الله عز وجل خلق الإنسان واستخلفه في الأرض ليحقق غايتين عظيمتين , الأولى تحقيق العبودية لله في الأرض , كما اخبر القرآن بقوله تعالى : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون , الثانية هي تعمير الأرض بالبناء والزراعة والصناعة والتجارة ونشر العدل والمساواة وإشاعة الخير بين الناس , قال تعالى : والذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور.
أربعة شروط للتمكين في الأرض , ولا تمكين ولا استقرار إلا بتحقيقها , الشرط الأول أقاوموا الصلاة , الصلاة حق لله على عباده , الثاني آتوا الزكاة , الزكاة حق العباد كما قال تعالى :والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم , وأمروا بالمعروف , الأمر بالمعروف إشاعة الخير في البلاد وبين العباد , ونهوا عن المنكر , النهي عن المنكر اجتثاث الشر من المجتمع ومحاربة الفساد إذا لم يحقق الإنسان الغاية من خلقه , أي أضاع الصلاة واتبع الشهوات , وإذا أهمل دوره ووظيفته التي أوكلت إليه , استغنى الله عنه وألغى استخلافه في الأرض , وأسند ذلك إلى قوم آخرين , هذه سنة من سنن الله لا تتغير ولا تتخلف.
يقول الله تعالى محذرا : وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم , ويقول الله تعالى على لسان موسى لقومه : قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون , يهلك عدوكم بظلمهم بسبب إفسادهم في الأرض , وينظر كيف تعملون أي يتابع خطواتكم ويراقب أفعالكم , الله عز وجل لا يحابي أحدا في قضية الاستخلاف والتمكين في الأرض , أنما يستخلف الانسان لتحقيق غاية وأداء مهمة كما بينا , فإذا حقق الإنسان الغاية وأدى المهمة وقام بدوره ووظيفته على الوجه الذي يرضي الله باركه الله ومكن له في الأرض وأفاض عليه الخير كما حكى لنا القرآن عن يوسف الصديق بقوله تعالى : وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء , استحق يوسف هذا التمكين وهذه المنزلة لخبرته وأمانته , كما حدث عن نفسه بقوله تعالى قال اجعلني على خزائن الأرض أني حفيظ عليم , إن أي عمل في أي مجال كان يحتاج إلى ذوي الخبرة والأمانة يحتاج إلى الكفاءات لا إلى الثقات والقرابات.
في الثلاثين من آذار من كل عام يحي عرب الداخل ما اصطلح على تسميته بيوم الأرض بمسيرات شعبية ومهرجانات خطابيه , معبرين عن صمودهم وتمسكهم بما تبقى من أرضهم , وعن رفضهم مصادرة أراضيهم التي هي مصدر رزقهم , المسيرات الشعبية مضى عليها سبع وثلاثون عاما , أدمت الأقدام وفتحت الجراحات وأحيت في الذاكرة القضية الفلسطينية برمتها , الضياع والشتات والمصادرة والتهويد , ورسخت في القلوب الانتماء والإصرار على التمسك بكل ذرة من الأرض المتبقية والمستهدفة حتى التحرير واسترجاع الحق , بالرغم من العديد من المعوقات والعقبات والموانع على رأسها الفرقة والانقسام بين جميع الأفرقاء أصحاب الأرض الشرعيين , الدفاع عن الأرض لا يتحقق بالفرقة والانقسام أيا كانت الأسباب والمبررات , تحرير الأرض لا يتم إلا بالصف المرصوص , لا يتم بالشعارات والهتافات ولا على أيد الثقات والقرابات والصداقات.
سعيد سطل ابو سليمان
31 / آذار / 2013
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]