الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الامين
ورد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أخرج من طريق المسلمين شيئًا يؤذيهم كتب الله له به حسنة، ومن كتب له عنده حسنة أدخله بِها الجنة)) رواه الطبراني.
الاسلام دين شامل، لم يدع شيئًا يتعلق بشئون أفراده في حياتهم ومعاملاتهم إلا بينه وأوضحه لهم، وعرفهم بأصول التعامل فيما بينهم، والمسلك السليم الذي ينبغي أن يتبعه كل واحد منهم في حياته، في علاقته مع إخوانه وأصدقائه، وأن يحسن أسلوبه في حديثه مع الآخرين، ويتحلى بحسن الخلق في كل قول وفعل حتى يكون محبوبًا، وأن لا يرتكب عملاً مشينًا أو مخالفة صريحة متعمدة يتضرر منها إخوانه أو جيرانه أو أفراد مجتمعه.
ولو تأملنا الحال في تعامل بعض الناس لوجدنا بعض الأخطاء التي ترتكب من قبل البعض بقصد أو بغير قصد، مما يتعلق بالسير في الطرقات العامة والشوارع المخصصة لسير السيارات أو المشاة.
فالأصل أن يسلك الطريق بسيارته بهدوء واتزان، وأن يراعي أحوال المشاة ومن يسلك الشارع من السائقين بسياراتهم، وأن يتجنب الوقوع في أي مخالفة قد تكون سببًا في إلحاق الضرر بالآخرين أو إيذائهم، وإذا كانت النصوص الشرعية تبين أن إزالة الأذى وإماطته عن الطريق يكتب به الأجر والثواب للمؤمن فإن إلحاق الأذى والضرر بالآخرين يكون سببًا في تحمل الفاعل للإثم ووقوعه في الذنب.
فبعض السائقين قد يقود سيارته بسرعة هائلة في الشوارع المزدحمة وفي وسط المدن، حيث تكتظ الشوارع بالسيارات والمشاة، مما يتسبب في كثير من الأحيان بوقوع الاصطدام أو إزهاق نفس بريئة، فيتسبب في أذية نفسه بإتلاف سيارته وتحمله مبالغ لإصلاحها وإعادتها لحالتها الأولى، كما يتسبب في تحميل الآخرين تكاليف إصلاح سياراتهم، أو يكون ذلك عليه إذا كان هو المتسبب الرئيس فيه.
كما لا ننسى أنه حين تُزهق روح إنسان بسبب سرعته هذه فإنه يتسبب في إدخال الحزن واليتم والترمل لأفراد أسرة ذلك الذي تسبب في وفاته، بسبب سرعته الجنونية وعدم التزامه بآداب قيادة السيارة والتمهل في مشيه وسيره. ولا شك أن الحكم الشرعي في ذلك أنه يكون ضامنًا لكل ما يترتب على التلف الذي وقع بسبب سرعته، سواء كان تلفًا في آلة أو مركبة أو إزهاق نفس أو إلحاق ضرر بإنسان كإصابته بجروح أو كسور أو نحو ذلك.
ومما يتصل بهذا الجانب المخالفات المرورية التي يرتكبها كثير من السائقين، من عكس خط السير أو تجاوز إشارة المرور الحمراء أو الوقوف في الأمكنة والمواقف التي يُمنع الوقوف فيها أو غير ذلك من المخالفات الأخرى، وكم رأينا من مشاهد محزنة وصور دامية لحوادث ذهب ضحيتها الأنفس البريئة، أو كانت سببًا في إصابة البعض بإعاقات تامة أو جزئية، والسبب في ذلك قلة الوعي لدى البعض في قيادة السيارات والمركبات، أو إصرار بعض السائقين على عدم التنازل عن شيء من حقوقهم المؤقتة في القيادة التي يكتسبونها أثناء السير، كأفضلية المرور والأولوية في استخدام الطريق ونحو ذلك، مما يؤدي إلى وقوع الحوادث.
إن قائد السيارة ينبغي عليه مراعاة عدة أمور أثناء القيادة، فعند ركوبه يبتدئ بالأدب الإسلامي الذي وجه إليه، وهو ما ورد أن عليًا رضي الله عنه أُتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: ((بسم الله))، فلما استوى على ظهرها قال: ((الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون))، ثم قال: ((الحمد لله)) ثلاث مرات، ثم قال: ((سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت))، ثم ضحك عليٌ فقيل له: يا أمير المؤمنين، من أي شيء ضحكتَ؟ فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل مثل ما فعلتُ ثم ضحك، فسألته فقال: ((إن ربك سبحانه يعجب من عبده إذا قال: اغفر لي ذنوبي، يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري)) رواه الترمذي وصححه.
وإن كان مسافرًا دعا بدعاء السفر المشهور المعروف، وكذلك إذا خرج يدعو بالدعاء الآخر الذي رغب فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: ((من قال ـ يعني إذا خرج من بيته ـ: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كفيتَ ووقيتَ وهديتَ، وتنحى عنه الشيطان)) رواه الترمذي، وهذا عام في كل من خرج من بيته.
وعليه أن يتفقد سيارته من أي خلل قد يكون فيها؛ لأن المركبة إذا كانت غير صالحة للاستعمال بسبب خلل في بعض أجزائها قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بقائدها وبالآخرين، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: ((إذا مَرَّ أحدكم في مجلس أو سوق وبيده نبل فليأخذ بنصالها، ثم ليأخذ بنصالها، ثم ليأخذ بنصالها؛ أن يصيب أحدًا من المسلمين منها بشيء)) رواه مسلم.
وهذا تأكيد منه لأمته بعدم إيذاء الآخرين بشيء من الآلات المستعملة في ذلك الوقت كالسهام، وفي معناها كل شيء يملكه الإنسان يؤدي استعماله إلى إلحاق الضرر بالناس، والسيارات من أكثر ما يستخدم في هذا الوقت، فينبغي أن يكون الاستعمال بالطريقة المثلى الصحيحة، والتي لا تؤدي إلى إيذاء الآخرين وإضرارهم.
وعلى السائق أن يلتزم بأنظمة المرور وقواعده التي وضعت لسلامة السائق وسلامة غيره من الذين معه، أو الذين يقودون سياراتهم، أو يعبرون الطريق، أو يمشون في الشوارع والممرات، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ((لا ضرر ولا ضرار)) رواه أحمد.
كما عليه أن يراعي غيره من المشاة عند قيادته السيارة، فإذا رأى أحدًا يريد عبور الطريق فليعطه الفرصة ليمر، وليقف حتى يتخطى من أمامه، فإن ذلك من تفريج الكربات، وقد قال صلى الله عليه وسلم ((من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)) رواه مسلم. وينبغي له أن يشكر السائق على وقوفه له؛ لأن ذلك من باب المكافأة، وقد قال الحبيب المصطفى : ((من لم يشكر الناس لم يشكر الله)) رواه أحمد.
ومن العادات التي ينبغي للسائقين نبذها تلك التي يقوم بِها البعض ـ وهم قلة ـ حين يقف اثنان كل واحد منهما بسيارته وسط الطريق يتحدثان، أو يسلم أحدهما على الآخر، ووراءهما رَتَلٌ من السيارات، مما يتسبب في عرقلة حركة المرور، وذلك من الأذى المنهيّ عنه، ((والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) رواه البخاري.
فاحرص أن تكون مثاليًا وأنت تقود سيارتك، وتذكّر دائمًا أن هذه المركبة نعمة تفضّل الله بِها عليك، وهيّئها لك لتقضي بِها حاجاتك، أو وسيلة تكسب به معيشتك، فاستخدمها للغرض الذي وُجِدت من أجله، ولا تجعلها سببًا في إلحاق الضرر بك أو الأذى بإخوانك الآخرين، صحبتك السلامة، وسر دائمًا في أمان الله وحفظه.
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]