رغم سنوات الحصار الطويلة، والحروب المتكررة، شهد قطاع غزة المحاصر خلال السنوات الماضية نشاطا فنيا وثقافيا مميزا وحافلا، ما بين الأدب والفنون التشكيلية والموسيقى وفنون الأداء والدراما. ورغم تشديد الاحتلال للحصار على قطاع غزة ومنع دخول أغلب الأدوات والموارد الفنية، تمكَّن فنانو غزة دائما من المقاومة، عبر خلق أشكال فنية مختلفة ومبتكرة، وطرق بديلة للتعبير شكَّلت رافدا للتنفس في سجن كبير مفتوح لا يستطيع سكانه مغادرته إلا عبر إبداعهم في المجالات المخالفة، مما ساعدهم على إيصال أصواتهم إلى العالم، ومكَّنهم من رواية قصصهم والتعبير عنها بطرق مختلفة.
على مدار التاريخ، كانت الثقافة والفن، وتسجيل التاريخ الشفهي وروايته؛ كلها روافد أساسية من روافد المقاومة وتجذير الهوية، وهذا ما تدركه جيدا دولة الاحتلال وتسعى لطمسه، إدراكا منها لأهمية الفنون في المقاومة جنبا إلى جنب مع المقاومة المسلحة. وعلى مدار أكثر من 75 عاما، قتل الاحتلال الإسرائيلي عشرات الشعراء والفنانين الفلسطينيين، منهم مَن قُتلوا بشكل متعمد مثل الشاعر والروائي الأشهر غسان كنفاني، أو مَن سقطوا ضحايا للاعتداءات الإسرائيلية المتوالية.
واليوم، بعد مرور أكثر من 100 يوم من الحرب على قطاع غزة، شهدنا سقوط عشرات الشهداء من مثقفي غزة وفنانيها، قُدِّر عددهم بحسب تقرير وزارة الثقافة الفلسطينية بأكثر من أربعين من العاملين في قطاع الثقافة من المبدعين والكُتَّاب في قطاع غزة، بالإضافة إلى أربعة آخرين في الضفة. وإلى جوار فجيعة الموت، نعيش مع استشهاد كل فنان منهم فجيعة أخرى، تتركنا نتساءل حول احتمالات الحيوات التي وُئدت في مهدها، وحول القصائد التي لم تُكتب، والقصص التي لم تُروَ، والألوان التي تُركت لتجف قبل أن تمس لوحة، لأن صاحبها قُتل ولا سلاح في يده غير ريشة أو قلم. وهؤلاء ليسوا مجرد رقم، بل قصص وحكايات قد لا تتسع مساحة هذا التقرير لروايتها.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]