظاهرة ضرورية لإقامة الحضارة الإنسانية والتقدم العلمي والرُقي , ومن تأمل في مخلوقات الله في الكون ومن حوله , يجد أن الاختلاف ليس بين بني البشر فقط بل في الطبيعة كلها , في الإنسان والحيوان والجماد والنبات , ففي النبات يقول الله تعالى : الم تر أن الله انزل من السماء ماءً فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها , الثمرات مختلفة الأنواع , والأشكال والألوان والمذاق والرائحة , انه التنوّع والتعددية في النبات والثمار , وفي الجماد يقول الله تعالى : ومن الجبال جُددٌ بيض وحُمرٌ مختلفٌ ألوانها وغرابيب سود , وفي الإنسان والحيوان يقول الله تعالى : ومن الناس والدواب والأنعام مختلفٌ ألوانه كذلك.
إذا الاختلاف والتعددية سمة جميع المخلوقات , والإنسان يتميّز عن باقي المخلوقات بسمة العقل والتفكير , هذه السمة نشأ عنها نوعان من الخلاف , خلافٌ محمود , وخلافٌ مذموم , الخلاف المحمود هو الاختلاف في الآراء والأفكار , لكل إنسان رأي , وكلُ رأي يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ , كلٌ مطالبٌ باحترام الرأي الآخر وان اختلف معه في الرأي , أحترمُ رأيك وان اختلفتُ معك , وتحترم رأيي وان اختلفتَ معي , هذا هو الخلاف الطبيعي والمحمود , هذا النوع من الخلاف حصل بين كبار الصحابة والتابعين , وحصل بين أئمة المذاهب , ولم تخرج من أفواههم كلمه جارحه بحق الآخر , اختلفت آراؤهم وأفكارهم ولم تختلف قلوبهم.
أما الخلاف المذموم والذي حذرنا منه القرآن الكريم في قوله تعالى ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم , الخلاف الذي يؤدي إلى الفُرقة , الخلاف الذي يؤدي إلى الخصومة ويؤدي إلى الاقتتال , الخلاف الذي يُلغي الآخر , الخلاف الذي يحدثُ بدافع التعصُّب لفكر , أو مذهب , أو حزب , أو شيخ , أو جنس , أو عرق , أو قومية خلاف منبوذ ومذموم , لأنه يؤدي إلى التشرذم والتفرّق والتنازع والاقتتال بين أبناء الجنس الواحد والوطن الواحد والقومية الواحدة والدين الواحد وهذا ما نشاهده على امتداد الوطن العربي , يُقتل الأبرياء في الوطن العربي على الهوية وعلى المذهب وعلى الانتماء , هذا سُني وهذا شيعي وهذا علوي وهذا بعثي وهذا ماروني وهذا قبطي الاستعمار هو الذي انشأ هذه الاصطلاحات العرقية والاثنية , مصطلح عربي وتركي وكردي وأرمني , الاستعمار هو الذي صنّف المسلمين عرب وأكراد وفرس وسنه وشيعه بهدف الوقيعة بين المسلمين لتفريقهم , وزرع بذور الشقاق والنزاع بينهم على أسس عرقية واثنيه , وطائفية ومذهبيه , لكي تسهُل السيطرة عليهم , وإسرائيل صنفت العرب داخل الخط الأخضر هذا مسلم وهذا مسيحي وهذا بدوي وهذا درزي , وذلك لزرع بذور الشقاق والنزاع والكُره بين أبناء الوطن الواحد , ولا بد من الاعتراف أنهم نجحوا وبامتياز في التفريق بين أبناء الوطن الواحد , وفي زرع بذور النزاع والشقاق والكره بينهم , أي أن العرب بلعوا الطُعم ووقعوا في الفخ , واللهُ غالبٌ على أمره.
سعيد سطل أبو سليمان يافا 10 /4 / 2012
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]
