عندما سقطت بعض المظلات في البحر بالقرب من الشاطئ شمال غرب مدينة غزة، "دخل شباب وأولاد في البحر حتى يحصلوا على الأكل من المظلّات والصناديق التي فيها. ماتوا. هم لا يعرفون السباحة. راحوا وما رجعوا".
بهذه الكلمات روى عدي نصار، الذي يبلغ من العمر 27 عاما، وهو من سكان جباليا، شمال مدينة غزة، الثلاثاء، ما حدث لاثني عشر شابا وفتى خاضوا غمار البحر، الإثنين، لانتشال بعض علب الطعام التي تلقيها الطائرات العسكرية فوق شمال قطاع غزة المهدد بالمجاعة، فكانت تلك رحلتهم الأخيرة.
والثلاثاء، أكد مكتب الإعلام الحكومي في غزة، أن 12 شخصا "استشهدوا غرقا قبالة محافظة شمال قطاع غزة حيث دخل (الإثنين) عشرات المواطنين الجائعين إلى البحر، للحصول على مساعدات ألقتها الطائرات داخل البحر" ن طريق الخطأ.
وأضاف أن ستة آخرين استشهدوا "نتيجة التدافع في أكثر من مكان حين كانوا يحاولون الحصول على مساعدات ألقتها الطائرات بشكل خاطئ أيضا في ظل المجاعة المستمرة"، في شمال القطاع الذي يقدّر أن 300 ألف شخص لا يزالون فيه، وسط الركام بلا ماء ولا طعام. وأصيب ستة أشخاص آخرين بجروح، وفق المصدر نفسه.
وقال شهود عيان إن البحر كان هائجا، وإن الشبان الذين دخلوا الماء لم يتمكّنوا من مقاومة التيّار. من جانبه أشار المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان إلى أن عددا منهم قضوا "بعدما علقوا في حبال مظلات طرود المساعدات التي ألقتها الطائرات وسقطت في البحر".
وقال عدي نصار الذي كان يعمل سائق أجرة قبل الحرب التي اندلعت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، فيما كان ينتظر مع مئات آخرين عند شاطئ السودانية:"نسمع صوت الطائرة وننتظر أن تلقي المساعدات بالمظلات. أحيانا نشاهد الناس ينظرون الى السماء فنعرف أن الطائرة جاءت".
وأضاف: "عندما ترمي المظلات، ينزل بعضها قريبا منّا وأخرى بعيدا، فنجري نحوها علنا نحصل على أي شيء. عندما نصل للصندوق يكون قد تجمع عدد كبير جدًا من الناس حوله، فتحصل مشاكل وضرب وإصابات. يتدافع الناس ومنهم من يقع على الأرض".
وقال بحزن: "القوي يأكل الضعيف... ينتزع منه العلبة، وأحيانا يُخرج أحدهم سكينا، وقد يحصل إطلاق نار، ويصاب الناس".
وأضاف: "هذه الطريقة مُذِلة لنا ولا تحفظ كرامتنا. نحن نواجه الموت حتى نحصل على المساعدات، عدا عن المشاكل والضرب والخبط".
وقال: "نريد طريقة محترمة تصل فيها المساعدات لكل دار، فلا ندفع حياتنا ثمنًا بهذه السهولة"، داعيا إلى فتح كل المعابر في غزة "لتوصل الشاحنات المساعدات بشكل كبير للناس، حتى لا يموتوا من الجوع".
وليس بعيدا منه، وقف أحمد الريفي، وهو من سكان مدينة غزة ويبلغ 32 عاما ينظر إلى السماء.
وقال الميكانيكي الذي دمّرت جرافات جيش الاحتلال، ورشته عندما اجتاحت دباباته أحياء الدرج والشجاعية والرمال قبل شهر ونصف شهر، "والله، الأكل نحصل عليه بصعوبة ونرى الموت على طريق صلاح الدين عند دوار الكويت (حيث تصل شاحنات المساعدات القليلة) أو لدى انتظار ما تلقيه الطائرات... كله موت وخطر".
وأضاف أن "الناس لم تعد تحتمل بعضها، الكل يقاتل ويضرب للحصول على طحين، أو معلبات ومياه وعدس وفول وحمص وطحينة".
وقال إن "الكل جائع، لذلك يموت الناس للحصول على طرد غذائي. لا أحد يأتي بمساعدات للناس. كل واحد يجري وراء المساعدات لنفسه، وتحصل عمليات إطلاق نار وقتل وإصابات. هناك أشخاص قتلوا".
وعدا عن مخاطر الموت دهسا أو غرقا أو بالرصاص من أجل لقمة العيش، لا ينتهي الخطر عند الظفر ببعض الطعام. وقال رافي: "هناك لصوص يعتدون على الناس في الطرق ويسرقون الطحين والمعلبات والطرود".
وأضاف: "نريد حلّا. حرام ما يحدث لنا. لا طائرات ولا شاحنات المساعدات توصل ما نحتاج إليه. نريد أن تأتي وكالة الأونروا وتوزع بصورة محترمة لكل أسرة في غزة ما تحتاج إليه"، لكن سلطات الاحتلال قرّرت منع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين من العمل في شمال غزة.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]