كَثُرَتْ في الآونَة الأخيرةِ إعداداتُ الكافرين لِبَثِّ الشُّبهاتِ التي تثار حول الإسلام والمسلمين ، بغيًا منهم ليطفئوا نورَ الله بأفواههم ، وقد قال تعالى : ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [سورة الصف،آية:8] .
وقد اتَّخذوا عدَّةَ وسائلَ مسمومة في ذلك ، منها : المناشِير ، والكُتيِّبَات ، ومواقع الإنترنت ، والجامعات الصهيونية على سبيل الخصوص ، مما جعل بعض المسلمين الذين من جلدتنا يتزعزعوا عن دينهم ، وينقلبوا على أعقابهم لأتْفَهِ شُبْهَة ، وما سبب ذلك التزعزع إلا أنَّهم يواجهونها بغير سلاح ، ولا أيِّ عتاد ، اللهُّم الفطرة السليمة التي فطرنا الله عليها ، إلا أنَّ آثار هذه الشبهات تبقى في نفوسهم ، تُؤلِمُهُم ، وتصدهم بين الحين والآخر عن هذا الدين الحنيف .
ونرى فريق آخر لديه قَدْرُ معين من الثقافة العامَّة ، يحاول أنْ يُنَاطِحَ هذه الشبهات للدفاع عن هذا الدين ، فيبدأ بمناقشتهم ومحاورتهم اعتمادًا على ثقافته المحدودة ، فنجده يقع فريسة سهلة في حبائل شبُهاتهم ، حتى أنَّ البعض مِمَّن كانوا يحاولون أن يردوا الشُّبهات قد أصبحوا من الدعاة لها ، وقد كان يكفيهم مراجعة كتب مختصة بالذَّود عن الإسلام في وجه هذه الشبهات ، أو مراجعة أهل العلم المُخْتَصِّين .
وأحْبَبْتُ في هذا المقام أنْ أُبَيِّن سخافة ، وركاكة ، ودنائة شبهة : " تنصيف ميراث المرأة " التي يُدَندَنُ عليها ليلًا ونهارًا ، وسأختصر الأمر بقدر الاستطاعة .
محلُّ الشبهة " لديهم " هو قوله تعالى : ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [سورة النساء ، آية:11] .
يجاب عن هذه الشبهة : أنَّ هذا التَّنصِيفَ ليس عامًّا في جميع أحكام الميراث المتعلقة بالأنثى ، وإنَّما بأربع حلات فحسب ؛ ويقابل هذه الحالات الأربع ، ضِعْفَهَا من الحالات التي تَرِثُ فيها الأنثى أكثر من الرجل ، وهناك حالات تَرِثُ فيها الأنثى ولا يَرِثُ فيها الرجل على الإطلاق ، وهناك كثير من الحالات التي تَرِثُ فيها الأنثى مثل الذكر بالضبط ، ويكفي بهذا ردًّا على هذه الشبهة ، إلا أنِّي لم أنتهي بعد .
إنَّ سبب هذا التفاوت في نصيب الورثة راجع إلى عدة اعتبارات حددها الشرع وهي :
أولًا: درجة القرابة بين الوَرَثًة والمَورُوث ، سواء أكانوا ذكورًا أم إناثا ، فكلما اقتربت القرابة كبر النصيب في الميراث .
ثانيا: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمنى للأجيال ، فالأجيال التى تستقبل الحياة ، وتستعد لتحمُّل أعبائها ، عادة يكون نصيبها فى الميراث أكبر من نصيب الأجيال التى تستدبر الحياة ، فنرى بنت المتوفَى ترث أكثر من أمِّه ، وترث بنت المتوفَى أكثر من أب المتوفى (الجد) ، وكذلك الأمر بالنسبة للابن فإنَّه يرث أكثر من أب المتوفَى .
ثالثًا: العبئ المالي الذي أوجبه الله على الوارث ، وهو المعيار الوحيد الذي فيه تفاوت بين الذكر والأنثى .
نعم ، اعتبار العبئ المالي أمرٌ هامٌّ ، فنرى أنَّ الله عز وجل أمر الرجال بالإنفاق على النساء ورعايتهنَّ ، فالمرأة في بيت أبيها مكفولة منه ، وإنْ كان ميتا ، فهي في كفالة رجل آخر من الذكور ، حتى وإنْ كانت المرأة غنيَّة والرجل فقير ، فمالها لها ، ومن ثَمَّ نرى أنَّ المرأة في الإسلام لها مهرها المقدم والمأخر عند الزواج ، ومن ثم فإن شراء البيت ، وتجهيزه ... وكل ذلك على كتفي الرجل ، وأما المرأة فلها أنْ تخرج من بيت أبيها بملابسها التي عليها فحسب ، حتى وإنْ كان باستطاعتها أنْ تشتري مدينة بأكملها .
وخلاصة القول : هناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل ، أو أكثر منه ، أو ترث هى ولا يرث نظيرها من الرجال ، فى مقابلة أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل .
فأين هو ظلم المرأة في الإسلام ؟؟؟
أخشى ما أخشاه أنْ يخرج الرجال في النهاية ويعترضوا على نصيبهم بدلا من النساء .
وفي النهاية أقول : أنا لست من دعاة معالجة هذه الشبهات عن طريق المقالات ، لأنَّها تَعجَزُ عن تحمُّلِ ذلك ، فكلُّ ردٍّ على شبة ما قد يستغرق المئات من الصفحات ، وما هذا المقال إلا نبذة قصيرة للتوضيح فحسب ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾[سورة يوسف ، آية:21] .
لمن يرغب بالتوسع ينصح بقراءة : مذاهب فكرية معاصرة للشيخ محمد قطب ، وميراث المرأة وقضية المساواة للشيخ صلاح الدين سلطان وغيرها من الكتب ، والحمد لله حق حمده .
سماح خالد الريفي
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]