التعصُب ظاهرة خطيرة متفشية بين الأفراد والجماعات , والشعوب والأمم في كل بقاع الأرض, له آثار مدمرة على النسيج الاجتماعي والروابط البشرية والعلاقات الدولية , والتعصُب هو أن يدعو الرجل إلى تأيد أقاربه ونصرتهم ظالمين كانوا أو مظلومين , والعصبي هو الذي يغضب لقومه ويحامي عنهم بحق وبغير حق , لذلك جاء في الحديث ليس منا من دعا إلى عصبية أو قاتل على عصبيه , وللتعصُب أشكال متعددة هناك تعصب ديني وتعصب طائفي وتعصب مذهبي , هناك تعصب لأشخاص ورموز دينية وتاريخية , وهناك تعصب لحركات وأحزاب دينية وعلمانية , عصبيات متعددة والنتيجة واحده , دمار وخراب وسفك دماء واعتداء على الأرض والعرض والمقدسات واستباحة كل محرم ! لكي نفهم هذه الظاهرة الخطيرة يجب أن نبحث عن أسبابها وعن نشأتها وجذورها هل هي ظاهرة فطرية أم مكتسبة ؟ هل يولد التعصُب مع الإنسان أم هو طارئ عليه من الخارج ؟ التعصب سلوك مكتسب وليس فطري , فلو كان فطريا في الإنسان لشمل جميع البشر دون استثناء , لذلك نجد إنسانا متعصبا وإنسانا غير متعصب , وذلك بحسب البيئة التي تحتضنه ويعيش فيها فالإنسان لا يتعصب إلا في بيئة حاضنة تُنشئه تنشئةً تعصُبيّه , أن نمط التربية هو الذي يوَلِد التعصب , واخطر مراحل التربية هي مرحلة الطفولة , عندما نربي الطفل على الكراهية لإنسان أو لطائفة أو لجهة نختلف معها , حتما سينشأ الطفل متشربا للفكر الذي تربى عليه , هذا النمط من التربية تعتمده مع أطفالهم بعض الحركات المتطرفة مثل النازية والفاشية والصهيونية, هؤلاء يشحنون أطفالهم بالكراهية للغير ,هذا النمط من التربية هو اعتداء على إنسانية الإنسان , لان شحن الطفل بالكراهية للغير يسمم تفكيره ويعطل عقله , فيتحول إلى إنسان فاقد للإنسانية , يتحول سلوكه إلى سلوك عدواني تجاه الغير , لا يحترم مقدسا ولا يراعي حرمة , يعتدي على دور العبادة يحرق ويدنس ويخرب , ويعتدي على الممتلكات يحرق السيارات والحقول والأشجار , ويعتدي بالضرب دون تمييز بين رجل وامرأة وبين طفل وشيخ عجوز , دون أي رادع من ضمير أو قانون أو دين أو خُلق ودون شعور بالذنب.
هذا السلوك الإجرامي هو نتاج تربية عنصرية استعلائية في مرحلة الطفولة , نتاج شحن على الحقد والكراهية للغير , ولم تقتصر هذه التربية وهذا الشحن على مرحلة الطفولة , إنما تمتد إلى مرحلة الشباب ومرحلة الكهولة عبر مختلف الوسائل الإعلامية والثقافية والدينية , ويتصدرها رجال دين ورجال سياسة وإعلام ورجال ثقافة , وما نشاهده من اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين , وما نسمعه في التظاهرات وفي ملاعب كرة القدم من هتافات ( الموت للعرب ) ما هي إلا نتاج هذه التربية وهذا الشحن المتواصل على كراهية العرب , الطفل في مرحلة الطفولة يتلقى المفاهيم بمشاعره لا بعقله , وعندما ينشا الطفل على مفاهيم خاطئة مفاهيم مضللة تلقاها بمشاعره لا بعقله , يصعب في الكبر التخلص منها مهما حاول , لذلك كان أصعب شيء على المشركين في الجاهلية ترك ما نشئوا عليه منذ طفولتهم من عبادة الأصنام , يصف القرآن الحوار معهم قائلا : وإذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا , أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون , الطفل الصغير يتلقى من مربيه الأفكار والتوجيهات بمشاعره لا بعقله , لذلك يصعب عليه في الكبر التخلص من العادات والأفكار التي تربى ونشأ وترعرع عليها.
لذلك كانت محاربة الجهل والتخلف والقضاء على العصبية بكل أنواعها وأشكالها من الأولويات في الإسلام , سواء كانت عصبية دينيه أو قوميه أو قبليه أو طائفيه أو مذهبيه أيا كانت , جاء يقول دعوها فإنها نتنه ليس منا من دعا إلى عصبيه أو قاتل على عصبيه , هل نجح الإسلام في القضاء على هذه الظاهرة المدمرة لم ينجح بل فشل فشلا ذريعا ,لأن أبناءه رفضوا الانصياع لتعاليمه وهديه , وبات أبناؤه اشد تعصبا مما كان عليه المشركون في الجاهلية قبل الإسلام , بات أبناؤه يُكفّرُ بعضهم بعضا , ويستحلُّ بعضهم دماء وأعراض بعض , يستحلون قتل الأطفال والنساء والشيوخ والعلماء , يستحلون هدم الأضرحة والمساجد ودور العبادة كل ذلك يتم بإصدار فتاوى تكفيرية تبيح كل منكر وكل محرم , هؤلاء التكفيريون باتوا اشد خطرا على الإسلام من أعدائه التقليديين.
سعيد سطل ابو سليمان
3 رجب 1434
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]