اقتضت مشيئة الله تعالى أن يخلق من كل شيء زوجين ذكر وأنثى , قال تعالى : ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون , من كل شيء أي من الإنسان والحيوان والنبات والجماد ومما لا نعلم , وجعل في كل من الزوجين خصائص يفتقر إليها الآخر , الذكر يفتقر إلى الأنثى , والأنثى تفتقر إلى الذكر , بحيث لا تكتمل وظيفة احدهما في الحياة بمعزل عن الآخر , كل منهما مكمل للآخر, فالله تعالى الذي أحسن كل شيء خلقه , اعد الزوجين جسديا ونفسيا وعاطفيا , وجعل التناسل وإنجاب الذرية بالتقائهما سببا في استمرار الحياة والحفاظ على النسل.
لأداء هذه المهمة وتحقيق هذه الغاية , شرع الله الزواج وعدّه آية من آياته الباهرة , يقول عز وجل :ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمه, إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون , والإسلام أوجب الزواج على كل من توفرت لديه القدرة المادية والبدنية , بقوله تعالى : وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإيمائكم, وانكحوا أي زوجوا , وكلمة انكحوا فعل أمر وفعل الأمر يقتضي الوجوب , والزواج بالإضافة إلى الإنجاب وحفظ النسل واستمرار الحياة , هو إحصان للرجل والمرأة , يقول النبي صلى الله عليه وسلم : يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج , الباءة القدرة على الزواج ماديا وبدنيا , فعدم الزواج مع القدرة عليه عُرضةٌ لانحراف القادر ووقوعه في الزنى والزنى من الكبائر التي نهى الله عن الاقتراب منها خشية الوقوع فيها , يقول تعالى : ولا تقربوا الزنى انه كان فاحشة وساء سبيلا , والفاحشة هي الفعلة القبيحة المتناهية بالقبح.
والزنى الذي هو فاحشة وساء سبيلا , هو الذي يقع بين رجل وامرأة خارج دائرة الزواج , وهناك سبيلٌ أسوأ من هذا السبيل وفاحشةٌ اشدُ قبحا وجرما من فاحشة الزنى , وهو الشذوذ الجنسي الذي يمارسه مثلين , ذكرٌ مع ذكر مثله , انه أشنع الأفعال وأقبحها على الإطلاق , أن يأتي رجلٌ رجلاًًً مثله شهوة في مكان القذارة كما فعل قوم لوط , هؤلاء كما حكى القرآن عنهم أنهم كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء , قال تعالى : ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من احد من العالمين , إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل انتم قومٌ مسرفون , هؤلاء جرأ فعلتهم القبيحة أمطر الله عليهم حجارة من السماء فأهلكهم , وبيّن القرآن أن الدمار والهلاك الذي حل بقوم لوط , ليس ببعيد عن أمثالهم , وما هي من الظالمين ببعيد, ولعل ما نسمع به ونشاهده عبر الفضائيات من زلازل وكوارث طبيعيه وأمراض فتاكة , ما هي إلا نتاج الشذوذ الجنسي المنتشر بكثرة في دول العالم , بين مختلف الفئات والطبقات ,والذي يُجاهرُ به ويعلن عنه دونما خجل ولا حياء , بمختلف وسائل الإعلام.
الإنسان قد تهون عليه نفسه فيقبل ُ على عمل سيء بعيدا عن أنظار الناس كي لا يُعرّض نفسه للفضيحة , أما أن يكشف نفسه أمام وسائل العلام للعالم كله لا يبالي بالفضيحة , ولا يحسب لأحد حساب حتى لأقرب الناس إليه , فهذا إنسان شاذ غير سوي , إنسان انسلخ من إنسانيته , وتنازل عن آدميته , وهبط بنفسه إلى أدنى من مستوى الحيوان , لأن الحيوان لا يُقدمُ على هذا الفعل القذر, لا يأتي ذكر الحيوان ذكرا مثله.
هؤلاء الشاذون لكي يبرروا شذوذهم وانحرافهم , يدّعون أن الشذوذ مخلوقٌ مع الإنسان الشاذ مركوزٌ في جيناته , فلا ذنب له بذلك , هذا ادعاءٌ كاذب ولا أساس له من الصحة , فالله تعالى الذي أحسن كل شيء خلقه , والذي خلق الإنسان في أحسن تقويم , مستحيل أن يخلق في الإنسان شذوذا ثم يعاقبه عليه , هذا مستحيلٌ على الله عز وجل , ليس هناك أي علاقة بين الجينات والشذوذ الجنسي , الشذوذ والانحراف يطرأ على الإنسان من الخارج من البيئة الملوثة , ومن صحبة السوء , فالمرء كما جاء في الحديث الشريف على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل.
فكل مولود يولد على الفطرة كما اخبر الصادق الصدوق سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم , يولد على الفطرة , أي على الفطرة السليمة , الفطرة النقية الطاهرة , فأبواه إما يهودانه وإما ينصرانه وإما يمجسانه ,
خلاصة القول التربية هي العامل الأساسي في تنشئة الطفل على الفطرة السليمة, تعهُد الأولاد منذ نعومة أظفارهم بحسن التربية هو الذي يحفظ سلامة الفطرة من الانحراف.
سعيد سطل أبو سليمان
3 /7 /2012
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]