معنى النكبة اللغوي , هو المصيبة من مصائب الدهر , النكبة هو ما يصيب الإنسان من الحوادث , (لسان العرب)
والمعنى السياسي لكلمة نكبه , هو أن يُهجّر شعبٌ من أرضه قسراًً بقوّة السلاح والبطش والدمار وارتكاب أبشع المجازر كمجزرة دير يا سين , ويحل محله شعبٌ آخر يستولي على أرضه وممتلكاته , قرى بأكملها دمّرت شعبٌ هُجّر وشُرّد من أرضه , كل ذلك حصل تحت سمع وأنظار العالم بأسره دون أن يحرّك احد ساكنا , أو يرف لأحد منهم جفن , بل العالم وعلى رأسه الغربي , قدم للمغتصب الدعم العسكري على الأرض , والتأييد السياسي في المحافل الدولية , لمّا حققت الجيوش العربية بعض الانجازات ضد الجيش الإسرائيلي عام 48 قامت الدول الكبرى بالتوجه إلى مجلس الأمن واستصدرت قرار رقم 50 بوقف إطلاق النار وانسحاب الجيوش العربية من ارض فلسطين , وهكذا أسدل الستار على الدور العربي في استرجاع الأرض المسلوبة , وتبدّل دور الأنظمة العربية من دور المؤيد والداعم للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني المنكوب , إلى لعب دور الوسيط بين المعتدي والمعتدى عليه , بين المغتصب والمُغتصَب, في اكبر خدعة في التاريخ , هي خدعة عملية السلام , الأنظمة العربية الهزيلة المهزومة نفسيّا أعلنت أمام العالم أن السلام هو خيارها الاستراتيجي , معتبرة الصراع مع إسرائيل صراعا سياسيا أي صراع حدود , والصراعات السياسية يوجد لها حلول مهما بلغ تعقيدها , بينما إسرائيل تعتبره صراعا دينيا توراتيّا , أي صراع وجود , أن أكون أو لا أكون , وهذا احد أهم أسباب هزائم العرب في حروبهم ضد إسرائيل , ألعرب حاربوا تحت راية القومية , وإسرائيل حاربت تحت راية التوراة , ولا تستوي الرايتان ؟...
عام 48 حلّت بالشعب الفلسطيني اكبر نكبه عرفتها البشرية في تاريخها الطويل , قُسّم الشعب الفلسطيني آنذاك ثلاثة أجزاء , جزءٌ ظل على أرضه يعيش عليها منذ عام 1948 وهو داخل ما يسمى الخط الأخضر , وجزءٌ يعيش في الضفة الغربية وقطاع غزه , والجزء الثالث وهو الأكبر طرد من أرضه وشُرّد ويعيش في الشتات في مختلف الدول وبخاصة المجاورة لفلسطين الأردن وسوريا ولبنان , ولكل جزء من هذه الأجزاء الثلاثة مشاكله ومعاناته , عرب الداخل أو الثمانية وأربعين كما يطلق عليهم بقوا على أرضهم ثبتوا ولم يتركوا أرضهم وبيوتهم وممتلكاتهم , هؤلاء عانوا الأمرّين من تشريد وترحيل وتقتيل ومصادرة أراضي , وبالرغم من هذه الممارسات ظل هؤلاء صامدين على أرضهم ويبلغ تعدادهم اليوم نحو مليون ونصف , هؤلاء يعانون من مضايقات مستمرة من الإسرائيليين , تتمثل في مصادرة الأراضي وهدم البيوت والتمييز العنصري وتقليص الميزانيات المخصصة للتطوير وللخدمات الاجتماعية المختلفة , وغيرها من المضايقات.
الجزءُ الثاني من الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزه , يعاني أضعاف ما يعانيه عرب الداخل , هؤلاء الاحتلال رابضٌ على صدورهم , يهدم بيوتهم ويصادر أراضيهم ويقطّع أوصال مدنهم وقراهم بالحواجز وبناء المستوطنات وبناء الجدار العازل , يطارد شبابهم ويزج بهم في السجون , يقوم باجتياحات ليليه ومطاردات واعتقالات واغتيالات ومضايقات معيشية , هناك حصارٌ بري وبحري وجوي مفروضٌ على قطاع غزه مضى عليه أكثر من أربعة أعوام , أهل القطاع محاصرون يجوّعون يتعرضون للموت البطيء, أمام سمع وبصر العالم بأسره عربيّه وأعجميه , مع ذلك تراه شعبا صامدا يأبى الاستسلام ويأبى الضيم شعبٌ عصيٌ على الانكسار والركوع .
الجزء الثالث في الشتات , يعيش في المخيمات منذ 63 عاما, يفتقر إلى أدنى الخدمات الاجتماعية , والى الحياة الكريمة , معاناتهم لا تقل عن معاناة إخوانهم في الضفة والقطاع والداخل , لأنهم هُجّروا من وطنهم على أمل العودة إليه إلى أراضيهم وبيوتهم وممتلكاتهم خلال أسابيع , وطال الانتظار ومضت السنون فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر العودة , هؤلاء واجب عليهم ربط أولادهم وأحفادهم بوطنهم فلسطين , والثبات على المبدأ والحق , والتمسك وعدم التنازل عن حق العودة , إلى أن يجعل الله لهم فرجا ومخرجا مما هم فيه.
هل شهد التاريخ على مر الزمان كله نكبة كنكبة شعب فلسطين , أيُ نكبة أعظم من تداعي دول العالم على شعب فلسطين , كما تداعى الأكلة إلى قصعتها , الكل ينهش بهذا الجسم الهزيل, والنكبة الأكبر أن تقف الأمة موقف المتفرّج لا تحرّك ساكنا كالجثة الهامدة , تنتظر من يكبّر عليها أربع تكبيرات , وعندما نقول أمّه نعني خُمس سكان الكرة الأرضية نحو مليار ونصف المليار تعدادها , هذا التخاذل لا تفسير له إلا الإفلاس الديني والأخلاقي , فالرضا بالذل والهوان والاستسلام مع توفّر كل أسباب القوة والعزة والكرامة هو لونٌ من ألوان التعبير عن الإفلاس الديني والأخلاقي , والنكبة الأكبر أن يتواطىء العرب والمسلمون مع المحتل مع المغتصب مع الظالم ضد الشعب المنكوب , وصدق من قال : لا يُلام الذئب إذا كان الراعي عدو الغنم , ولله در الشاعر إذ يقول : وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء , من وقع الحسام المهند.
فلك الله يا شعب فلسطين هو المولى والمرتجى.
والله غالب على أمره.
سعيد سطل أبو سليمان
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]