اغلاق
اغلاق
  ارسل خبر

"في ذكرى المولد.. عام الفيل وعام السيسي" بقلم: الشيخ كمال الخطيب

 
الختام بالمسيح والبداية بمحمد
يوم الاثنين القادم بإذن الله (13) سيوافق يوم 12 ربيع الأول، وهو يوم ذكرى مولد سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم. وإذا كانت الأيام الأخيرة من العام الماضي 2013 قد شهدت ذكرى ميلاد سيدنا رسول الله المسيح عيسى بن مريم عليه وعلى أمه الصلاة والسلام، فإنها الأيام الأولى من العام الجديد 2014 تشهد ذكرى مولد سيدنا رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم أجمعين.
 
عيسى وأحمد، محمد وعيسى ختامٌ وبداية، وبداية حتى النهاية: (وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقًا لما بين يديّ من التوراة ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحرٌ مبين) (الصف: 6).
 
إنها رسالة عيسى عليه السلام، التي كانت الرسالة الأخيرة من رسالات الرسل والأنبياء قبل أن تكون الرسالة الخاتمة لخاتم الأنبياء وإمام المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. قال صلى الله عليه وسلم: "الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى وأبوهم واحد، أنا أولى الناس بعيسى بن مريم فليس بيني وبينه نبي".
 
وإننا حين نحتفي نحن المسلمين بعيسى عليه السلام وبأمه الطاهرة البتول مريم عليها السلام فإننا نحتفي بهما ونتحدث عنهما بكل معاني الحب والتقدير والتبجيل والاحترام، ونحن نفعل ذلك طاعة وقربى لله تعالى حيث الإيمان بالأنبياء ركن من أركان الإيمان. إننا لا نفعل ذلك تزلفًا ولا مجاملة ولا توددًا لأحد من الخلق أبدًا، وإننا لا نقول الذي نقوله ولا يكون كل هذا الاحترام إرضاءً لأحد من الخلق، غير أنه إرضاء للخالق سبحانه وتعالى.
 
وأما الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم, والذي سنحتفي بذكر مولده في الأيام القادمة، فليس لأننا نجعل يوم مولده يوم عيد، فليس عندنا إلا عيد الفطر وعيد الأضحى، ولكن هذا لا يعني ألا تمر ذكرى مولده -بأبي هو وأمي- دون أن نقف عندها مستلهمين العبر من هذا المولد الكريم الطاهر.
 
إن مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن مولد شخصه الطاهر الشريف فحسب، وإنما كان مولد الأمة ومولد الخير ومولد الرحمة، حيث الدنيا كل الدنيا كانت كالأرض الجدباء العطشى تنتظر ماء السماء يروي عطشها، وكالمريض ينتظر اليد الحانية تطبب آلامه، فكان مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم كالماء للعطشان والدواء للعيان (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
 
إننا نحتفي بالمولد الكريم ليس على نهج بعض أدعياء الحب المزعوم، حيث ذكر مناقبه ومحامده وأخلاقه الحميدة صلى الله عليه وسلم (وإنك لعلى خلق عظيم)، وإنما نحتفي بالمولد ليكون منا له صلى الله عليه وسلم العهد والقسم بالاقتداء والاقتفاء والسير على خطاه ونهجه وسنته صلى الله عليه وسلم.
 
فيا أحمد الخير لي جاهٌ بتسميتي وكيف لا يتسامى بالرسول سمي
إن جل ذنبي عن الغفران لي أملٌ في الله يجعلني في خير معتصمِ
 
في ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم، ورغم ما تمر به الأمة من آلام وجراحات إلا أننا على يقين بالله وثقة بوعد رسوله صلى الله عليه وسلم أن دين هذا النبي سيبلغ ما بلغ الليل والنهار، وأن الله سيظهره على الدين كله ولو كره الكافرون. وإننا على يقين أن كيد أعدائنا لن يقصم ظهورنا وإنما سيقويها بإذن الله حتى تظل قادرة على رفع راية محمد صلى الله عليه وسلم.كيف لا وهو القائل: (كيف تهلك أمة أنا في أولها وعسى في آخرها؟).
 
وإننا وقد ودعنا العام 2013 حيث كانت في آخر أيامه ذكرى ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام، وبين يدي الأيام الأولى من العام 2014 فيها نحتفي ونحتفل بذكرى مولد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فإننا سنظل نحن الأحفاد والأتباع نحفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لنا ويوصينا: (إني لأرجو إن طال بي عُمر أن ألقى عيسى بن مريم، فإن عجل بي موت فمن لقيه منكم فليقرئه مني السلام).
 
فالسلام عليك يا عيسى بن مريم في يوم ميلادك، سلام نوصله إليك نيابة عن أخيك محمد صلى الله عليه وسلم، والسلام عليك يا رسول الله، يا حبيب الله في يوم مولدك، السلام عليكما ورحمة الله وبركاته. 
 
عام الفيل وعام السيسي
يوم 1/13 هو يوم ذكرى مولد النور، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هذه الذكرى المباركة التي تتزامن مع ذكرى الثورات العربية المجيدة، التي أصِرّ رغم كل الظروف على أن أسميها ثورات الربيع العربي، بل ثورات موسم الحصاد الإسلامي بإذن الله تعالى، ففي يوم 1/14 سيكون يوم ذكرى هروب طاغية تونس زين العابدين بن علي ونجاح الثورة التونسية، ويوم 1/25 كان يوم الثورة المصرية المجيدة ضد نظام المخلوع حسني مبارك.
 
صحيحٌ أن العام 2013 قد ازدحم بكثرة الآلام والجراحات والمآسي، التي ضربت الأمة شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالًا ؛فها هي سوريا التي ما يزال جرحها ينزف، وهذه مصر التي ما تزال تكتوي بنار الانقلاب، وتلك العراق التي يطل فيها غول التعصب الشيعي، وتلك لبنان التي تقف على فوهة بركان فتنة عمياء يؤجج نارها حزب الله ؛ذراع إيران ورأس حربتها في تصدير ثورتها الشيعية، وهذه غزة العزة ما تزال تعاني من الحصار والجوع منذ سبع سنوات، لا لشيء إلا لأنها اختارت عيش العزة ورفضت السير في مواكب العبيد، وعن جراحات المسلمين في بورما وبنغلاديش وفي أفريقيا الوسطى وأنغولا حيث يذبح المسلمون وتغلق مساجدهم فحدث ولا حرج.
 
فمن وسط هذه الآلام والأحزان تطل علينا ذكرى مولد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم تطبب جراحنا وتكفكف دموعنا، وهي تعيدنا إلى الظروف الصعبة والأحوال القاتمة التي كانت عليها أمتنا عشية مولده صلى الله عليه وسلم، بل كانت عليها كل الدنيا، وما أجمل ما وصف الشاعر به تلك الحالة لما قال:
 
أطل فجر هداه والدجى عممٌ نام الأنام وكان الكل عُميانا
هذا يصور تمثالًا ويعبدهُ وذاك يعبد أحبارًا وكُهانًا
ودولة الروم حوت فاغرٌ فمه يطغي على تلكم الأسماك طغيانًا
ودولة الفرس حوت آخر كشرت أنيابه للورى ظلمًا وعدوانًا
 
وهل أكثر دلالة من سوء حال أمة العرب يومها من أن يقرر طاغية الحبشة أبرهة أن يغزو بلاد العرب فلا يتوقف إلا في مكة، ليهدم كعبتهم ويدنس قبلتهم ويستأصل شأفتهم؟ وسار أبرهة ومعه جيش عرمرم تتقدمه الفيلة ذاك السلاح الفتاك، الذي لم تكن العرب تملكه ولسان حال أبرهة يقول: لن تقوم للعرب بعد اليوم قائمة!!.
 
ولكنها إرادة الله سبحانه، الذي جعل أبرهة وجيشه وفيلته تلاقي مصيرها المحتوم على أبواب مكة، ولكن ليس قبل أن يدور ذلك الحوار بين أبرهة وبين أحد وجهاء قريش، الذي من صلبه ولد تلك الأيام المولود المبارك محمد صلى الله عليه وسلم، إنه عبد المطلب جد رسول الله، والذي خرج يطلب إبله وجماله التي اغتصبها جنود أبرهة خارج مكة، فلما سأل عنها وطلب استردادها قال له أبرهة: أتطلب إبلًا وجمالًا، ونحن الذين سنهدم كعبتكم وندمر بيتكم الحرام؟! فقال له عبد المطلب: أما الإبل فإنها لي وأنا ربها، وأما البيت فإن له ربًا يحميه. فكان عقاب الله رب البيت الحرام، كان عقابه العاجل الماحق الذي دمر جيش أبرهة وفيلته وجنوده، إنها الطير الأبابيل: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرًا أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول}.
 
إنه عام الفيل إذن ؛عام تدمير إمبراطورية الحبشة وهلاك جيشها، إنه العام الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا بل إن مولده المبارك كان إشارة إلى ما هو أعظم من ذلك، سيكون لصالح الدنيا وخيرها وانتصارًا للمظلومين والمقهورين من الطغاة المتجبرين الفاسدين، فقد قال P: (ورأت أمي كأنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام).
 
إنها قصور الشام ؛قصور هرقل ملك إمبراطورية الروم يومها. وإنه في يوم مولده المبارك فقد سقطت أربع عشرة شرفة من شرفات قصر كسرى ملك الفرس، بل إن الله تعالى قد أراد أن تكون رسالة واضحة لما أطفئت نار المجوس التي يعظمونها ويعبدونها تلك الليلة، وهي ما انطفأت من قبل أبدًا.
 
نعم! إن مولد محمد صلى الله عليه وسلم سيكون له تأثير في إنهاء ظلم الروم والفرس وطغيانهم ليس على العرب فقط وإنما على الدنيا. وهذا ما كان بعد رسالته ونبوته صلى الله عليه وسلم وفتوحات أصحابه رضي الله عنهم لتلك المواقع، حيث وصلت فتوحات المسلمين إلى عقر دار هؤلاء وعواصمهم، فكانت سقوط المدائن عاصمة الفرس، ثم دمشق الموقع المتقدم للروم، وبعدها فتح القسطنطينية عاصمتهم ورمز وجودهم.
 
وها هي ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم تأتي وتتزامن مع الذكرى الثالثة للثورة المصرية المجيدة ومصر تعيش على وقع انقلاب دموي قاده العسكر في مصر برئاسة عبد الفتاح السيسي، ومن يوم الانقلاب 2013/7/3 ومصر تكتوي بنار الانقلابيين ومجازرهم وجرائمهم، وبلغت ذروة صلفهم بقرار استئصال جماعة الإخوان المسلمين؛ الجماعة التي حظيت بالحظ الأوفر من ثقة المصريين في انتخابات البرلمان ومجلس الشورى ورئاسة الجمهورية حيث فاز مرشحهم الدكتور محمد مرسي.
 
لقد قرر الانقلابيون، ويا لسوء قرارهم!بل ويا لغبائهم! أن يجتثوا ويقتلعوا ويستأصلوا جماعة الإخوان المسلمين عبر الإعلان عنها جماعة إرهابية، وعبر منعها من النشاط وإغلاق مقراتها ومصادرة جمعياتها وشركاتها واعتقال قياداتها وغير ذلك، فما أغباهم وما أجهلهم بقراءة التاريخ، أولئك الانقلابيون الدمويون الذين لا يذكرون أن من هم أشد قوة منهم وبطشًا قد جربوا ذلك وفشلوا. لقد فشل أبرهة في القضاء على البيت الحرام؛ رمز التوحيد يومها، ودمره الله رغم أن في مقدمة جيشه كان الفيل.وسيفشل الانقلابيون في استئصال والقضاء على جماعة الإخوان المسلمين ؛رمز وأم ومقدمة الصحوة الإسلامية العالمية رغم أن في مقدمة الانقلابيين وجيشهم السيسي.
 
أيها السيسي في مصر! تذكر أن الملك فاروق مدعومًا ببريطانيا، وأن جمال عبد الناصر مدعومًا بروسيا وأن السادات ومبارك مدعومين بأمريكا ؛كل هؤلاء قد حاولوا نفس محاولتك ففشلوا وذهبوا ومضوا وبقيت جماعة الإخوان المسلمين متجذرة في أعماق الوجدان المصري. وإنك أيها السيسي لن تكون صاحب حظ أوفر من هؤلاء، ولن تنجح في حربك ضد هذه الجماعة المباركة رغم أن أمريكا وبريطانيا وروسيا كلها تدعمك، وفوق هؤلاء وإضافة إليهم فإنها المؤسسة الإسرائيلية، فإذا كان هؤلاء هم سادتك وأربابك الذين تعتمد عليهم، فإن لجماعة الأخوان المسلمين وأن للمصريين الصادقين ربا يحميهم ويدافع عنهم وسينتصر لهم.
 
في ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإننا ونحن نرى هذه الآلام والجراحات والمآسي فإننا نتذكر حال الأمة يوم مولده صلى الله عليه وسلم فنناجيه ونقول:
 
يا سيد الرسْل وجدٌ في القلوب سرى فاسترسل الشوق يعصرنا ويطوينا
يا أكرم الخلق لا فرحٌ يداعبنا والريح تزأر حمقى في أراضينا
والعين تلمح أعداءً لنا مكروا قد أشعلوا النار في ذرى روابينا
يهدمون صروح الخير ما وسعت يد الدمار ليبنوا من مغانينا
فلتعصفي يا رياح الشر أن لنا جبالًا شُهبًا على الساحات تنجينا
هذي الدماء التي تجري مُطهرة ستنبت الشوك في الأحشاء غسلينا
الله أكبر ما حلت مواكبكم وضج ساجدكم بالدمع راجينا
الله أكبر إن الله منتصرٌ للحق في أرضنا فامضوا ملبينا
 
ولقد ناجاك من قبل شاعر الإسلام الكبير محمد إقبال في ذكرى مولدك يا حبيب لما قال لك: (سيدي رسول الله ؛إن الناس قد اعتادوا أن يقدموا لمن يحبونهم في ذكرى ميلادهم زجاجة من عطر فاخر، وإنني أهديك اليوم في ذكرى مولدك زجاجة فيها دم من دم المسلمين المسفوك في الهند وفي طرابلس، إنه دم أحبابك يا رسول الله).
 
واليوم في ذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإننا نهديه أثمن عطر وأطهره وأصفاه وأنقاهُ وأجوده؛ إنه دم الشهداء حفظة القرآن والعلماء في مجزرة رابعة في مصر، وإنه دم الأطفال الأطهار في مجازر سوريا يرتكبها بشار الجزار، وإنه دم الشهيد العالم العابد حافظ القرآن عبد القادر مُلا، الذي أعدم في بنغلاديش لا لشيء إلا لأنه يقف في وجه العلمانيين المارقين هناك.
 
ولكنه يا حبيب ليس عطر الأحزان ولا الدموع ولا البكاء، إنه العطر المنعش الذي يبعث في كل من يشمه بل يراه بل ويسمع به من بعيد، فإنه يبث فيه روح القوة والحيوية والإصرار والعناد للانتصار لهذا الدين الذي جئت به يا حبيب.
 
إننا في ذكرى مولدك يا رسول الله لا نبكي على الأطلال ولا نطلب الشفقة من الأنذال، وإنما هو العهد منا على أن نظل نقارعهم ونجالدهم ونطارد فلولهم في كل مكان، حتى لا يكون في هذا الكون من يهتف الناس باسمه بعد اسم الله جل جلاله إلا اسمك يا صاحب وأجمل وأعذب اسم ؛ محمد.
 
فاللهم ربنا، يا من أهلكت جيش أبرهة والفيل الذي تقدمه في سنة وعام ميلاد سيدنا محمد، فبحق محمد عليك أن تهلك وترد كيد الانقلابين والسيسي الذي يتقدمهم في ذكرى مولد رسول الله محمد، اللهم كما كان ذاك العام عام الفيل فاجعل هذا العام عام السيسي.
 
اللهم أرنا في السيسي آية، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك يا ذا القدرة والجبروت. 
 
رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالديّ بالمغفرة
(والله غالبٌ على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون)

بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]

أضف تعليق

التعليقات

تعليقات Facebook