تطلّ علينا كل عام مسابقات لما تسمى زورا وبهتانا "مسابقة ملكة الجمال" ، حيث تنفق الأموال بسخاء للإعداد لهذه المسابقات ، وتروّج لها وسائل الإعلام ، ويتبارى أولياء الأمور في تجهيز "بضائعهم " لعرضها على الجمهور ، وتستعد المتسابقات بالتزين بأفضل ما عندهن من الملابس والمساحيق والزينة المحلية والأجنبية منها، ولا ننسى في خضمّ هذه المعمعة الجهود الجبارة لجمهور المشجعين والمصوتين الذين لا يألون جهدا للدفاع عن "المسجد الأقصى " ... عذرا أقصد المبتغى الأقصى في فوز مرشحتهم المفضلة . وبعد كل هذا الصخب تتمايل المراهقة والبالغة مبدية مفاتنها أمام الحكام والجمهور وذئاب الأعراض ، علّها تحوز إعجابهم لتتوّج "ملكة جمال" العام !! ولا شك أن هذه المسابقات مما يحرمه الشرع الحنيف لما تتضمنه من مفاسد وأضرار عظيمة على الفرد والمجتمع . وهذه فتوى البروفيسور الشيخ حسام الدين عفانة أنقلها للقارئ بتصرف واختصار يقول_حفظه الله_ :
" لعل من الأمور البدهية التي لا يجهلها مسلم، أن مسابقة ملكة الجمال تتنافى مع مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف، وما هي إلا تقليدٌ أعمى للغربيين الذين صنعوها، وما مسابقة ملكات الجمال إلا امتهانٌ للمرأة واحتقار لشأنها، وجعلِ جسدها كالسلعة التي يُقلبها المتسوقون، وفيها استغلال لجسد المرأة في الإعلانات التجارية لتسويق البضائع وترويجها، وهذه المسابقات مظهر من مظاهر الانحلال والميوعة، ومحاربة الفضيلة ودعوة للرذيلة، وإشاعة للفحشاء والمنكر في المجتمع، قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ }سورة النور الآية 19. ومسابقة ملكات الجمال عودة إلى سوق النخاسة (تجارة الرقيق )، بل هي أسوأ من ذلك، حيث كانت الجواري لا يبعن لجمالهن فقط، وإنما لصفاتٍ أخرى فيهن كالفصاحة والبلاغة والتدين ونحو ذلك... ولا شك أن عرض الفتيات في هذه المسابقات ما هو إلا عرضٌ لأجسادهن العارية، وكشفٌ لما أمر الله عز وجل بستره وحجبه عن أعين لصوص الأجساد، يقول الله تعالى:{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ ... }سورة النور الآية31، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:( لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ) رواه مسلم. وبناءً عل ما سبق يتقرر ما يلي:
أولاً: يحرم شرعاً تنظيم مسابقة ملكة الجمال والدعوة للمشاركة فيها.
ثانياً:يحرم المساهمة في هذه المسابقة بأي شكل من الأشكال، كالإعلان عنها، وتقديم أي شيء يسهم فيها. وكذلك يحرم حضورها.
ثالثاً: يحرم شرعاً مشاركة الفتيات فيها، ويحرم على أولياء أمورهن السماح لهن بالمشاركة فيها بأي صورة من الصور، ومن يسمح لبنته أو أخته للمشاركة فيها، فليسمع وعيد النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في الحديث:( ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديّوث،ورجلة النساء) وفيها:( فما الديّوث؟ قال: الذي لا يبالي بمن دخل على أهله، قيل فما الرجلة؟ قال: التي تتشبه بالرجال) رواه أحمد والنسائي، وقال العلامة الألباني:حسن صحيح، انظر صحيح سنن النسائي 2/541،السلسلة الصحيحة حديث رقم 1397. قال ابن منظور:[ الديّوث هو الذي لا يغار على أهله ] لسان العرب 4/456، وقال العلامة علي القاري:[ والديوث الذي يُقرُ أي يُثبتُ بسكوته على أهله، أي من امرأته أو جاريته أو قرابته، الخبث أي الزنا أو مقدماته وفي معناه سائر المعاصي كشرب الخمر وترك غسل الجنابة ونحوهما، قال الطيبي أي: الذي يرى فيهن ما يسوءه ولا يغار عليهن ولا يمنعهن فيقر في أهله الخبث ] مرقاة المفاتيح 7/ 241.
رابعاً: يجب شرعاً منع إقامة هذه المسابقة، لأنها منكرٌ عظيم، ونوع من الإفساد في الأرض، وفي منعها محافظة على أخلاق مجتمعنا وقيمنا وعاداتنا الطيبة، ووقاية لنا من النار، قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }سورة التحريم الآية 6.
خامساً: واجب العلماء والدعاة والمربين وخطباء المساجد، إنكار هذه المسابقة الخبيثة والتحذير منها ومن شرورها.
وأخيراً فإني لأستغرب سكوت الجمعيات النسوية - التي تزعم أنها تدافع عن المرأة وعن كرامتها- عن هذا الانتهاك الصارخ لحقوق المرأة، وعن هذا التعدي على كرامة المرأة، أم أن التعري وعرض لحوم النساء في المزادات اللاأخلاقية يندرج تحت لافتة تحرير المرأة!؟ " انتهى .
بناء على ما تقدم فإنني أنصح المسلمين عموما وأولياء الأمور خصوصا أن نتقي الله في أعراضنا ،وأن نغرس في نفوس أبنائنا وبناتنا قيم الفضيلة والغيرة وحب الأوطان ، وأن ننفّرهم من الرذيلة وأسبابها ، فإن واجب الأمانة يملي علينا أن نربي جيلا متسلحا بالإيمان والعلم والأخلاق ، لنتمكن من مواجهة التحديات ( وما أكثرها ) التي تتهدد وجودنا وهويتنا الدينية والثقافية . ولنوجّه همة وطاقات المراهقين إلى ما يعود عليهم وعلينا بالنفع في الدنيا والآخرة ، ولنتذكر دائما قول النبي صلى الله عليه وسلم : "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " حديث صحيح .
أما أنت أيتها الفتاة والمرأة المسلمة الكريمة ، فأنت درّة أمر الله ورسوله بحفظها ، كي تبقي رمزا للطهر وعلما للعفة ، يا مصنع الرجال ويا مربية الأجيال، لا تلهثي وراء السراب وتحرّري من قيد التغريب والتقليد الأعمى لما فيه امتهان لأنوثتك وكرامتك ، وارفعي رأسك عاليا فأنت مسلمة سليلة العز والأمجاد .
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]