تخيَّل أخي الحبيب أنك في يوم الحساب، وقد تساوت حسناتك مع سيئاتك، ووجدت أنه لا بدَّ من البحث عن حسنةٍ واحدة كي تزحزك عن عذاب النار !..
فأنت الآن على استعداد لتبذل كل ما تملك للحصول على تلك الحسنة! فتسعى في ذلك اليوم الطويل؛ اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة.. والذي تدنو فيه
الشمس من رؤوس العباد قدر ميل؛ يُطفأ نورها ويُضاعف حرُّها..
أنت في هلع شديد، وخوف قاتل؛ مع مليارات البشر العراة في ذلك الوقت.
وفي ذلك الخضمِّ الهائل من البشر؛ تبحث عن والدك العطوف كي تسأله تلك الحسنة التي بها سوف يرجح ميزان حسناتك فتنجو من النار...
تبحث عنه وتسأل.. وكلٌّ في شعلٍ شاغل عنك..
كلٌّ يريد أن ينجو بنفسه.. وكلٌّ يبحث عما تبحث عنه!..
تخيَّل كم ستستغرق من الزمن كي تجده بين هؤلاء البشر!..
وكم ستكون فرصتك لو وجدته وأخذت منه تلك الحسنة!..
تظن أنَّ والدك العطوف - الذي كان يغدق عليك الأموال في الدنيا- لن يبخل عليك الآن بتلك الحسنة! ولكن اليأس يدبُّ إلى قلبك عندما تسمع منه تلك العبارة: نفسي.. نفسي.
فتخطر ببالك أمك الرؤوف التي حرمت نفسها الكثير في الدنيا لتعطيك! تبحث عنها في ذلك الحر والعرق الذي يسيل منك.. تستعطفها لعلَّها تجود عليك بتلك الحسنة؛ حسنة واحدة كنت مستغنياً عنها في الدنيا.. ولكنها تقول لك: نفسي.. نفسي.. لا أوثرك على نفسي.
فتتذكر زوجتك الحبيبة، التي طالما أغدقت عليها من الدلال والملبس والمأكل .. وكم من السنين الطوال تستغزق في سبيل البحث عنها؟
وما إن تجدها حتى تسمع منها الإجابة نفسها.
فتذهب إلى كلِّ من يخطر ببالك تستنجد به؛ إلى والدك.. إلى ابنتك .. إلى أختك وأخيك.. وفي كلِّ مرةٍ تسمع الإجابة نفسها: نفسي.. نفسي.. سنين طوال وأنت تبحث عن حسنة واحدة فلا تجدها ؛ وكنت تستطيع أن تحصل على العديد من تلك الحسنات في الدنيا في أقل من دقيقة واحدة!..
أرأيت كيف أصبحت سوق الحسنات الآن غالية؟!..
ولنفترض أنك قد حصلت على تلك الحسنة عند أحدهم؛ فكم أنت على استعداد أن تدفع مقابل تلك الحسنة؟ ألست مستعدّاً لتدفع كلَّ ما تملك من غالٍ ونفيس في سبيلها؟ نعم، كيف لا
وبعدها تدخل الجنة وتنجو من النار؟!
يقول الله تعالى في شأن الكفار:(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) المائدة: 36
جلسةٌ في رياض الجنة
محمد عايش
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]