اغلاق
اغلاق
  ارسل خبر

مقال: "ختامها مسك رغم أنوفهم" بقلم: الشيخ رائد صلاح

http://www.yaffa48.com/site/online/2010/13/ra2edsalah4.jpg

 

كنا قد أدينا عمرة مباركة في المسجد الحرام بمكة المكرمة حفظها الله تعالى. وكنا قد عشنا أيام فرح وسرور في المسجد النبوي في أكناف الروضة الشريفة في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة السلام، ولذلك كانت رحلتنا مسكا منذ أول لحظة خرجنا فيها من مدينتنا أم-الفحم، ثم مرورا بالأردن، ثم دخولا إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة حفظهما الله تعالى، ثم خروجا محزونا منهما، ثم دخولا مرة أخرى إلى الأردن في طريق العودة، ثم دخولا إلى (معبر الكرامة) المحاذي لمدينة أريحا، ثم كدنا مثل كل مرة أن ننهي الإجراءات الرسمية مثل كل رحلة حج أو عمرة سابقة وأن نعود إلى مدينتنا أم الفحم. ولكن يشاء الله تعالى لنا أن تكون رحلة عمرتنا مسكا وأن يكون ختامها مسكا خلال اللحظات التي عشناها في معبر الكرامة.

وإليكم التفصيل الذي يؤكد لكل حر أن هذه اللحظات التي عشناها في هذا المعبر جعلت من عمرتنا مسكا على مسك رغم أنف الظالمين. وقد بدأت هذه اللحظات لحظة كنت على وشك أن أختم جواز سفري للخروج من المعبر، فقيل لي: انتظر قليلا.فجلست على أحد المقاعد بكل هدوء أعصاب، ثم انضمت إليّ زوجتي وجلست قربي وأخبرتني أنهم طلبوا منها أن تنتظر قليلا، ثم جاء إلينا رجل طويل، سمين لدرجة أن كرشه كان مندفعا أمامه وقال لي: ماذا لديكم من أمتعة؟ فقلت: آه، لدينا هذه الحقيبة وهذا (الجالون) المليء بماء زمزم.فقال لي: أنتما مطلوبان للذهاب معنا الآن لإجراء تفتيش لهذه الحقيبة (وزوجتك)! فقلت: لا إشكال في ذلك.فسار أمامنا مع أحد رجاله القبضايات وسار خلفنا جمع منهم كذلك، ثم دخلوا بنا القسم الذي يمر منه أهلنا من الضفة الغربية لدى سفرهم وعودتهم إلى الأردن أو رحلة العمرة أو أية رحلة برية أخرى.ومنذ اللحظات الأولى التي دخلنا فيها ذاك القسم وقعت أعيننا على عشرات الحالات من المعاملة القذرة التي كان يتصرف بها أولئك القبضايات مع العائدين من العمرة من أهلنا في الضفة الغربية. وبعد أن مشينا عشرات الخطوات في ذاك القسم طلبوا مني أن أضع حقيبتي على طاولة عريضة وأن أفتحها، ففعلت ذلك بكل هدوء أعصاب.

ثم بدأ أحدهم تفتيش كل قطعة ملابس في الحقيبة، ولكن الذي حدث أن العشرات من أهلنا في الضفة الغربية أخذوا يحيوننا من بعيد أو يقتربون مني ويصافحونني خلال التفتيش.فجن جنون ذلك الرجل الطويل، السمين والذي أظنه من رجال المخابرات، فطلب فورا من قبضاياته الانتقال بنا إلى مكان معزول عن الأهل ومواصلة التفتيش هناك.وهذا ما حدث، حيث انتقلنا إلى زاوية بعيدة عن الناس وواصلوا تفتيش كل قطعة في الحقيبة لدرجة أنهم فتشوا الجوارب قطعة قطعة! وخلال هذا التفتيش الانتقامي الوقح وجدوا بين الملابس ألعابا للأطفال فظنوا أنهم قد وجدوا (رأس كليب) فقالوا بنشوة الواهم: (هذه الألعاب يجب أن تفتش تفتيشا خاصا). ثم نقلوها إلى مكان آخر مجهول، فلا أدري هل نقلوها إلى مختبر ذري أم ماذا؟! وخلال التفتيش نظر الرجل الطويل السمين الذي أظنه من المخابرات إلى (جالون) ماء، فقال وكأنه يعتز بمعلوماته وثقافته الواسعة: طبعا هذا ماء زمزم!! فقلت له: الله أعلم!! فقال: وماذا قد يكون؟! فقلت له: قد يكون ماء ثقيلا!! فقال: هل هذا معقول؟! فقلت له ساخرا: فتشوه، فكل شيء جائز في هذه الأيام. ثم انتهوا من تفتيش آخر قطعة ملابس في الحقيبة حتى أصبحت الحقيبة فارغة، فواصلوا تفتيش الحقيبة الفارغة وكأن فيها جيوبا سرية لا ترى بالعين المجردة، ثم بعد هذه السلسلة من الممارسات الرعناء الوحشية قالوا: لقد انتهى التفتيش وبإمكانكم حزم أمتعتكم من جديد ثم الخروج!!

وهنا ألفت انتباه الجميع إلى ملاحظة قد يحتاجها البعض منا في المستقبل، وهي أنهم كانوا ملزمين بإعادة ترتيب الملابس وألعاب الأطفال في الحقيبة وفق اللوائح الجوفاء التي وضعوها لأنفسهم، ولو كنت أعرف ذلك لوقفت على هذا الطلب ولأبقيت كل الملابس والألعاب في وجوههم حتى يعيدوا هم ترتيبها في الحقيبة. ولكن بعد أن أعدت أنا وزوجتي ترتيب الملابس وإذ بهم يقولون: الآن جاء الدور لتفتيش كل واحد منكما.فقلت وأنا لا زلت ملتزما بهدوء أعصاب باردة جدا: لا إشكال في ذلك. فنقلونا إلى ممر فيه مقعد، ويقود إلى غرفة خاصة موصدة.فدخل اثنان من أولئك القبضايات معي إلى تلك الغرفة وأجريا علي تفتيشا من فوق ملابسي بأيديهم ثم بجهاز كهربائي ثم طلبا مني خلع حذائي فخلعت الحذاء، فمررا أيديهم من فوق جواربي على قدمي ثم أخذا يفحصان الحذاء بجهازهم الكهربائي وفجأة خرج صوت مزعج من الحذاء، فهرع ذاك الطويل السمين وظنوا أنهم وجدوا ضالتهم فقالوا: ماذا يوجد في هذا الحذاء؟! فقلت بلهجة المحتقر لسخافتهم: أنا لم أصنع هذا الحذاء، بل اشتريته جاهزا قبل أكثر من ثلاثة أسابيع. وبعد أن خاب ظنهم وتبين لهم أن حذائي هو كسائر أحذية الناس ولا يوجد فيه جيوب سرية دقيقة ومتقنة الصنع، قالوا بلهجة المغلوب على أمره: انتهى تفتيشك وسيبدأ تفتيش زوجتك .فخرجنا كلنا من الغرفة ودخلت زوجتي مع إحدى القبضايات من النساء إلى تلك الغرفة لإجراء التفتيش، وقد كنت أظن أن التفتيش لن يستغرق إلا ثواني معدودات، ولكن فجأة سمعت زوجتي تصرخ. فدخلت الغرفة مع ذاك الطويل السمين وإذ بالزوجة قد احتد غضبها وقالت لي إن هذه المرأة تطلب مني خلع ملابسي. فقلت لها: إياك أن توافقي وليكن ما يكون.وهنا تدخل ذاك الطويل السمين وقال: إما أن توافق الزوجة على خلع ملابسها وإما أن نستدعي الشرطة وتقوم الشرطة بخلع ملابسها بالقوة. فقلت له ساخرا: طبعا أنت قوي... انظر إلى نفسك، كم أنت سمين وكم أنت طويل. فقاطعني وقال: هل تقصد أنني آكل خرافا؟! فقلت له: طبعا تأكل خرافا محشية..ثم لديكم طائرات ودبابات وجيش ولذلك تملكون القوة... ولكن...

فقاطعني وقال: هل معنى ذلك أنك تهددني؟! فقلت له وقد بدأت أخرج من حالة هدوء أعصابي: أنت لا تستحق التهديد أصلا حتى أهددك... من أنت أصلا حتى أهددك؟! فقال لي: ومن أنت؟! فقلت له: أنا من خير الناس لأنني مسلم ولذلك سأحافظ على شرفي حتى النهاية، ولن أسمح لكم بالتفتيش العاري. فتلفظ بجملة نابية ساقطة.فقلت له: أنت سافل. فقال لي مبهوتا: ماذا تقول؟! فقلت له: أنت أسفل من سافل. وهنا اقترب مني حتى لاصق جسده جسدي وهو يطمع أن أمرر يدي ولو لثانية واحدة على يده أو كتفه حتى يقول بعد ذلك إنني ضربته فيكون ذلك سببا لمواصلة إدخالي السجن لأشهر أو لسنوات، فتمسكت في تلك اللحظات بهدوء أعصابي وقلت له ساخرا: لا تتعب نفسك. وإذا أردت الحفاظ على صحتك فافهم ما أقول لك... لن يكون هناك أي تفتيش عار مهما كلف الأمر، وسلفا أقول لك: أنا وزوجتي لا نعترض على التفتيش العادي. وهنا ظهر فجأة رجل قصير، أصلع وأسمر اللون، وأظنه من المخابرات كذلك فقال لي مباشرة: (أنت أزعر). فأجبته بما هو مناسب حتى توارى عن الأنظار.ثم حضر أربعة رجال من الشرطة وكان أحدهم يحمل آلة تصوير وأخذ يصور منذ تلك اللحظة كل مجريات الأحداث في تلك الغرفة، ثم دخلت شرطية سمينة جدا وكأنها تفتل عضلاتها من بعيد، ثم قال لي أحد رجال الشرطة: لو كنت في أمريكا واعترضت على التفتيش العاري لفتتوك.. ولو كنت في الأردن واعترضت على التفتيش العاري لفتتوك... فقلت له بنبرة الاستعلاء المطلوبة في هذه اللحظات: أنا لست في أمريكا ولست في الأردن... أنا في أرضي وفي بيتي وأعيش فيها بلا صدقة منك وسأبقى أحافظ على شرفي رغم أنفك. فقال لي هذا الشرطي: إن لم توافقوا على التفتيش العاري فسنستخدم القوة. فقلت له: لن يكون هناك تفتيش عار وإن ديني وقيمي تأمرني أن أدافع عن شرفي. فانقض عليّ ثلاثة من قبضايات الشرطة وجرجروني حتى أخرجوني من الغرفة ثم خرج الجميع من الغرفة سوى الموظفة والشرطية السمينة، ثم أجلسوني على المقعد الذي كان قائما في الممر وأحاطوا بي واقفين وحاجبين الباب عني. وأما رابعهم فقد كان لا يزال يحمل آلة التصوير ويواصل تصوير كل مجريات الأحداث.

وفجأة سمعت نبرة زوجتي قد ارتفعت فوقفت وضربت الباب بقدمي كي أفتحه فانقضوا علي ثم أجلسوني على المقعد مرة ثانية ولاصقت أجسادهم جسدي، وقال أحدهم يخاطبني: لقد ضربتني. فقلت له: لماذا تكذب... لماذا تكذب... أنا ضربت الباب بقدمي وها هما يداي خلف ظهري... لماذا تكذب... وفجأة خرجت زوجتي وأكدت لي فيما بعد أن التفتيش كان عاديا ولم يرتكبوا حماقة التفتيش العاري التي هموا بها، ولكن غباوة سلوكهم وجلافة معاملتهم لم تنته عند هذا الحد. فبعد أن خرجت زوجتي من الغرفة اقتادوني مع زوجتي إلى مخفر الشرطة الموجود في جسر (معبر الكرامة)، وهناك تبين لنا أنهم كانوا قد استدعوا أربع سيارات لقوات تعرف باسم (حرس الحدود).وكان أولئك الجنود قد انتشروا يحملون أسلحتهم ويتجولون في الساحة الملاصقة للمعبر الذي يمر منه المعتمرون، ويبدو أنه قد استدعيتْ تلك القوات المدججة بالسلاح تحسبًا من رد فعل مفاجئ من قبل المعتمرين على قبيح ما حاول أن يرتكبه قبضايات المخابرات والشرطة ضدي وضد زوجتي. ثم لما دخلنا مبنى مخفر الشرطة استدعاني أحد رجال الشرطة إلى مكتبه وقال لي: اعتبر نفسك معتقلًا منذ الآن، ولقد رأيت من اللائق ألا أضع في يديك القيود. فقلت له ساخرًا: ومن قال لك إنني أنزعج من القيود؟ وها هي يداي... لقد اعتدت على ذلك منذ سنوات. فما كان منه عندما سمع هذا الجواب مني إلا أن أمر أحد رجال الشرطة الآخرين الذي قام بوضع القيود في يديّ. فقلت لذاك الشرطي مبتسمًا: كم أشعر بجمال هذه القيود حول يديّ. ثم جلست على مقعد قرب زوجتي وبقينا ننتظر حضور الضابط الذي استدعوه لمتابعة أمري وأمر زوجتي، فلما حضر ودخل مكتبه قالوا لزوجتي بعد مضي دقائق على حضوره: أنت تستطيعين الآن أخذ الحقيبة والخروج باتجاه حافلة المعتمرين، فقالت لهم: لن أخرج حتى أقدم شكوى ضد من حاولوا المس بشرفي.

ثم دخلت مكتب ذاك الضابط وقدمت شكواها ضد أولئك القبضايات من رجال ونساء المخابرات والشرطة، ثم خرجت فقلت لها: الآن توجهي إلى الحافلة ولا تقلقي عليّ فبإذن الله تعالى سأتدبر أمري معهم. وهذا ما كان بحمد الله تعالى. فبعد أن خرجت زوجتي استدعوني إلى مكتب ذاك الضابط، فحاول أن يوجه لي أكثر من تهمة ملفقة ادّعى فيها أنني ضربت الشرطة وعرقلت عملهم في مكان عام. فقلت له: إن هذه التهم هي أقوال مزيفة وكاذبة لأنني أنا الضحية وزوجتي الضحية ونحن الذين نريد أن نقدم شكوى ضد رجال المخابرات والشرطة. وهكذا حولت مجرى التحقيق معي إلى تقديم شكوى ضدهم، ثم قال ذاك الضابط: أنت موقوف لمدة أربع وعشرين ساعة، ونقلوني من هناك بواسطة فرقة "نحشون" سيئة الصيت إلى سجن المسكوبية في القدس الشريف، وهناك أجروا تحقيقا مطولا معي استمر حتى منتصف الليل، ثم نمت ملء جفوني في إحدى غرف السجن لوحدي آمنًا مطمئنًا بفضل الله تعالى. وفي اليوم التالي أطلق سراحي في منتصف اليوم، وعدت إلى بيتي موقنًا أن ما وقع عليّ وعلى زوجتي -وإن بدا في ظاهره عذابًا- إلا أنه وقع على قلوبنا بردًا وسلامًا وزادنا قناعة أن هذا الذي وقع علينا كان الختام المسك لهذه العمرة المباركة. كيف لا وقد وقفت أنا وزوجتي موقفًا اجتهدنا أن نؤكد فيه أن شرفنا هو أقوى من كل مظاهر العربدة التي حاولت أن تستعرضها أمامنا قبضايات المخابرات والشرطة. فليكيدوا كيدهم وليَبقّوا حصوتهم وليكشفوا عما تخفي صدورهم. لن نخافهم ولن ننكسر لتهديداتهم ولن نخشى سجونهم وسنبقى ندافع عن شرفنا حتى آخر ثانية من حياتنا، مدركين أننا لا ندافع عن شرفنا الشخصي فقط، بل ندافع عن شرف كل النساء في مجتمعنا الفلسطيني.

بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]

أضف تعليق

التعليقات

1
أسد في مواجهة الجرذان لله درك يا شيخ الأقصى - رجل بألف ألف رجل اما هؤلاء الجرذان الذين يظنون ان بإمكانهم ان ينالوا من شرف أي مسلم متى شاؤوا فنقول لهم لقد ولى زمن الخنوع والذلة وسيقف لكم الشرفاء منا بالمرصاد ولن يدعوكم تتنعمون بمحاولات إذلالهم بل سيفضحونكم وسيدافعون عن شرفهم بكل ما أوتوا من وسائل ضد من يريد هتكه كائنا من كان.
أبو إسماعيل - 23/04/2011
رد

تعليقات Facebook