كُنا في الحركة الإسلامية قد أصدرنا بياننا الرسمي الذي أعلنا فيه موقفنا الواضح من انتخابات الكنيست، وذلك يوم الخميس 6/12/2012. ولأنني لن أعيد اقتباس كل ما ورد في البيان إلا أن من جملة ما ورد فيه اعتقادنا، في الحركة الإسلامية، أن الكنيست أصلٌ من أصول المشروع الصهيوني لا يعدو كونه منبرًا احتجاجيًا بالنسبة للمجتمع العربي الفلسطيني في الداخل، وأن تقييم تجربة أعضاء الكنيست العرب وأحزابهم منذ أول عضو كنيست وحتى الآن تفيد أن هذا الكنيست لم يحق لنا حقًا ولم يرفع عنا ظلمًا، وكنا ولا نزال منذ النكبة وحتى الآن نعاني الظلم التاريخي والاضطهاد الديني لسياسة ممنهجة، وأنه ثبت لدينا بالواقع أن المؤسسة الإسرائيلية استغلت وجود أعضاء عرب في الكنيست مادة لتجميل وجهها القبيح وقناعًا لإخفاء ما ترتكبه من جرائم متواصلة بحق شعبنا وكل شعوب أمتنا العربية والإسلامية.
وعليه فإن الحركة الإسلامية قد دعت أبناءها ومناصريها الأخذ بالاعتبار هذه المعطيات التي أوردت بعضها لدى اتخاذ كل واحد منهم القرار وتحديد موقفه من الانتخابات، طمعًا بمرضاة الله تعالى وكشفًا للوجه الحقيقي لهذه المؤسسة ونصرة لشعبنا ومرضاة لضمائرنا، وفق فهمنا العقائدي وحسنا الوطني والقومي. وقد ختمت الحركة الإسلامية بيانها بالتأكيد أنها ستبقى على العهد متمسكة بكل ثوابتها، متجذرة في وطننا، محافظة على حقوق أبناء شعبنا، وأنها ستبقى على العهد لا تقيل ولا تستقيل حتى نلقى الله تعالى.
ومن هذا المنطلق، ولأن بيان الحركة الإسلامية هو بياننا الذي يمثلنا، فقد ارتأيت وخلال كل الفترة التي سبقت الانتخابات ألا أكتب في هذا الموضوع أبدًا، لأن هناك الكثير مما هو أهم من انتخابات الكنيست في نظري مما يمكن، بل يجب، أن يكتب عنه ويقال فيه.وفي التالي لم يكن يشغلني ولا يقلقني أن يفوز حزب "الليكود-بيتنا" برئاسة "نتنياهو" "ليبرمان"، أو أن يفوز حزب "العمل" برئاسة "شيلي يحيموفتش"، أو أن يفوز حزب "يوجد مستقبل" برئاسة "يئير ليبيد" أو غيرهم، حيث كل هؤلاء وجوه مختلفة لعملة واحدة، وإن أراد البعض تسويق فكرة وجود يمين ويسار، أو وجود ما يسمى بالمركز ضمن الخارطة الحزبية الإسرائيلية. هذا من جهة. وأما من الجهة الثانية فلم يكن يشغلني أبدًا، ولم يكن ضمن مفكرتي الاهتمام بنتائج كل حزب من الأحزاب العربية، لا منفردة ولا مجتمعة.وكل ذلك من منطلق قناعتي ورؤيتي للتمثيل العربي في الكنيست. وكانت مرحلة الدعاية الانتخابية ورأينا فيها الشعارات البراقة والخطابات الرنانة، بل وسمعنا الهمز واللمز في موقفنا.
وجاء يوم الانتخابات وكانت النتائج التي عرفناها جميعًا، سواء كان من جهة الأحزاب اليهودية أو الأحزاب العربية. وكان اللافت، بل المثير، تلك التصريحات التي صدرت عن قيادات الأحزاب العربية والذين صبوا جام غضبهم بسبب النتائج التي كانت دون مستوى آمالهم وطموحاتهم، فلقد صبوا جام غضبهم على من لم يصوتوا من أهلنا في الداخل الفلسطيني، وأنهم هم السبب، حتى قال قائلهم:إن على المقاطعين للانتخابات ومن لم يصوتوا أن يحاسبوا ضمائرهم. وقال آخر: إن على من لم يصوتوا أن يقف كل واحد منهم أمام المرآة ويحاسب نفسه ويلومها. وقال آخر: لو استطعت لبعثت إلى كل فلسطيني لم يصوت برسالة تهنئة بفوز "نتنياهو". وقال آخر: لو ارتفعت نسبة التصويت عند أهلنا في الداخل الفلسطيني بزيادة 10% لكنا استطعنا أن نحصل على تمثيل أكبر يجعل كتلة اليسار والمركز -حسب فهمه- أكبر من كتلة اليمين، وبذلك كنا سنغير ليس خارطة إسرائيل بل خارطة الشرق الأوسط!!! ولكن من لم يصوتوا كانوا هم السبب في ذلك.
إنه وإزاء هذا العشم الوهمي لهؤلاء على أبناء شعبنا، لعلها كادت تصل إلى حد الوصاية، وكأنهم كانوا يريدون القول إن التصويت فرض وواجب، وإن عدم التصويت حرام، بل لعلهم كانوا سيقولون إنها خيانة وطنية من الدرجة الأولى، وعليه فكان لا بد مما ليس منه بُد.
من الذي عاد يصدق هؤلاء وهم يتحدثون عن كتلة مانعة تمثل اليسار والوسط والأحزاب العربية لمواجهة اليمين؟ إنه من حكمة الله سبحانه أنه جعل "يئير لبيد"، الذي يعتبرونه وسطًا "يبُق الحصوة" في اليوم الثاني لصدور نتائج الانتخابات لما قال: (لا يوجد شيء اسمه كتلة مانعة، هل تريدون مني أن أكون في كتلة واحدة مع حنين زعبي؟!)، وكانت تسمية الزعبي للمثال وليس للحصر. أم أن الوسط تمثله في نظرهم تسيبي ليفني التي انفصلت عن كاديما وأسست حزب "الحركة"؟ فهل نسي هؤلاء أن هذه المرأة الدموية ذات التاريخ الأسود خلال عملها في جهاز الموساد، هي التي لما كانت وزيرة خارجية في حكومة "أولمرت" نسقت الهجوم على غزة مع المخلوع حسني مبارك في قصره في القاهرة قبل ليلة واحدة من الهجوم في شتاء 2009/2008، حيث لا تُنسى صورتها وهي تجلس أمام حسني مبارك تضع أسفل قدمها في مواجهة وجه حسني مبارك في جلسة وهيئة جلوس أقل ما يقال عنها أنها جلسات فتيات الليل، اللاتي لم تخجل هي بأنها زارتهن في الكباريهات من أجل التصويت لها. ومثلها وفي قائمتها "عمير بيرتس" الذي كان وزيرًا للحرب خلال الهجوم على لبنان في صيف 2006، أم أن حزب العمل برئاسة "شيلي يحموفتش" قد أصبح في نظر هؤلاء حزبًا وسطًا ويساريًا معتدلًا يمكن أن يشكلوا معه كتلة مانعة في مواجهة اليمين؟ وهل نسي هؤلاء أن هذا الحزب وقادته هم أساس مصائبنا ونكبتنا والاعتداءات على شعبنا سواءً كان في يوم الأرض 1976 أو كان خلال الانتفاضة الثانية (2000) حيث حكومة "باراك" يومها وقتل الشهداء الثلاثة عشر من أبنائنا، وغيرها وغيرها من الأحداث التي ولغوا فيها في دماء شعبنا.
لمن نسي من هؤلاء المتطاولين على غير المصوتين فإننا نذكره بأن هؤلاء (وبعد جريمة "بيرس" المشهورة في قانا لبنان عام 1996) ولم تمر سوى أشهر قليلة وقد كانت الانتخابات التي تنافس فيها "بيرس" مع "نتنياهو"، خرجوا يدعون أهلنا في الداخل الفلسطيني للتصويت لـ"بيرس"، بل ونادوا باسمه عبر مكبرات مآذن المساجد في بعض القرى، تحت تبرير أنه -أي "بيرس"- يقف في مواجهة اليمين و"نتنياهو"! فإذا كان جزار قانا وقاتل 112 امرأة وطفلًا في لحظة واحدة قد أصبح يساريًا فعلى الدنيا السلام.
وللذين يطالبون من لم يصوتوا بأن يقفوا أمام المرآة ليحاسبوا أنفسهم على هذه "الجريمة"، وطبعًا هؤلاء لم يخرجوا للتصويت رغم نداءات الاستغاثة ورغم "دبة الصوت" ورغم "جاي يا غلمان جاي" التي استخدمت فيها كل الإمكانات، ورغم فضائيات عربية تجندت ببث مباشر طيلة اليوم لخدمتهم والإذاعات المحلية ومواقع الإنترنت، حتى أنهم دخلوا إلى المساجد واستعملوا مآذنها، أقول: إذا كنتم تثقون بأنفسكم وبقدرتكم على إقناع الناخبين بآرائكم ومشاريعكم وسياساتكم فلا أظن أن هناك حاجة إلى استنفار الناس ودعوتهم عبر مكبرات الصوت، لأنه من الطبيعي أن يكونوا محفزين سلفًا للخروج، وأن قناعتهم للخروج ستكون هي دافعهم لذلك، فهل وقفتم أنتم أمام المرآة وسألتم أنفسكم عن هذا الرفض لنداءاتكم، وعن هذه اللامبالاة لاستغاثاتكم؟ هل سألتم أنفسكم أمام المرآة إذا ما كانت تجربتكم هذه التي عمرها 65 سنة لم تقنع أبناء شعبنا؟ وبصراحة؛ هل وقفتكم أمام المرآة بدون مكياج الصور البراقة والبرامج التلفزيونية وقلتم لأنفسكم:من هو المتهم الحقيقي؟ نحن أم أبناء شعبنا؟! ولو أننا زرعنا لحصدنا!!!.
لقد استنجدتم بالجامعة العربية فأنجدتكم بنداء غير مسبوق. ويا ليتها أنجدتنا عندما استغثنا بها في كثير من القضايا المقدسة والمصيرية! ومع ذلك صمتنا ولم نقل للجامعة العربية إن هناك قطاعًا واسعًا من فلسطيني الداخل له رأي آخر، وقول غير الذي تقولون في انتخابات الكنيست. ولقد أصدر السيد محمد زيدان (أبو فيصل) رئيس لجنة المتابعة كذلك بيانًا رسميًا باسم لجنة المتابعة، ولم يترك وسيلة إعلام مسموعة ولا مكتوبة ولا مرئية إلا وتحدث فيها بصفته رئيسًا للجنة المتابعة، وليس باسمه الشخصي، داعيًا أبناء شعبنا للخروج والتصويت للأحزاب العربية، ولم نقل في ذلك كلمتنا باعتبار أن أبا فيصل يمثل في موقعه كل مركبات لجنة المتابعة؛ المشاركة وغير المشاركة في الانتخابات، وليس من حقه أن يستخدم اسمه الرسمي التمثيلي لصالح جهة من الجهات، مع التذكير أن أبا فيصل لما كان يُدعى للمشاركة في نشاطات دعم الثورة السورية فإنه كان يعتذر، مبررًا اعتذاره أن في لجنة المتابعة مركبات مع النظام السوري، وهو يريد أن يكون عنصر تجميع وليس تفريق، وقد تفهمنا ذلك. فلماذا الآن يحدث العكس؟ ومع ذلك فقد آثرنا السكوت.
وكان الأخطر مما فعلته الأحزاب العربية كلها أولئك الذين طعنوا -وبدون استثناء- في المقاطعين وغير المصوتين وكادوا يتهمونهم بالخيانة وعدم الوطنية. نعم إن أحزابا عربية قد ساهمت في إفساد ضمائر وذمم أبناء شعبنا عبر استخدام المال الكثير في شراء الأصوات، فأية ثقة وأية مصداقية هذه وأية ديمقراطية هذه؟
إن الذي اضطرني إلى الحديث في هذه الملاحظات -وهي غيض من فيض مما يمكن الحديث فيه في قضية انتخابات الكنيست- هو ذلك الهجوم الذي شنه قادة هذه الأحزاب على من لم يصوت من أهلنا في الداخل الفلسطيني، وكأن غير المصوتين مشكوك في وطنيتهم وصدق انتمائهم. يا هؤلاء! كان خيرًا لكم أن تراجعوا أنفسكم وتقفوا أمام المرآة ثلاثية الأبعاد لتروا أنفسكم جيدًا، وعندها فأنا على يقين أنكم ستصمتون ولن تتهموا غيركم. ومع ذلك فآمل بالوقوف عند هذا الحد من طرفكم وإلا فلا تضطرونا إلى كشف المستور!!!.
رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالديَّ بالمغفرة
(والله غالبٌ على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون)
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]