اغلاق
اغلاق
  ارسل خبر

"السيسي والبرادعي وخريطة الطريق" بقلم: الشيخ كمال خطيب

 
1. ونحن لنا خريطة طريق: حال ظهور عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري ضد الرئيس محمد مرسي مساء الأربعاء 2013/7/3 وحوله جلس الكهنة والسحرة راح يتلو قرار انقلابه الآثم، ثم شرح خطواته القادمة، التي كانت تحت لافتة خارطة الطريق، والتي فصل فيها أن بدايتها تكون باختيار رئيس مؤقت، ثم تجميد الدستور ثم تشكيل حكومة مؤقتة ثم وخلال هذه الفترة الانتقالية تجرى انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة...... 
 
هكذا في صفاقة ووقاحة يتكلم الفريق السيسي ويشرح خارطة طريقه، ضاربًا عرض الحائط قرار الشعب المصري وإرادته باختيار قيادته عبر صناديق الاقتراع منحازًا لفريق من الشعب المصري على حساب الأكثرية التي اختارت الرئيس مرسي، يظن الفريق السيسي أن إرادته ستكون نافذة ملزمة ولن يعترض عليها أحد لطبيعتها العسكرية، ناسيًا لا بل جاهلًا أن الشعب المصري الأصيل سيتمرد على هذه الإرادة حتى لو كانت عسكرية وسيرفضها ويسقطها، ليس فقط لأنها تعتبر سرقة لإرادة الشعب واعتداء عليها، بل لأنها تتعارض تمامًا مع خارطة الطريق التي على هديها ووفق خطواتها يسير من اختاروا الدكتور محمد مرسي، إنها خارطة الطريق التي حدد خطواتها ومراحلها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم خطوة خطوة ومرحلة مرحلة من يوم بعثته صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة لما قال: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكًا جبريًا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت). 
 
نعم! هكذا هي خارطة طريقنا التي وضعها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى هديها نسير، إنها مرحلة النبوة الشريفة، ثم تأتي بعدها مرحلة الخلافة الراشدة، ثم تأتي بعدها مرحلة الحكم الوراثي، بدءًا من الدولة الأموية ثم العباسية وانتهاءً ببعض بقايا هذا الحكم عند بعض العائلات من أصحاب الجلالة أو السمو، ثم إلى جانبها مرحلة الحكم الجبري الذي يقع على الناس بالقهر والعسف والاستبداد والانقلاب العسكري بقوة السلاح، لكن هذه الفترة والمرحلة يكون لها نهاية كذلك، ولتبدأ بعدها مرحلة عودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة تعم الأرض من جديد بإذن الله سبحانه وتعالى.
 
كانت شعوب المنطقة تعيش تحت وطأة الحكام الذي وصلوا بالانقلابات العسكرية منذ خمسينات القرن الماضي، وكانت مصر واحدة منها حيث كان انقلاب 1952 الذي أوصل جمال عبد الناصر إلى الحكم بعد أن حيّد وانقلب على رفيق السلاح اللواء محمد نجيب، ولقد بقي حكم العسكر في مصر حتى يوم 2011/1/25 يوم خُلع حسني مبارك واختار المصريون بعدها أول رئيس مدني لهم وهو الدكتور محمد مرسي الذي جرى التآمر عليه.
 
فإذا ظن الفريق السيسي أن عجلة الزمان ستدور إلى الوراء فإنه مخطئ.وقد قالها المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في ميدان رابعة العدوية أن حكم العسكر قد انتهى ولن يعود، في إشارة إلى العزم على إسقاط هذا الانقلاب والعودة بالدكتور محمد مرسي إلى منصب الرئاسة، وليس هذا وحسب بل إن الذي يجهله الفريق السيسي ويجب أن يعرفه هو وكل من رسم وخطط ومول من أزلام النظام السابق ومن ساندهم من دول الخليج وخاصة الإمارات والسعودية، إن على هؤلاء أن يعرفوا أن خارطة طريقهم ستفشل وأن خارطة طريقنا هي التي ستتحقق بإذن الله، لأقولها وبكامل الثقة إن الأمة على أبواب مرحلة الخلافة القادمة، والتي ستكون مصر جزءًا منها، وإنها الأيام طالت أم قصرت، سترينا أية خارطة طريق سترى النور؛ خارطتنا أم خارطتهم؟ الخارطة التي وضعها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أم الخارطة التي وضعها محمد البرادعي وعبد الفتاح السياسي، وأن غدًا لناظره قريب.
 
2. المؤسسة الإسرائيلية وفضيحة العسكر 
في الساعة العاشرة مساءً من ليلة الأربعاء كان بيان الفريق السيسي وإعلانه عزل الرئيس محمد مرسي والانقلاب عليه في مفارقة عجيبة حيث لم تمض إلا بضع ساعات، وكما كتبت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أنه وصباح الخميس 2013/7/4 إلا ووفد أمني إسرائيلي يصل بطائرة خاصة إلى القاهرة لإجراء محادثات للتنسيق الأمني بين البلدين.
 
صحيحٌ أن الرئيس مرسي لم يأمر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المؤسسة الإسرائيلية، لكنه في الوقت نفسه قد أرسل رسائل كثيرة وهامة منها إدخال القوات المصرية إلى سيناء، ومنها إلغاء اتفاقية تصدير الغاز المصري بثمن زهيد إلى تل أبيب، والإشارة إلى إمكانية فتح كل معاهدة كامب ديفيد المهينة، ومنها فتح معبر رفح بشكل دائم، ومنها وكما قال المراقبون أنه لم يذكر وخلال سنة كاملة اسم المؤسسة الإسرائيلية على لسانه في أي حديث تحدث به، في إشارة إلى موقفه السلبي منها وغير ذلك من الرسائل، ومع أن بعض التافهين من الحاقدين قد عابوا عليه أنه لم يقطع العلاقات الدبلوماسية مع المؤسسة الإسرائيلية، وإنني على يقين لو أنه فعلها متجاهلًا الظروف الدولية لكانوا هم أول المنتقدين متهمين إياه بالتسرع والمراهقة السياسية وعدم فهم الواقع وما إلى ذلك من مصطلحات، ولكن ومن أجل أن نفهم الموقف الحقيقي للمؤسسة الإسرائيلية من فوز محمد مرسي بالانتخابات المصرية بعد خلع مبارك فيكفي أن نشير إلى ما قاله بنيامين بن اليعزر؛ وزير الأمن الإسرائيلي السابق الذي كان حزينًا كئيبًا يوم سقوط مبارك قائلًا إنه كان كنزًا إستراتيجيا للمؤسسة الإسرائيلية واصفًا الربيع العربي بأنه سيكون شتاءً إسلاميًا عاصفًا. 
 
أما وقد تآمر المتآمرون على محمد مرسي وعزلوه فإنها الفرحة العارمة ظهرت على وجوه القادة الإسرائيليين، الذين من شدة حماستهم أدلوا بتصريحات نارية جعلت "نتنياهو" يصدر أمرًا حازمًا يمنع أي مسؤول إسرائيلي من الحديث عن أحداث مصر خشية ألا يفتضح الدور الإسرائيلي فيها، ولكن رغم ذلك فقد سبق قرار "نتنياهو" قول "إفرايم سنيه"؛ نائب وزير الأمن السابق ووزير الصحة الإسرائيلي في مقابلة إذاعية، وقد سُئل عن موقفه فقال: "لا أستطيع أن أنكر أنني مبسوط مما يجري في مصر، إنني مبتهج..إنني مبتهج"، وأما الوزير الآخر السابق "تساحي هنغبي" فقد قال: (إن ما يحصل في مصر هو مدعاة للفرح والسرور)، وهل دليلٌ لإثبات فرح وسرور المؤسسة الإسرائيلية مما حصل في مصر من انقلاب عسكري أكثر من تأكيد صحيفة "هآرتس"- عدد الثلاثاء 2013/7/9 – من أن الحكومة الإسرائيلية طالبت الإدارة الأمريكية بعدم إيقاف المعونة السنوية المخصصة لمصر، وهي بقيمة 1.3 مليار دولار لأن المؤسسة الإسرائيلية مطمئنة لأداء قيادة الجيش المصري الذي انقلب على الرئيس المنتخب محمد مرسي. 
 
ولقد قالها أحد المراقبين الفلسطينيين: (يوم انتخب محمد مرسي فرحت غزة وحزنت إسرائيل، ويوم عزل مرسي فرحت إسرائيل وحزنت غزة)، ولكنني على يقين أنها الفرحة المستعجلة جدًا جدًا لتعود من بعدها المؤسسة الإسرائيلية تندب حظها من جديد، يوم ترى الشعب المصري وهو يعيد الحق لأصحابه ويفشل مخططات العسكر والمتآمرين من عملاء وأمريكا والمؤسسة الإسرائيلية ومأجوري السعودية والإمارات..ويا فرحة ما تمت ولن تتم بإذن الله تعالى. 
 
3. العلمانيون وورقة التوت الأخيرة: 
أن يدافع الإنسان عن رأيه فهذا حقه، وأن يجتهد في إثبات صواب موقفه ورؤيته وفشل مواقف الآخرين بالحجة والإقناع والدليل فلا بأس في ذلك، ولكن أن يرخص البعض آراءهم ومواقفهم حتى تصير أرخص من الطعمية فهذا هو الأمر العجيب، ولكن هذا ما حصل مع أدعياء القومية والثورية والعلمانية واليسارية في مصر وفي بلادنا. 
 
إنهم الذين أدعوا أنهم أنصار الديمقراطية، فلما أفرزت الإسلاميين انقلبوا عليها، إنهم الذين ادعوا أنهم مع احترام إرادة الناخب، فلما قال الناخب كلمته وأدلى بصوته واختار محمد مرسي قالوا إن مرسي فاز بفارق 2% فقط، مع أن ديمقراطيات كبيرة عالمية كان الفارق هو بضعة أصوات فقط. 
 
قالوا إنهم أعداء النظام السابق نظام حسني مبارك، بينما رأيناهم قد اصطفوا خلف أحمد شفيق مرشح نظام فلول مبارك في حالة من الرخْص لم يسبق لها مثيل. 
 
صبروا على حسني مبارك ثلاثين سنة وهو يخرب في مصر، ولم يصبروا على محمد مرسي سنة واحدة وهو يسعى للإصلاح والبناء. صبروا على حسني مبارك 18 يوما وهو يقتل المتظاهرين في شوارع وميادين مصر خلال الثورة، ولم يصبروا على محمد مرسي أكثر من 48 ساعة، وهو الذي لم يأمر بقتل أحد بل إن أتباعه ومؤيديه هم الذين قُتلوا. صمتوا على بقاء حسني مبارك بعد هروبه إلى منتجع شرم الشيخ ولم يصروا على اعتقاله، ولم يصبروا على محمد مرسي ليلة واحدة وأيدوا اعتقاله وفرض الإقامة الجبرية عليه. ادعوا أنهم أنصار صدام حسين حينها وهتفوا ضد البرادعي العميل الأمريكي، الذي كان سببًا في مأساة غزو العراق عبر تقاريره عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة وهو الذي صمت وجبن عن مواجهة المشروع النووي الإسرائيلي، بينما هو اليوم زعيمهم والمتحدث باسمهم. 
 
ادعوا أنهم ضد حكم العسكر وأنهم الثوريون أنصار الشعوب وإذا بهم يرضون أن يكونوا سحيجة العسكر، ادعوا أنهم أنصار الشعوب المغلوبة فلما قالت الشعوب كلمتها وكانت كلمتها إسلامية كشروا عن أنيابهم وخلعوا الأقنعة عن وجوههم لتظهر خلفها تلك الوجوه الغبراء الكالحة العلمانية القومية اليسارية بل لتسقط آخر ورقة توت عن عوراتهم المفضوحة ولا أدري بعد اليوم أي شعار كاذب وأي شعار رنان سيعيد إليهم مصداقيتهم ويستر عوراتهم التي انفضحت في ميدان التحرير مثلما انكشفت عورات الفتيات والنساء المصريات اللواتي اغتصبن اغتصابًا جماعيًا في وسط ميدان التحرير، بينما هم يهتفون للعسكر ويشتمون الإخوان المسلمين ويتآمروا على الشرعية!!!. 
 
4. الحرم والحرس والفارق بينهما: 
لمن نسي فإنها مجزرة الحرم الإبراهيمي التي ارتكبها القاتل المجرم الإسرائيلي "باروخ غولدشتاين" في حق المصلين في صلاة الفجر في شهر رمضان في المسجد الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل في العام 1994، حيث استشهد يومها 27 فلسطينيًا وهم في الركعة الثانية من صلاة الفجر، وقد أطلق عليهم الرصاص من الخلف، وقد سُميت تلك المجزرة باسم مجزرة الحرم الإبراهيمي، إنه نفس المشهد تمامًا. فما حصل في مصر فجر يوم الإثنين 2013/7/8 أمام مقر الحرس الجمهوري أتنه أطلقت النار على المصلين في صلاة الفجر وهم في الركعة الثانية، وكانت الحصيلة 84 شهيد وأكثر من ألف جريح، نعم جاءهم القتل والرصاص من الخلف في صلاة الفجر في الركعة الثانية، فإذا كانت وجوه الشبه كثيرة إلا أن الفارق أن القاتل هناك هو ضابط في الجيش الإسرائيلي، بينما القاتل هنا هم ضباط وجنود الجيش المصري، فتلك اسمها مجزرة الحرم الإبراهيمي وهذه اسمها مجزرة الحرس الجمهوري! فيا للعار. 
 
5. السيسي والبرادعي: 
لا أدري أهي المفارقة أم ماذا يكون حتى اجتمع في التآمر على مصر السيسي والبرادعي، إنه البرادعي الذي خشي من استمرار المنازلة الانتخابية الرئاسية ففضل الهروب قبل الفضيحة فانسحب من سباق الانتخابات، وهو الذي كان يتوعد بالقول إنه إذا فاز في رئاسة مصر فإنه سيبني فيها تمثالًا لبوذا. وكأنه لا يكفي مصر فراعنة قدماء ومعاصرون حتى ينضم إليهم تمثال لبوذا؟!. 
 
إنه البرادعي الذي افتخر مصرحًا بالقول إنه أجرى اتصالات مع كافة زعماء العالم الكبار ليقنعهم أن ما حصل ليس انقلابًا وإنما هو مطلب شعبي، وأن شرعية الميدان كما سماها أهم من شرعية صندوق الانتخابات. 
 
وها هو البرادعي قد جاء على ظهر دبابة ليعود إلى المشهد السياسي نائبًا لرئيس الجمهورية المؤقت وليس الشرعي، وهو الذي هرب من المنازلة الانتخابية لمعرفته بحجمه السياسي والشعبي في مصر. 
 
بربكم أيها الناس؛ هل يصدق عاقل أن ينسحب البرادعي من الانتخابات لأنه يعرف حجمه ثم لا يلبث هذا البرادعي أن يصبح نائبًا لرئيس مصر، بينما الرئيس الشرعي في السجن؟ بربكم أيها الناس هل يُعقل أن فلول حسني مبارك قد مُنعوا من دخول ميدان التحرير وهم يركبون الجمال والخيول يوم موقعة الجمل الشهيرة في ميدان التحرير، بينما هم اليوم يدخلون ميدان التحرير على ظهر السيسي والبرادعي ويستقبلون استقبال الفاتحين من قبل أدعياء القومية واليساريين والعلمانيين والبلطجية. 
 
يا شعب مصر تستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، هل يُعقل أن يقبع مرسي في السجن وتفتح القصور أمام من سيغرقون مصر في بحر من الدماء؟ هل يعقل أن يسجن قنديل ويتسلم الوزارة من ستُظلم مصر في زمانهم من أرباب النظام الفاسد السابق بسبب الفتنة التي أوصلوا مصر إليها؟ هل يعقل أن يسجن الشاطر بينما تشرع الأبواق للأغبياء والجهلة والبلطجية ليحكموا مصر؟ يا شعب مصر أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، أتستبدلون السيسي والبرادعي بدل مرسي والقنديل، ما لكم كيف تحكمون؟ إنه زمن عجيب! والله هذا الزمان الذي يدخل فيه البلطجية على ظهر البرادعي والسيسي إلى قصر الرئاسة، بينما محمد مرسي يُعزل ويُسجن! إنه زمن الشقلبة وانقلاب الموازين مع قناعتي ويقيني أن شعب مصر لن يقبل بهذا العار وسيعيد تصحيح المسار ويُعيد الأمور إلى نصابها. 
 
 
رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي بالمغفرة
(والله غالبٌ على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون)

بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]

أضف تعليق

التعليقات

تعليقات Facebook