تحدثت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، في عددها الصادر اليوم الأحد، عن أن عددًا من السياسيين والضباط في الجيش الإسرائيلي، وكذلك المتطوعين في منظمة “زاكا” (تحديد ضحايا الكوارث)، والعديد من الناشطين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ساهموا في انتشار قصص غير صحيحة حول أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، خلال عملية “طوفان الأقصى”، ومنها قضية قطع رؤوس الأطفال.
وذكرت الصحيفة أن الكثير من القصص حول هول ما حدث كان صحيحًا، ولكن جرى أيضًا الترويج في المجتمع الإسرائيلي وحول العالم لقصص وأوصاف غير صحيحة، “تشكل ذخيرة لمنكري المذبحة”، على حدّ تعبير الصحيفة.
وأضافت “هآرتس” أنه إلى جانب الأوصاف الصحيحة حول الجرائم التي حدثت، فإن بعض الجهات الإسرائيلية قامت بالترويج لسيناريوهات لم تحدث في نفس اليوم.
ومن بين الشهادات الشنيعة التي جرى تداولها بعد الأحداث، وصف وجود العشرات من جثث الأطفال مقطوعة الرأس. وذكرت الصحيفة أن شبكة “آي 24 نيوز” تداولت تقارير من هذا النوع على سبيل المثال، حيث تحدثت المراسلة عن أن أحد الضباط في الميدان أخبرها بأن 40 رضيعًا على الأقل قد قُتلوا، وأن المسلحين قاموا بقطع رؤوس عدد منهم.
وردت القناة على توجه الصحيفة بأن التقارير استندت إلى شهادات ضباط قاموا بإخلاء جثث من بلدات غلاف غزة، وكذلك استندت إلى جولات للصحافيين الأجانب نظمها الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي بعد نحو أربعة أيام من اندلاع الحرب.
وأشارت الصحيفة أيضًا إلى شهادات مشابهة من قبل عناصر منظمة “زاكا”، والتي تبيّن أنها لم تستند إلى حقائق.
ومن بين ما روّج له هؤلاء في حينه، وصف عشرات الرضع الذين قُطعت رؤوسهم. وكانت الرواية تتبدل أيضًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بالحديث عن جثث رضّع محترقة وأخرى معلقة على حبل، وكل هذا لم يكن صحيحًا.
كما أشارت الصحيفة إلى أنه من بين القصص التي لا دليل عليها، ما نشرته القناة الرسمية لوزارة الخارجية الإسرائيلية من شهادة ضابط، قال فيها إنه وجد في أحد البيوت جثث ثمانية رضع محترقة.
وتطرّق حساب مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية عبر منصة “إكس” إلى قتل أطفال رضّع، قال إنهم قُتلوا وأُحرقوا من قبل “حماس”.
وذكرت الصحيفة أن روايات وأوصاف مشابهة جرى الترويج لها أيضًا من قبل ضابط في الجيش الإسرائيلي، الذي تحدّث لأحد المواقع الإسرائيلية حول أطفال رضّع عُلّقوا على حبل غسيل.
واقُتبست أقواله من قبل بعض الجهات، لكن الصحافي الذي أجرى معه المقابلة كتب لاحقًا عبر حسابه على منصة “إكس” أنه تلقّى ملاحظة بعد النشر بأن القصة ليست دقيقة، متسائلًا: “لماذا يقوم ضابط في الجيش باختلاق قصة مخيفة إلى هذه الدرجة؟”.
وأشارت الصحيفة العبرية إلى أن عددًا من الأولاد كانوا قد قُتلوا في 7 أكتوبر، بعضهم في بيوتهم وبعضهم بسبب إطلاق قذائف صاروخية وفي ظروف أخرى، لكنها أشارت في الوقت نفسه إلى أنه حتى اليوم، ليس معروفًا عن أي مكان جرى فيه اكتشاف أطفال من عائلات عدة قُتلوا معًا.
وعليه، أضافت “هآرتس” أن ما قاله رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للرئيس الأميركي جو بايدن خلال محادثة بينهما بعد أحداث 7 أكتوبر، عن أن عناصر “حماس” “أخذوا عشرات الأطفال، وقاموا بربطهم وحرقهم وقتلهم”، لا يتطابق تمامًا مع صورة الواقع.
مع هذا، ذكرت الصحيفة أنه كانت هناك حالات كثيرة لأشخاص رُبطوا، ولكن في كلّ الحالات لم يكن الحديث عن عشرات الأطفال.
شهادات كاذبة
ولفتت “هآرتس” إلى أن بعض الروايات غير الصحيحة التي وصفت ما حدث نشرها أعضاء منظمة “زاكا” أنفسهم، فقد روى أحدهم في شهادات مصوّرة ومسجّلة ومكتوبة عدة عن سلسلة من الفظائع التي شاهدها في مستوطنات غلاف غزة. على سبيل المثال، ذكر في مناسبات عدة أنه رأى حوالي 20 جثة مشوّهة، وجثث أطفال محترقة وجدها في أحد الكيبوتسات.
وقال في مكان آخر إنه رأى 20 طفلًا من كيبوتس باري وُضعوا بعضهم فوق بعض، وأُحرقوا حتى الموت وأيديهم مكبّلة.
وذكرت الصحيفة في هذا السياق أن هذه الشهادات أيضًا لا تتلاءم مع قائمة القتلى، مشيرة إلى أن قاصرين شقيقين قُتلا في “كفار عزة” في عمر 14 و16 عامًا، كما قُتلت معهما شقيقتهما، وهي جندية تبلغ من العمر 18 عامًا.
كما أشارت الصحيفة إلى أنه في كيبوتس باري، قُتل تسعة قاصرين على الأقل، بعضهم كانوا برفقة أهاليهم وقُتلوا في بيوتهم. وبذلك لا يعقل أن يكون الحديث عن 20 جثة تراكمت بعضها فوق بعض، مضيفة أن معظمهم كانوا على الأقل مع واحد من والديهم في البيت، أو بجانبه.
كما ذكرت الصحيفة أن 87 شخصًا قُتلوا في كيبوتس باري، لكن لم يكن بينهم أطفال في عمر ست أو سبع سنوات، أو في عمر قريب من هذا.
كما نفى سكان الكيبوتس نفسه، بحسب الصحيفة، الرواية حول وجود امرأة حامل قُتلت، وتبيّن أنه جرى تداول فيديو لم يصوّر أصلًا في إسرائيل، ولا علاقة له بكيبوتس باري، كما أن الشرطة لا تعرف عنه شيئًا.
وزعمت منظمة “زاكا” في ردها على ما نشرته الصحيفة أن “المتطوعين ليسوا خبراء في علوم الأمراض، وليست لديهم الأدوات المهنية لتشخيص القتيل وعمره، أو الإعلان عن الطريقة التي قُتل فيها، باستثناء شهادات من رأوها”. وأضافوا أنه نظرًا لوضع الجثث الصعب، ربما قام المتطوعون بتفسير خاطئ لما شاهدوه.
ومن بين الأمثلة التي أوردتها الصحيفة أيضًا، الترويج قبل أسابيع عدة لقصة قاسية، حيث تحدث رئيس منظمة “إيحود هتسلاه” (منظمة إسعاف اسرائيلية) إيلي بير عن رضيع أُدخل إلى فرن خبيز واحترق حتى الموت.
وقد قال بير هذا الكلام خلال مؤتمر للداعمين والمتبرعين في الولايات المتحدة أقيم أخيرًا، ومن هناك، جرى الترويج للحكاية المزيّفة كما نشرتها صحيفة “ديلي ميل”، بحسب ما جاء في “هآرتس”، حيث تحوّل الرضيع هناك إلى مجموعة من الأطفال الرضّع.
وذكرت “هآرتس” أن هذه القصة أيضًا ليست صحيحة، مشيرة إلى رضيعة وحيدة قُتلت في المكان الذي تحدث عنه، ولا أعراض على جثتها تتوافق مع العلامات الذي ذكرها.
وقال مصدر في المنظمة ردًا على توجه الصحيفة إن مصدر الخطأ كان من قبل متطوع ظن أنه رأى حقًا حالة من هذا النوع.
وأشارت الصحيفة إلى ادعاء لم يكن صحيحًا أيضًا، يتعلق بما قالته سارة نتنياهو، عقيلة رئيس الحكومة، في رسالة أرسلتها إلى عقيلة الرئيس الأميركي جيل بايدن بعد أحداث السابع من أكتوبر. وكتبت نتنياهو في رسالتها أن إحدى النساء التي اختُطفت إلى قطاع غزة كانت في الشهر التاسع من حملها، وأنها ولدت في الأسر لدى “حماس”.
وجرى من خلال شبكات التواصل الاجتماعي تداول صورة لمحتجزة تايلاندية، لكن تبين لاحقًا من خلال شهادة أفراد من عائلتها وأصدقائها أنها لم تكن حاملًا.
ويدور الحديث عن محتجزة قامت حركة “حماس” لاحقًا بإطلاق سراحها. وبحسب الصحيفة، لا يوجد لدى الجيش اليوم أي معلومات حول أي سيدة حامل محتجزة في قطاع غزة، وأن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تتعامل مع هذا الموضوع على أنه شائعة ليس لها أي أساس من الصحة. ولم يعقب مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية على هذا الموضوع.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]