تعّرف على قرية سلمة المهجرة قضاء يافا
يافا 48
2023-01-02 07:01:00
كانت قرية سلمة قائمة في رقعة مستوية من الأرض في السهل الساحلي الأوسط الى الشمال من الطريق العام المؤدي الى يافا. وكان سكان القرية يعتقدون إن قريتهم سميت بهذا الاسم تيمنا بالصحابي الجليل سلمة أبو هاشم, الذي دفن في القرية سنة 634م, وبات ضريحه القائم في الركن الشمالي الغربي من القرية يعرف بمقام سيدنا سلمة.
في سنة 1596 كانت سلمة قرية في ناحية الرملة (لواء غزة) وعدد سكانها 94 نسمة. وكانت تؤدي الضرائب على عدد من الغلال كالقمح والشعير, بالإضافة الى عناصر أخرى من الإنتاج والمستغلات كالماعز وخلايا النحل. وقد زار الرحالة الشامي المتصوف البكري الصديقي, الذي جال في المنطقة في أواسط القرن الثامن عشر. في أواخر القرن التاسع عشر, كانت سلمة قرية مبنية بالطوب وفيها بضع حدائق وآبار.
كان سكانها يتألفون من 6670 مسلماً و 60 مسيحياً. وكان في سلمة مدرستان: أحداهما للبنين والأخرى للبنات. وقد فتحت مدرسة البنين أبوابها في سنة 1920 ومدرسة البنات 1936. وفي سنة 1941 كان عدد التلامذة المسجلين في المدرستين 504 تلاميذ و 121 تلميذة على التوالي وكان سكان القرية يمولون فريقا لكرة القدم.
كان في القرية عدة متاجر وخمسة مقاهي. وفي فترة الانتداب أنشئ في سلمة شركة نقل امتلكت السيارات والباصات وكان لها شركاء في قرية العباسية المجاورة وكانت تدعى شركة سيارات سلمة - العباسية وكان سكان سلمة يعملون بصورة رئيسية في الزراعة وفي كل وما يتعلق بها. كما عمل نفر منهم في التجارة وفي الوظائف الحكومية.
في 1944\1945 كان ما مجموعه 2853 دونما مرويا أو مستخدما للبساتين. أما الزراعة فكانت بعلية ومروية معا, وكانت مياه الري تجلب من نحو 85 بئرًا ارتوازية. وكان المزارعون يشحنون منتجاتهم الى يافا ويبيعون قسماً منها في المستعمرات الصهيونية المجاروة. وكانوا يشحنون الحليب أيضا الى مصنع للألبان في يافا, كان يمتكله رجلان من سلمة.
إحتلال القرية
كانت سلمة محاطة بعدة مستعمرات يهودية وباتت عرضة للهجمات شبه المستمرة طوال خمسة اشهر ابتداء من 5 كانون الأول\ ديسمبر 1947 أي بعد مرور أسبوع على صدور قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين. فقد ذكرت صحيفة (نيورك تايمز) أن عناصر من الهاغاناه أطلقت نيران رشاشاتها على سلمة في ذلك اليوم, وان الأسر العربية راحت تخلي المنطقة وتتوجه الى اللد والرملة. وذكرت صحيفة (فلسطين) أن هجوما ذا شعبين وقع في التاريخ نفسه, وأنه هدأ بعد وصول الشرطة البريطانية ثم استؤنفت في الليل. وقد أفيد عن وقوع عمليات قنص وعمليات هجومية أخرى في اليومين اللاحقين. ويذهب تاريخ الهاغاناه الى أن قيادة الهاغاناه في تل أبيب قررت في كانون الأول\ ديسمبر 1947, "مهاجمة قرية سلمة السيئة الصيت", ويضيف أن "هذا الهجوم كان الأول على قرية عربية", وقد نفذ فجر 19 كانون الأول\ ديسمبر, وكان مآله الفشل. ويشير المؤرخ الإسرائيلي عارف العارف الى غارة أخرى شنت في 28 كانون الأول\ ديسمبر وسبقها هجوم تضليلي انطلق من مستعمرة بيتح تكفا. وقد انطلقت الغارة الصهيونية من رمات غان, حيث حشد الصهيونيين قوة كبيرة تم تشكيلها من شرطة المستعمرات اليهودية ومن عصابة الإرغون. ولم يكتف المدافعين عن القرية بإرغام المهاجمين على الانسحاب فحسب, بل شنوا أيضا هجوما مضادا على بيتح تكفا, وانضم إليهم فيه رجال الميليشيا من اللد والعباسية.
في أوائل كانون الثاني \ يناير 1948, أقام سكان القرية عدة دفاعات مرتجلة حول سلمة. وورد في صحيفة (نيويورك تايمز), بتاريخ 11 كانون الثاني\ يناير, أن وحدات الجيش البريطاني استخدمت نيران المدفعية لإزالة أربعة حواجز حول القرية, وأوعزت الى المختار بأن يلزم سكان القرية بردم خندق كبير(أعد فيما يظن, كتدبير دفاعي). وذكرت صحيفة فلسطين الحادث نفسه, مضيفة أن الجيش البريطاني سوغ أعماله بالقول أنه يحتاج الى التنقل بحرية في أنحاء المنطقة. ومن الجلي أن الحواجز الدفاعية كانت نافعة, إذ إن صحيفة (فلسطين) أشارت الى أن ما لا يقل عن عشر هجمات متباينة شنت على القرية في كانون الثاني\ يناير وحده, وأحيانا كان يشن أكثر من هجوم في الليلة الواحدة.
أما أكبر الهجمات التي شنت في الأسابيع اللاحقة والتي ذكرت أنباؤها في عدة مصادر فهي تلك التي وقعت في 28 شباط \ فبراير 15- 16 نيسان \ أبريل. وقد أرسل جيش الإنقاذ العربي 20 مقاتلا للمشاركة في الدفاع عن سلمة أثناء الهجوم الأول. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز, في سياق تقريرها عن هذا الهجوم أن الهاغاناه (اجتاحت) سلمة, وأن هذا الهجوم لم يكشف النقاب عنه إلا في اليوم التالي عندما اكتشفت الشرطة البريطانية جثث 6 يهود قتلوا في أثناء محاولة الاجتياح. وجاء في بلاغ رسمي أصدرته القوات العربية المتمركزة في المنطقة, أن قوة مؤلفة من 250 جنديا يهوديا اشتركت في الهجوم الأول, ومنها فصيلة أمامية قوامها 50 عنصرا.
وأضاف أن اليهود الستة الذين قتلوا كانوا من الفصيلة المذكورة التي حاصرها المدافعون عن القرية. وقال البلاغ, الذي نشر في صحيفة فلسطين إن ثلاثة من العرب قتلوا في المعركة بينهم امرأة. وذكر عارف العارف أن 30 قذيفة هاون على الأقل, انهمرت في أثناء الهجوم الثاني على القرية من مراكز يهودية في مستعمرة بيتح تكفا. استمرت الهجمات حتى النصف الثاني من نيسان\ ابريل, لكن ذخيرة المدافعين عن القرية ما لبث أن نفذت وأخذ سكانها بالرحيل خلال عميلة حميتس (الفصح) التي هدفت الى تطويق يافا واحتلالها. وقد احتلت وحدات من لواء ألكسندروني سلمة في 29 نيسان \ أبريل 1948. ويستشهد موريس بقول إذاعة الهاغاناه إن القرية أخليت منذ الهجوم الأول. غير أن العارف يذكر أن القوات اليهودية لم تدخل سلمة إلا بعد أن أيقنت بأن القرية أخليت من سكانها.
ويروي أن القرية كانت خالية في 30 نيسان\ أبريل. ويفيد نبأ عاجل ورد في صحيفة نيويورك تايمز أن سلمة استسلمت للهاغاناه في ذلك اليوم. وقد زار سلمة, في وقت لاحق من ذلك اليوم, دافيد بن- غوريون الذي كتب في يومياته أنه لم يجد فيها "إلا امرأة مسنة عمياء". ويقول موريس إن السكان تشتتوا بين مواضع عدة, فذهب بعضهم الى نواحي رام الله ونابلس, وذهب بعضهم الآخر الى غزة والأردن.
القرية اليوم
بقي من القرية أبنية كثيرة: منازل عدة, أربعة مقاهي, المسجد، المقام، مقبرة واحدة, المدرستان. المنازل مهجورة وفي حال مزرية من الإهمال, باستثناء تلك التي يقيم يهود فيها. وهذه المنازل مبنية في معظمها بالأسمنت, وتبدو عليها سمات معمارية متنوعة. وهي أبنية مؤلفة من طبقة واحدة أو من طبقتين, ولها أبواب ونوافذ مستطيلة الشكل (باستثناء منزل واحد يجمع بين النوافذ المقنطرة والمستطيلة). وتعود ملكية أربعة منازل الى أحمد محمد صالح ومصطفى أبو نجم وأبو جرادة وأبو عماشة. أما منزل أبو نجم فهو بناء من الأسمنت مؤلف من طبقتين, أبوابه ونوافذه مستطيلة (بعضها مصبغ, وبعضها الآخر ذو مصراعين). وهو مختوم وقد زال الدرج الخارجي المؤدي الى طبقته العلوية.
كانت المقاهي الأربعة معروفة بأسماء مالكيها: محمد الحوتري, وأبو عصبة وشعبان الناجي, والعربيد. وتعيش أسرة يهودية في مقهى الحوتري. ولهذا المقهى رواق أمامي مغلق وسقف مائل مغطى بصفائح معدنية متموجة وباب وسم قسمه الأسفل بنجمة داود. المقام ذو القبة في حال من الإهمال. إحدى مقبرتي القرية (مقبرة الشهداء) مهجورة وتكسوها النباتات البرية, أما الثانية فقد حولت الى منتزه إسرائيلي صغير. وتنبت أشجار التين والسرو والنخيل وشوك المسيح ونبات الصبار في أنحاء الموقع. وبصورة عامة, يغلب البناء على الأراضي المحيطة.
التعليقات