بعد نشر مقالي الأسبوعي السابق بعنوان "أنتَ طالق يا طلاق"، تلقيت العديد من الاتصالات من جمهور القراء ناصحين بإصدار سلسلة مقالات تتمحور حول الأسرة في الإسلام، ولأهمية هذا الموضوع في زمن كثرت فيه الأزمات وعظمت التحديات وبات الطلاق فيه عادة رأيت أنه من واجبي تجاه ربي وشعبي كتابة هذه السلسلة القصيرة المكونة من أربع حلقات والتي أسميتها الأسرة السعيدة لأني على يقين بأن كل أسرة على وجه الأرض إن عاشت على هذه القيّم والشيّم والأخلاق وتحلت صفاتها واتسمت بالإسلام ستكون أسرة سعيدة راضية مرضية.
المقال الأول لا بد أن يتطرق لأول يوم من الحياة الزوجية ألا وهو حفل الزفاف وما يليه، فهذا الموضوع لا يجوز تجاهله على أهميته المطلقة بتحديد المسار السليم أو السقيم لهذه الأسرة، ففي هذه الليلة يختار المرء إما أن يبدأ حياته ماضيا على الصراط المستقيم أو أن ينحرف عن هذا المسار ولذلك أيضا أثر عظيم وتبعات على الحياة الزوجية التي تتلي هذه الليلة، ولا انشر هذا المقال ترويجا للأفراح الإسلامية فهي بغنى عن الترويج ولكن نشري هذا هو في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما من غاية لي ولا مقصد سوا الإصلاح لأحظى بمرادي الأعظم برضى الله رب العالمين.
وكما يقال لكل فصل مقال ولكل حادث حديث، وسأبدأ حديثي عن عدم جواز الإعراس المختلطة وحتى المشاركة فيها، وسيقتصر الحديث على أمرين لا ثالث لهما، الأول هو قضية الاختلاط باجتماع الرجال والنساء في مكان واحد، وامتزاج بعضهم في بعض وكشف النساء على الرجال ولا يخفى على أحد ملابس النساء بالحفلات والأعراس والتي تثير غرائز وشهوات الحضور مما يكون سبب للوقوع في الفواحش والآثام ولا ينكر ذلك إلا كذاب ملعون يهوى الفحشاء ويدعي الانفتاح أو مصاب بمرض يحرمه من فطرة سائر البشر والعياذ بالله، فتحريم الاختلاط جاء في القرآن بقول الله تبارك وتعالى: {وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} [الأحزاب 53]. وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: أي وكما نهيتكم عن الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب، والأمر الثاني هو قضية انتشار أم الخبائث من الخمور والمسكرات في هذه الأعراس لقول الله: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} [المائدة 90]، وحتى الجلوس على تلك الموائد لا يجوز لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يُشرب عليها الخمر" فالأعراس المختلطة والمشاركة فيها حرام ولا تجوز.
وأما الطرح الطيب المبارك الذي جاء فيه الإسلام ليبدد ديجور ظلمات الأعراس الشيطانية هو العرس الإسلامي الملتزم الذي يصون فيه المرء المسلم الغيور بنات قومه حتى لا يعرضن على رجال دخلاء فيفصل حفل الرجال عن النساء،وفيه لا يُرى على الموائد غير الطيب الحلال من الطعام والشراب، ويفتتح عرسه بتلاوة القرآن لتتنزل البركة وبعد ذلك النشيد الإسلامي الهادف ليتم الفرح ومن ثم الكلمة الطيبة الداعية إلى الفضيلة المنكرة للرذيلة، فما أجمل هذا الحفل الذي فيه يتقرب المرء إلى ربه ويبدأ حياته الزوجية بطاعة الله تبارك وتعالى، فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "العبادة هي كل ما يحبه الله ويرضاه"، نعم فهذا العرس الإسلامي يحبه الله ويرضاه بل هو عبادة تقربنا إليه، فاليهودي حتى البعيد عن دينه حينما يبلغ أبنه أو بنته يقيم احتفالا دينيا اسمه "البارمتسفا للذكور أو البات متسفا للإناث" وهذا احتفالا بيهودية ذريته وحتى تحل البركة وفق معتقداته المحرفة، فو الذي نفسي بيده لا تتنزل البركة إلا على من يستحقها ولم يعص الله فيها فلا تجعل من عرسك يوم تمرد على الله يجلب سخط الله وغضبه عليك بل عليك أن تحمد الله كثيرا على ما وفقك إليه من زواج بحفل يرضي الله.
وبعد الحفل الإسلامي المبارك يتوجه الزوجين إلى بيتهما الطيب، وعليهما أن يدخلا هذا المسكن بأقدامهم اليمنى، ومن ثم تجلس العروس ويضع العريس يده اليُمنى على رأسها ويدعوا هذا الدعاء: " اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جُبلت عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جُبلت عليه" ومن ثم يتوجه الزوجين إلى الله بصلاة ركعتين، يؤم بهما الرجل زوجته معلنا أنها أمانة في عنقه وسيُسأل عنها يوم القيام، ومعلنة المرأة أنها مطيعة لزوجها على كل خير يرضي الله تماما كما أطاعته في هذه الركعات، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يعصم أسرنا من الشيطان الرجيم ويُنزل عليها السكينة والطمأنينة إنه على كل شيء قدير.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]