الأولاد هبة من الله تعالى للإنسان كما اخبرنا القرآن بقوله تعالى : يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور , أو يزوجهم ذكرانا وإناثا , ويجعل من يشاء عقيما, والهبة هي العطية لمن يستحق ولمن لا يستحق , فالله وهب الأولاد للمؤمن وللكافر , وللبَر والفاجر , والأولاد هم زينة الحياة الدنيا , كما اخبر القرآن بقوله تعالى : المال والبنون زينة الحياة الدنيا , بهم يسعد الإنسان ويأنس , يحبهم ويحنو عليهم , ويفضلهم على نفسه وعلى أبويه وإخوته , يضحي بسعادته من اجلهم , يبذل أقصى جهده لإسعادهم , يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم , يسعد لسعادتهم ويتألم لألمهم , كما قال الشاعر :
وإنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبت الريح على بعضهم لامتنعت عيني من الغمض
والإنسان لا يحب أن يرى أحدا من الناس متفوّقا عليه , ولكنه يرجو ذلك لولده , لأنه يرى فيه امتداده بعد مماته , والأولاد مطلب كل إنسان , الغني والفقير البر والفاجر المؤمن والكافر , الكل يتمنى الأولاد ويشتهيهم ويحرص عليهم , يقول تعالى : زُين للناس حبُ الشهوات من النساء والبنين , المراد بالبنين الأولاد جاء بلفظ بنين للتغليب , ويقول تعالى عن عباده المؤمنين : والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرّة أعين , وكذلك الأنبياء طلبوا من الله الذرية الصالحة , هذا نبي الله إبراهيم عليه السلام قال الله على لسانه : قال رب هب لي من الصالحين , ونبي الله زكريا عليه السلام قال الله على لسانه :قال رب هب لي من لدنك ذريّة طيبه , ما ينبغي التنبيه إليه لكي يظل حاضرا في الذهن , هو أن الله عز وجل أوجب على الآباء للأولاد حقوقا عديدة , , من هذه الحقوق حق الحياة , وحق الرضاعة , وحق النفقة , وحق الحضانة , وحق الملاعبة , وحق التربية , وحق الرعاية وغيرها من الحقوق , ولا يجوز بحال من الأحوال التفريط بحق من هذه الحقوق , فالأبوان مسئولان عن هذه الحقوق ومجزيّان عليها , يقول النبي صلى الله عليه وسلم : كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته , الإمام راع ومسئول عن رعيته , والرجل راع ومسئول عن رعيته , والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها , والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته , وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام : أن الله سائلٌ كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيّع , حقوق الأولاد مسئولية ضخمه لأنها تبدأ والطفل ما زال جنينا في رحم أمه , وتصحبه في مرحلة الطفولة وفي سن المراهقة حتى يبلغ أشُدّه , يقول النبي صلى الله عليه وسلم : كل مولود يولد على الفطرة , فأبواه إما يهودانه وإما ينصرانه وإما يمجسانه , فالطفل يكون بين يدي أبويه كالصفحة البيضاء ينقشان فوقها ما يشاءان , يرسمان فوقها الخطوط العريضة لسلوك الطفل , الأبوان هما اللذان يعلمان الطفل الأدب وحسن الخلق عن طريق الممارسة اليومية والسلوك الخلقي الحسن للأبوين فيتعرّف الطفل على محاسن الأخلاق سلوكا طبيعيا عمليا من أبويه , قبل أن يعرفها في معانيها المجردة.
وقد ثبت أن التربية بالقدوة هي أفضل وسائل التربية وأنجعها , فالسلوك المباشر والعملي أكثر نفعا وأعظم جدوى من تعليم الأخلاق نظريا , لأن علم الأخلاق ودراسته شيء وممارسته في السلوك اليومي شيء آخر, والطفل يتأثر بالأفعال أكثر من الأقوال , الفعل يظل راسخا في ذهن الطفل لا يُمحى مع مرور الزمن , وأكثر ما يؤثر في الطفل وينعكس على سلوكه وتعامله مع الآخرين هو سلوك أبويه لأنهما قدوته ومثله الأعلى , قد تعلم طفلك عشرات المرات ألا يكذب فيطرق باب الدار احدهم , فتقول لابنك الطفل , قل له أبي ليس موجودا , فتهدم كل ما علمته بثانيه واحده , وتفسد أخلاقه بهذا السلوك , يقول الشاعر لكل معلم ومربي : لا تنه عن خُلق وتأتي مثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ , يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بامرأة تنادي ابنها تعال أعطيك ,فقال لها النبي ما أردت أن تعطيه , قالت تمرا , قال أما انك لو لم تعطيه لكتبت عليك كذبه , قالت يا رسول الله إذا إحدانا قالت لابنها تعال أعطيك ولم تعطه كتبت كذبه , قال نعم إن ألكذبه تكتب كذبه والكذيبة تكتب كذيبه , إن ما نراه اليوم من انتشار الفساد , وارتفاع معدلات الجريمة بكل أشكالها وألوانها , وما نراه من انحراف الشباب , وما نراه في الناس من سوء خلق وندرة أدب في التعامل , هو نتاج التربية في البيوت, وهو نذير شؤم على المجتمع العربي بأكمله.
ما أحوجنا في هذه الأيام إلى تعاليم ديننا الحنيف , ما أحوجنا إلى هدي نبينا صلى الله عليه وسلم الذي يقول للآباء : الزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم , فذلك الذي يقيهم الانحراف والانزلاق ومساوئ الأخلاق.
سعيد سطل أبو سليمان 21 / شوال 1433 8 آب 2012
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]