قالت “مؤسسة الأقصى للوقف والتراث” في بيان لها الاحد 2/6/2013 أن شهادات رويت لها وأخرى تناقلتها وسائل الإعلام ووكالات الانباء خلال الأيام الأخيرة تؤكد ما نشرته في تقرير لها الاثنين الأخير حول وجود مقابر جماعية في مقبرة الكزاخانة الواقعة في حي الجبلية في مدينة يافا، قضى أصحابها نتيجة اعتداءات وجرائم العصابات الصهيونية خلال أحداث النكبة الفلسطينية عام 1948م، واشارت “مؤسسة الاقصى” ان هناك اهتمام عالمي وإعلامي كبير في هذا الكشف لم يتوقف منذ أيام، حيث ما زالت التقارير الصحفية والتلفزيونية تتوالي وتتناقل على أوسع نطاق، في الوقت نفسه تؤكد المؤسسة انها ستتابع الملف على عدة أطر، وانها ما زالت تتدارس في السبل الممكنة والناجعة لإدانة المؤسسة الاسرائيلية من جهة ، وللتعرف على هوية الشهداء وطرق تخليد ذكراهم.
وفي هذا الصدد فإن “مؤسسة الاقصى” أعدت تقريراً تلفزيونيا عن ملف القبور الجماعية، وتقوم بتعميمه بالإضافة الى تقرير صحفي يجمع أهم ما ورد في هذا الملف .
عطا الله زينب ابو سعدو – شاهد شارك بدفن الشهداء:
ويروي الصياد عطا الله زينب –ابو سعدو- (80 عاما) تأثره الشديد عندما شاهد رفات عشرات الفلسطينيين الذين شارك في حمل جثثهم ودفنهم في مقبرة جماعية قبل نحو 65 عاما، بعد ان قضوا برصاص العصابات اليهودية في معارك الدفاع عن مدينة يافا، قبل سقوطها عام 1948، وقال عطا زينب ان “القائمين على مقبرة الكزاخانة التاريخية استعانوا بي لكي اروي لهم ما حدث في مدينة يافا قبل 65 عاما بعد ان عثروا على بقايا عشرات الجثث وهياكل عظمية في المقبرة قبل نحو عشرة ايام، لانني من الشهود القلائل الذين لا يزالون على قيد الحياة ويتذكرون احداث يافا في تلك المرحلة”.
واضاف عطا الله : “كنت فتى في ال 15 من العمر اعمل صيادا مع والدي عندما نشبت الحرب في يافا، وكنا نسكن في قرية اسمها العربية جنوب يافا في منطقة بيت فدان، تحولت اليوم الى بلدة اسرائيلية اسمها بات يام”،وتابع “عندما بدأت المعارك حول يافا صرنا نحمل جثث المجاهدين والشهداء، وغالبا ما كانت جثثا لمجهولين جمعت من الشوارع ودفناها بسرعة بسبب المعارك في مقبرة الكزاخانة التي لم يكن يوجد سواها في مدينة يافا”، واضاف “كانت عملية الدفن محفوفة بالمخاطر، اذ كنا نتسلل تحت جنح الظلام لندفن يوميا بين اربعة او ستة اشخاص، ندخلهم من فتحة صغيرة في مدفن احدى العائلات ونكدسهم فوق بعضهم البعض”.
ومضى يقول “كنا نحمل ضحايانا من رجال ونساء واطفال بملابسهم واحذيتهم ، لا نعرف اسماءهم ولا يعرف اهلهم عن مقتلهم، وكنا نجدهم في اغلب الاحيان في الشارع، ولم نكن نصلي عليهم، بل نكتفي بقراءة الفاتحة على الطريق”، وتابع “كنا نتحرك تحت زخات الرصاص، وكانت العصابات اليهودية لا تتردد في اطلاق النار علينا ونحن في المقبرة”،واضاف “كانت الجثث تأتي من اربع جبهات، جبهة حسن بيك المنشية في الشمال، وجبهة بيت فدان في الجنوب، وجبهة سكنة درويش في الغرب، وجبهة ابو كبير من الشرق، وكان الشبان يأتون حاملين الجثث لدفنها في قبر جماعي في مقبرة الكزاخانة معرضين حياتهم للخطر”.
واوضح عطا الله “شاركت في دفن نحو مئة فلسطيني خلال ثلاثة الى اربعة اشهر، كانت الحرب شرسة وكان القناصة اليهود يتمركزون في بناية البيرة اعلى بناية في يافا، ولا يجرؤ احد على السير في الشارع في النهار، وحتى في الليل كنا نركض ونحن نحمل قتلانا لايصالهم الى المقبرة”. وتابع بتأثر “ما زلت اذكر جارتي ام فخري التي قتلت وهي تصلي، حملناها ووضعناها في المقبرة الجماعية التي كنا نسميها فستقية”.
ولفت عطا زينب الى انه هرب مع اهله من قريتهم العربية الى حي العجمي في يافا. وقال “عدنا الى قريتنا بعد شهر، الا ان منازل القرية كانت قد هدمت وصودرت ارضنا، ونعيش الان في بيت عربي هرب اصحابه من الحرب وصادرته الحكومة وصنفته ضمن ما يعرف باملاك غائبين ونحن ندفع ايجاره للقيم على املاك الغائبين”.
متابعة الملف:
من جهة اخرى اوضح الشيخ محمد ابو نجم – مسؤول الحركة الاسلامية في يافا: “نحن نقوم بترميم مقبرة الكزاخانة التاريخية – والتي تصل مساحتها الى نحو 25 دونما- واثناء الترميم قبل نحو عشرة ايام وجدنا منطقة بدون شواهد ولا تشبه القبور داخلها فتحة مليئة بهياكل عظمية وهي عبارة عن ست غرف”، واضاف ابو نجم “خلال عملنا في صيانة المقبرة تم إنجاز ترميمات لأكثر من أربعمائة قبر، حيث اكتشفنا فوهات لحفر في باطن الأرض اتضح بأنها مقابر جماعية، واتضح لنا من الفحص الأولي أنها تضم مئات الهياكل العظمية ورفات لمختلف الأجيال أجمع العديد من كبار السن ممن عايشوا النكبة أنها لشهداء وثوار ومدنيين قتلوا في حرب 48″.
واضاف ابو نجم “ان مؤسسة الاقصى للوقف والتراث التي تتابع ملف المقبرة سوف تستعين بمختصين لمعرفة سبب وفاة هؤلاء والفترة الزمنية التى قضوا فيها لاننا نريد ان نوثق ما حدث في فلسطين.
بدوره قال مسؤول ملف المقدسات في مؤسسة الأقصى عبد المجيد اغبارية إن المؤسسة تواصل أعمالها بالتوثيق بالأدلة والبراهين التاريخية للرفات والهياكل العظمية، وإرسال التقارير إلى المجتمع الدولي والعالم الاسلامي والعربي بكل ما يتعلق بهذه المقابر وإسنادها بالحقائق الميدانية، وأكد اغبارية أنه سيتم القيام بالعديد من الخطوات أبرزها السعي لإجراء الأبحاث والفحوصات العلمية للرفات والهياكل العظمية التي كشف عنها وتعود إلى مختلف الأجيال بواسطة جهات فلسطينية ودولية للتيقن ومعرفة ظروف الوفاة، وإيصال رسائل إعلامية إلى العالم أجمع بأن إسرائيل قامت على جماجم الشعب الفلسطيني.
ردود :
نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني الشيخ كمال الخطيب، قال :إن “تداعيات اكتشاف المقابر لمئات الشهداء في يافا ستكون في عدة اتجاهات منها الاتجاه القانوني لملاحقة مرتكبي هذه المجازر من العصابات الصهيونية”، وأضاف :”هذه المجازر ونحن في الذكرى الـ65 شاهد على أن الفلسطينيين لم يهربوا من وطنهم طواعية كما تقول الرواية الصهيونية، فهم بحثوا عن مكان آمن بعد تعرضهم للمذابح البشعة، وقام الصهاينة بإخفاء جرائمهم في المقابر الجماعية، وأسلوبهم بزراعة الأشجار الحرجية فوق القرى المهجرة وما تخفي تحتها من جرائم إنسانية “،وتابع :”افتقار الفلسطينيين للقيادة السياسية في الماضي أدى إلى تغول الاحتلال في جرائمه والعصابات اليهودية، ولو كانت هناك قيادة سياسية لأدى ذلك إلى الكشف عن هذه الجرائم بسهولة”.
وأكد الخطيب أن الحركة الإسلامية لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه هذه المقابر وسيتم اتخاذ إجراءات تؤدي في نهاية المطاف إلى إدانة الاحتلال وتعرية ونسف الرواية الصهيونية حول الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني”،وقال :”صحيح أن عامل الصدفة هو الذي كشف هذه المقابر الجماعية، إلا أن الخطوات اللاحقة ستكون مبنية على أسس مدروسة ومخطط لها من قِبل أهالي الداخل المحتل وستكون الحركة الإسلامية في مقدمة الجهات المطالبة بإدانة الاحتلال، وتسجيل ذلك في كل المحافل المعنية”.
من جانبه استذكر الباحث في تاريخ يافا الدكتور سامي أبو شحادة المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في المدينة ومحيطها منذ نوفمبر/تشرين الثاني 1947 وحتى بعد سقوطها في مايو/أيار 1948، وكان أبرزها مجزرة “حي السرايا” بتلغيم وتفجير شاحنة في منزل للأيتام، تلتها مجزرة “تل الريش” و”سلمة” و”المنشية”، هذا فضلا عن الإعدامات الجماعية في محيط مقبرة الكزخانة، حيث تم إحراق الجثث في أحيان كثيرة للتخلص منها بسرعة وتحسبا لانتشار الأوبئة، وأوضح أبو شحادة أن اكتشاف المقابر الجماعية في يافا ليس مفاجئا، لكون فصول نكبة فلسطين ومشاهدها موثقة بروايات شفوية وإفادات آلاف من شهود عيان تؤكد ارتكاب مجازر بشعة في فلسطين على أيدي العصابات اليهودية “الإيتسل” و” الهاغانا” و”الليحي”، ومجازر يافا جزء من هذه الحالة، خصوصا أن المدينة تعرضت في نهاية أبريل/نيسان 1948 لأعنف قصف مدفعي تواصل على مدار ثلاثة أيام سقطت خلالها آلاف القذائف.
وفي مقال للسيد عبد القادر سطل قال :” الصور التي نشرت قبل أيام كشفت من جديد عن جرح لم يندمل ،القبور الجماعية التي نشرت صورها من مقبرة الكزاخانة ، نعم هي قبور جماعية لمئات الرجال والنساء والأطفال الذين سقطوا خلال أيام في أحياء وشوارع وأزقة يافا، هم شهداء عملية تفجير مبنى السرايا في مركز يافا يوم 4 كانون ثاني 1948 كما كتب على لوحة أحد أعمدة السرايا أو ما تبقى منها بعد عملية التفجير بسيارات مفخخة من قبل منظمة الليحي، هم شهداء سقطوا في حي الجبلية من عمليات القنص من فوق مبنى معمل البيرة جنوب مدينة يافا ( المبنى هدم) وكان هذا المعمل يكشف كل شوارع وأزقة حي الجبلية وكان القناصة اليهود يستهدفون كل متحرك في الحي.
هم شهداء سقطوا لأنهم أصروا على البقاء بعد النكبة وبعد إحتلال يافا. سقطوا لأنهم خالفوا الاوامر. أوامر الحاكم العسكري حيث جاء في التقارير التي كانت ترفع إلى بن غوريون من الحاكم العسكري في يافا عن النهب والقتل وحالات الاغتصاب لنساء يافا وعلى عينك يا تاجر، ففي زيارة لمندوب الصليب الاحمر وحسب ما ورد في كتاب إيلان بيبه عن التطهير العرقي في فلسطين . توجه المندوب للحاكم العسكرى سائلا إياه ” ما هذه الأكوام من الجثث في شوارع يافا وبالتحديد على شاطئ البحر فكان جوابه : ” هؤلاء خالفوا الاوامر” في حين تم فرض الحكم العسكري على أهلنا في يافا بعد أن تم تجميعهم في حي العجمي ووضع السياج حول الحي. ومنع أهلنا من الخروج من الحي بدون إذن الحاكم العسكري. نعم كل ما ذكر أعلاه موثق في أرشيفهم ومدوّن في ذاكرة كل فلسطيني من أبناء يافا شاهد بأم عينه النكبة بتفاصيلها.
وكانت “مؤسسة الأقصى “ عممت الأحد 26/5/2013 بياناً قالت فيه إن الحاج محمد أشقر مركّز مشروع ترميم قبور مقبرة ” الكزاخانة” التاريخية والواقعة في حي ” الجبلية في مدينة يافا ، أعلن مؤخرا اكتشافه عن مقابر جماعية في المقبرة تضم رفات شهداء قضوا عام النكبة الفلسطينية 1948 خلال أحداث يافا .
وأضافت “مؤسسة الأقصى” نقلا عن أشقر أن المقابر الجماعية تضم رفات وجماجم وهياكل عظمية لمئات الشهداء الذين سقطوا في معارك مع العصابات الصهيونية في مدينة يافا. وتشير مؤسسة الأقصى إلى أن اكتشاف المقابر الجماعية جاء خلال قيام الحركة الإسلامية في المدينة بمشروع ترميم القبور التي انهار جزء كبير منها بفعل عوامل الطبيعة .
وفي حديث مع الحاج محمد أشقر مركز مشروع ترميم المقبرة قال ” خلال عملنا في مشروع ترميم مقبرة “الكزاخانة” اكتشفنا العديد من المقابر الجماعية التي يعود تاريخها إلى النكبة الفلسطينية والثورة ضد الاحتلال البريطاني عام 1936 ، وتضم هذه المقابر رفات الشهداء الذين سقطوا منذ ذلك الحين ، ولوحظ من الجماجم والهياكل العظمية ان الشهداء من مختلف الأجيال بمن فيهم الأطفال ، وتأكدت لي هذه المعلومات من خلال روايات لكبار السن في المدينة “.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]