للمرة الثانية في حياتهم، يعيش فلسطينيون في قطاع غزة ولدوا قبل النكبة عام 1948 مشاهد التهجير القاسية التي عاصروها آنذاك تحت وطأة هجمات العصابات الصهيونية لتتكرر اليوم لكن في عصر "حقوق الإنسان".
وكما حدث عام 1948، اضطر الفلسطينيون منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 لحمل القليل من متاعهم والفرار بأرواحهم هربا من الموت بآلات الحرب الإسرائيلية، مؤكدين أن "العودة قريبة وسريعة".
هذه العودة لم تتحقق منذ عام النكبة رغم المطالبات الأممية بإنهاء الاحتلال، فيما يشكل هذا المصير هاجس الفلسطينيين الذين حرموا من منازلهم ومدنهم لأكثر من عام منذ حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين.
وتعود هذه المأساة مجددا على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، حيث بات الفلسطيني يعاني لأشهر بحثا عن مكان آمن في زمن يعد فيه أهم الحقوق "الحق في الحياة" من المسلّمات، وفق قول فلسطينيين اثنين في عقدهم الثامن.
وبعد وصول النازحين للأماكن التي ادعت إسرائيل في بيانات رسمية أنها "آمنة" يتعرضون لاستهداف إسرائيلي بهجمات شرسة وغير مسبوقة موقعة مجازر مروعة بحقهم.
ولعدة مرات، قال مسؤولون أمميون إنه "لا وجود للأماكن الآمنة في غزة"، فيما تقول حكومة غزة إن حديث "الاحتلال عن الممرات والمناطق الآمنة محض كذب وخداع".
مأساة التهجير تتكرر
داخل خيام النزوح وفي أوضاع إنسانية تبدو قاسية، يجلس الفلسطيني الثمانيني سليمان أبو سمرة يشتت تفكيره بطهي بعض الطعام (من المعلبات) على نار أشعلها لتوه مستخدما أوراق الكرتون.
أبو سمرة، الذي عايش تفاصيل الهجرة خلال نكبة الفلسطينيين عام 1948، يقول إن "هاجس الهجرة عام 1948 ما زال يراودني". ويضيف: "هذه المظاهر، نزوح الناس (الذين يحملون متاعهم ويمشون لمسافات طويلة)، عايشتها في النكبة عام 1948".
وأوضح أن الفرق الوحيد الذي يميز هجرة عام 1948 عن النزوح القسري للفلسطينيين في الوقت الحالي هو أنه يحدث في "زمن حقوق الإنسان، وتغني الأمم المتحدة به".
ومنذ بداية حرب الإبادة، اضطر الفلسطينيون لحمل القليل من ممتلكاتهم والنزوح إلى مناطق جنوبي القطاع، والتي ادعى الجيش الإسرائيلي أنها إنسانية وآمنة، لكنها تعرضت لتقليص متواصل خلال أشهر الحرب.
"الحق في الحياة"
يقول أبو سمرة والحسرة تملأ صوته إن الفلسطينيين باتوا يطالبون بأدنى حقوقهم وهو "الحق في الحياة".
وقال إن المهجرين عام 1948 عاشوا في خيام من مصنوعة من الأقمشة والنايلون كما يحدث اليوم، لافتا إلى أن "مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة على سبيل المثال كان من الخيام".
واستكمل: "بعد فترة من الزمن اضطر الفلسطينيون لوضع ألواح الزينكو لبناء الخيام لحمايتهم من الأجواء الشتوية فيما بدأوا لاحقا ببناء جدران وأسقف إسمنتية حتى وصلت الأمر لبناء المنازل".
وفي المناطق الجنوبية التي نزح إليها الفلسطينيون مع بداية الحرب، لجأوا لنصب الخيام والعيش بمراكز الإيواء من مستشفيات ومدارس وسجون ومراكز صحية ومدن ألعاب في ظل عدم وجود مساكن تؤويهم.
وعانى النازحون من ظروف إنسانية وصحية كارثية بالتزامن مع نقص الإمدادات الأساسية من الطعام والمياه والأدوية.
وفي هذه المناطق، استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي خيام النازحين ومراكز الإيواء موقعا مئات الشهداء والجرحى في مجازر مروعة أدانتها أطراف أممية ودولية.
سرقة الأراضي
يقول الفلسطيني الثمانيني ماجد البلعاوي إن هدف تهجير الفلسطينيين من أراضيهم عام 1948 كان بغرض سرقتها. وتابع: "هجروا الناس من وطنها وأرضها واستعملوا الجرافات في هدم البيوت وأطلقوا على القرى والمدن أسماء عبرية".
وأوضح أن كل "قرية هاجر منها سكانها أطلقت عليها إسرائيل أسماء عبرية لطمس حقيقتها والوجود الفلسطيني فيها".
"وسرقة الأراضي" أكثر ما يثير مخاوف الفلسطينيين خاصة بعد أعمال الإبادة والتطهير العرقي لا سيما في مناطق شمال القطاع. وتزداد هذه المخاوف مع مواصلة إسرائيل سياسية تفجير المنازل والأحياء السكينة وجعلها غير صالحة للحياة.
وبالتزامن مع مرور عام على بدء حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، أنذر الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين في بلدات بيت حانون وجباليا وبيت لاهيا وجباليا بشمال غزة بالإخلاء فورا نحو المنطقة الإنسانية المزعومة في المواصي، جنوبي قطاع غزة.
هذه الخطوة بدت تطبيقا غير معلن لـ"خطة الجنرالات" التي تهدف لتفريغ شمال القطاع وفرض حصار مطبق عليه تمهيدا للاستيطان فيه، بحسب وسائل إعلام عبرية.
وتم الكشف عن "خطة الجنرالات" مطلع أيلول/ سبتمبر الماضي، وتقضي بتهجير جميع الفلسطينيين من شمال القطاع ضمن مهلة تستمر أسبوعا قبل فرض حصار على المنطقة ووضع المقاتلين الفلسطينيين فيها بين خيار الموت أو الاستسلام.
ولم تعلن الحكومة الإسرائيلية بعد تبني "خطة الجنرالات"، لكن هيئة البث (رسمية) ذكرت في سبتمبر أن المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) يبحث هذه الخطة.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]