اعتبرت جريدة الوفد في عددها الصادر يوم الثلاثاء (24/4) أن إلغاء عقد تصدير الغاز لإسرائيل بمثابة «فرقعة سياسية»، كما ذكر عنوان الصفحة الأولى الذي أبرز باللون الأحمر.
وأوردت الصحيفة ما ذكرته بعض مواقع التواصل الاجتماعي من أن القرار ليس سوى «تمثيلية لرفع شعبية العسكري».
هذه اللغة التي انطلقت من التشكيك في دوافع اتخاذ القرار ترددت أصداؤها في بعض الكتابات والتعليقات المصرية. التي لم تفترض البراءة في مقاصده.
بالمقابل فإن الإعلام الإسرائيلي كانت له قراءة أكثر جدية وأشد توجسا، حيث أشارت معظم التعليقات إلى أن الأمر يدل بشكل جاد على أن ثمة تغيرا في السياسة المصرية بعد الثورة.
حين يدقق المرء في الصورة ويتتبع تطورات الحدث، يدرك أن خطاب التشكيك والتهوين ظلم القرار كثيرا ولم يعطه حقه، حيث أزعم أنه يمثل نقطة مضيئة وصفحة مشرفة في سجل الثورة المصرية، وسجل المجلس العسكري والحكومة أيضا.
وتلك شهادة ينبغي ألا نضن بها إذا أردنا أن نكون منصفين، وحين نذكرها فإننا لا نطوي صفحات أخرى محسوبة على الاثنين، لأننا لسنا في وارد المحاكمة وإنما نلتمس الإنصاف وإحقاق الحق.
إذ ليس سرا أن موضوع تصدير الغاز لإسرائيل ظل يشكل صداعا للمجلس العسكري من ثلاث زوايا على الأقل.
من ناحيته، لأن العقد فاسد من الأساس وسبق أن حكم القضاء الإداري ببطلانه في عام 2008، ولكن النظام السابق احتال لاستمراره.
من ناحية ثانية فإنه كان مجحفا بحق مصر وظالما لها حيث كان يبيع الغاز لإسرائيل بثمن بخس لا علاقة له بالأسعار العالمية.
من ناحية ثالثة فإن عملية تأمين خط الغاز أصبحت تشكل عبئا على السلطات المصرية بعد تعرضه إلى 14عملية تفجير حتى الآن.
لهذه الأسباب فقد اتجهت النية لإلغائه في أول فرصة، مع الحرص على ألا يؤدي ذلك إلى تحميل الطرف المصري بأية تعويضات.
ومعلوم أن إسرائيل لجأت إلى التحكيم الدولي مطالبة بتعويضات قدرها 8 مليارات دولار عن فترات انقطاع الغاز المصري عنها. إلا أنه تبين أن العقد الموقع في سنة 2005 يتضمن نصا يقضي بأنه إذا لم يسدد الطرف الإسرائيلي التزاماته المالية لمدة خمسة أشهر، فإن ذلك يعطي مصر الحق في فسخه من جانبها. وهو ما حدث هذه المرة، إذ ظل الطرف الإسرائيلي يسوِّف ويماطل في الدفع طوال تلك المدة، غير متوقع أن تلجأ السلطات المصرية إلى فسخ العقد.
وحين تراكمت الديون على الإسرائيليين ووصلت إلى مائة مليون دولار وبعدما مرت الأشهر الخمسة المحددة في الاتفاق، اتخذت القاهرة قرارها الذي ترقبته.
وحين قالت السيدة فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي إن مصر على استعداد لبيع الغاز لإسرائيل من خلال توقيع اتفاق جديد، فإن كثيرين لم ينتبهوا إلى دلالة الكلام ومغزاه.
ذلك أن الاتفاق الجديد ــ إذا تم ــ فإن بيع الغاز سيكون بالأسعار العالمية، وليس فيه أية تضحية من جانب مصر.
الأهم من ذلك أن الاتفاقية في هذه الحالة ينبغي أن تعرض على البرلمان لإقرارها كما نص الدستور، وهذه هي العقدة التي نستطيع أن نقول من الآن أنه سيصعب تجاوزها، لأن البرلمان بتركيبته الحالية لا يمكن أن تمرر اتفاقا مع إسرائيل من ذلك القبيل.
وهذا التحليل يسوغ لنا أن نقول إنه بفسخ عقد البيع فإن باب تصدير الغاز لإسرائيل قد أغلق تماما، في الأجل المنظور على الأقل.
إذا صح هذا الذي ذكرت فهو يضمن أن حسابات إصدار القرار اتسمت بالجدية والرصانة، وأن فكرة الفرقعة أو التمثيلية لم تكن واردة في العملية، وإن كنت أسلم بأن صدوره رفع من شعبية المجلس العسكري، وهو أمر ينبغي ألا نضيق به أو نستهجنه.
بل من ناحيتي أضيف أنه حتى لو كان الأمر فرقعة أو تمثيلية فإنه يستحق الترحيب أيضا، طالما أنه يؤدي إلى تصحيح العلاقة المختلة مع إسرائيل.
ثمة بعد في المشهد ينبغي الانتباه إليه، وهو أن أصداء التشكيك في القرار تدل على وجود أزمة ثقة بين بعض عناصر النخبة وبين المجلس العسكري، فتحت الباب لإساءة الظن في ملابسات ومقاصد القرار.
وتلك أزمة عامة تعاني منها مصر الآن، واستفحل أمرها حتى أصابت علاقات مختلف القوى السياسية ببعضها البعض.
وهى مشكلة تحتاج إلى حل، ولا يتسع المجال للتفصيل فيها، ولذلك سأكتفي بتشخيصها هذه المرة، آملا أن تناقش مقترحات علاجها في وقت لاحق.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]