هناك حقيقة يغفل عنها العرب ويتغافل عنها الغربيون , وهي تداول الأيام بين الناس وبين الأمم وبين الدول وبين الحضارات , وان دوام الحال من المحال , هذا ما أكده القرآن الكريم بقوله تعالى : وتلك الأيام نداولها بين الناس , يوم لك ويوم عليك , فعزيز الأمس قد يصبح ذليل الغد , وذليل اليوم قد يصبح عزيز الغد , فكم من عليل نهض سليما معافى , وكم من سليم سقط عليلا , هذه سُنّة الحياة التي لا تتخلف.
وهناك حقيقة ثانية يغفل عنها الطغاة والجبابرة , وهي أن الطغيان مهما علا وتجبر وتكبر, فان العدل الإلهي سيطاله لتجري عليه السُنة الإلهية , وهي الهلاك والاستئصال , يقول الله تعالى : وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا , سورة الكهف آية 59 هذه سُنّة الله ماضية في الطغاة الجبابرة الذين يعتدون على المستضعفين في الأرض تحت ذرائع ومسميات مختلفة, مثل حقوق الإنسان يقتلون الإنسان بسم حقوق الإنسان , أو بذريعة الحرب على الإرهاب , يرهبون الناس ويدمرون الدول باسم الحرب على الإرهاب , والإرهاب هم صانعيه , هؤلاء لن يفلتوا من العقاب الإلهي سيجازيهم الله بما كسبت أيديهم.
التاريخ القديم والحديث شاهد على مصير الطغاة والجبابرة وما آلوا إليه , اسألوا التاريخ القديم عن عاد التي لم يُخلق مثلها في البلاد , وعن ثمود الذين جابوا الصخر بالواد , وعن فرعون ذي الأوتاد , هؤلاء الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد , صب الله عليهم ألوانا من العذاب واستأصل شافتهم , هذه حقائق التاريخ حدثنا عنها القرآن لا ينكرها إلا متكبر أو جاهل لا يحسن قراءة التاريخ , اسألوا التاريخ عن ذي القرنين وعن جنكيزخان وعن القياصرة وعن الأباطرة وعن الأكاسرة اسألوا عن عاقبتهم , اسألوا التاريخ المعاصر عن هتلر وعن موسيليني وعن لينين وستالين , اسألوا التاريخ المعاصر عن النازية والفاشية وعن الشيوعية عما آلوا إليه , لقد باتوا أجمعين من الماضي السيئ الذكر يلعنهم التاريخ ويلعنهم اللاعنون , التاريخ دروس وعبر لذوي العقول , كما قال تعالى : لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب.
اليوم توجد أمريكا على الساحة الدولية تحذو حذو أسلافها الجبابرة , تستعبد الشعوب وترهب الدول بمنطق القوّة , بما تملك من المال ومن التكنولوجية العسكرية , تنهج سياسة التلويح بالعصا لمن عصى , تعلن بصلف واستكبار وغطرسة بلغة السيد للعبد على مسمع من العالم بأسره , من ليس معنا فهو ضدنا , أمريكا هذه التي يرتمي على أعتابها ويسبح بحمدها غالبية الملوك والأمراء والرؤساء العرب , لا تُخفي عليهم أدبياتها التي تقول , مصلحة أمريكا فوق كل اعتبار , المصلحة هي معيار التعامل مع الدول الصديقة وغير الصديقة , هي معيار التحالف مع الدول , هي معيار الصداقة , في أدبيات أمريكا لا صداقة تدوم ولا وفاء يستمر, إذا انتهت صلاحية العميل تتخلى عنه أمريكا مهما قدم لها من خدمات, أمريكا مشهورة عبر تاريخها ببيع حلفائها وعملائها عندما تنتهي صلاحيتهم , وغالبا ما تكون هي السبب في سقوط حلفائها وعملائها , الشيء الغريب هو أن معظم الذين باعوا أنفسهم وشعوبهم لأمريكا وعلى رأسهم الزعماء العرب لا يعتبرون ولا يتعظون.
إن قائمة الذين تخلّت عنهم أمريكا وباعتهم طويلة نذكر منهم , الرئيس الباكستاني براويز مشرّف , وشاه إيران محمد رضا بهلوي , والرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس , ورئيس بنما مانويل نوريجا , ورئيس اندونيسيا سوهارتو , ورئيس الكونغو موبوتو , والرئيس المصري حسني مبارك , والرئيس التونسي زين العابدين بن علي , والرئيس اليمني عبد الله الصالح , والقائمة طويلة وهذا غيض من فيض , هؤلاء اخلصوا ولاءهم للبيت الأبيض , ولكن لم يشفع لهم إخلاصهم , لأن أمريكا تتعامل مع حلفائها وعملائها تعامل مصلحة , مع انتهاء المصلحة تنتهي الصلاحية لأي زعيم , مهما قدم من خدمات ومهما بلغ انبطاحه على بطنه وقبل النعال , هذا هو المنطق السياسي القائم على المصلحة في تعامل أمريكا مع الأنظمة العميلة في كل زمان ومكان , هذا براويز مشرّف لم يشفع له عند سيده بوش ما قدمه من خدمات للولايات المتحدة , كان الخادم المطيع والوفي , هو الذي فتح لبوش أبواب باكستان على مصراعيها , وجعلها ممرا للعبور إلى أفغانستان الدولة الجارة والمسلمة بحجة التعاون في مكافحة الإرهاب , الدور نفسه يقوم به اليوم اردوغان يفتح أبواب تركيا وحدودها على مصراعيها , لعبور المرتزقة لتدمير سوريه البلد المسلم بالوكالة عن أمريكا وإسرائيل.
براويز مشرف جعل باكستان حديقة خلفيه للمخابرات الأمريكية المركزية سي أي إيه وحربها المجنونة على الإرهاب , تنازل عن حريته وكرامته , افقد بلاده كرامتها وحريتها واستقلالها , جعل بلاده رهينة بأيدي الأمريكان , تسع سنين قضاها مُشرّف خادما مخلصا لأسياده الأمريكان ومع ذلك لم تشفع له السنون التسع , عندما انتهت صلاحيته ألقت به أمريكا إلى مزبلة التاريخ لم يقرأ مشرف التاريخ تاريخ أسلافه من العملاء , وكذلك زملاؤه المعاصرين من الملوك والرؤساء العرب , لم يتعظوا بمصائر أسلافهم الذين باعوا أنفسهم وبلادهم وشعوبهم لأمريكا , المصير الذي ينتظر هؤلاء هو نفس مصير أسلافهم , مزبلة التاريخ !!
سعيد سطل ابو سليمان
30 /5 / 2013
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]