اغلاق
اغلاق
  ارسل خبر

رغم أنفك يا مجلة "شارلي إيبدو" - للشيخ رائد صلاح

 
قال ذات يوم المستشرق الفرنسي "كيمون" في كتابه "باثولوجيا الإسلام": (وما قبر محمد إلا عمود كهربائي يبعث الجنون في رؤوس المسلمين.. أعتقد أن من الواجب إبادة خُمس المسلمين، والحكم على الباقين بالأشغال الشاقة، وتدمير الكعبة، ووضع قبر محمد وجثته في متحف اللوفر). 
 
المتمعن في هذا القول يجد أنه عبارة عن مشهد كاريكاتيري نضح به – زورًا وبهتانًا – قلم "كيمون"، وهو يشبه إلى حد بعيد ما نضحت به – زورًا وبهتانًا – مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية، والفرق الوحيد بينهما هو أن هذا المدعو "كيمون" عَبَّر عن كاريكاتيره بواسطة الكلمات، أما هذه المجلة فعبَّرت عن كاريكاتيرها بواسطة الرسم. ولكن هل كان قول "كيمون" مجرد قول عابر أم أخفى وراءه حقدًا دفينًا كان قد تغلغل، في حينه، في صدور المسؤولين الفرنسيين؟! 
 
جوابًا على ذلك لنقف على تصريح أحد كبار المستشرقين الفرنسيين من ضمن محاضرة له بعد استقلال الجزائر كانت بعنوان "لماذا كنا نحاول البقاء في الجزائر"، حيث قال: (إننا لم نكن نسخّر النصف مليون جندي من أجل نبيذ الجزائر أو صحاريها.. أو زيتونها.. إننا كنا نعتبر أنفسنا سور أوروبا الذي يقف في وجه زحف إسلامي محتمل يقوم به الجزائريون وإخوانهم من المسلمين عبر المتوسط، ليستعيدوا الأندلس التي فقدوها، وليدخلوا معنا في قلب فرنسا بمعركة بواتيه جديدة – أي معركة بلاط الشهداء جديدة – ينتصرون فيها، ويكتسحون أوروبا الواهنة..). وهذا يعني أن قول "كيمون" لم يكن مجرد جملة عابرة، بل كان له أنصاره الذين كانوا صُنّاع القرار في حينه في فرنسا. ويؤكد ذلك ما صرح به مسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية عام 1952 حيث قال: (ليست الشيوعية خطرًا على أوروبا فيما يبدو لي، إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديدًا مباشرًا وعنيفًا هو الخطر الإسلامي، فالمسلمون عالم مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربي، فهم يملكون تراثهم الروحي الخاص بهم، ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة، فهم جديرون أن يقيموا قواعد عالم جديد، دون حاجة إلى إذابة شخصيتهم الحضارية والروحية في الحضارة الغربية، فإذا تهيأت لهم أسباب الإنتاج الصناعي في نطاقه الواسع، انطلقوا في العالم يحملون تراثهم الحضاري الثمين، وانتشروا في الأرض يزيلون منها قواعد الحضارة الغربية، ويقذفون برسالتنا إلى متاحف التاريخ)!! 
 
ويبدو أن هذا التخوف من الإسلام الذي كان قد تغلغل سلفًا حتى النخاع في حسابات "كيمون"، وذاك المستشرق الفرنسي، وذاك المسؤول في الخارجية الفرنسية، يبدو أن هذا التخوف كان قد وَجَّه فرنسا إلى تبني إستراتيجية محاربة الإسلام وهو في عقر داره!! ونجد تأكيد ذلك في موقف ملك فرنسا "لويس التاسع"، الذي قاد حربًا صليبية على الإسلام، ولما ذاق مرارة الهزيمة وذل الأسر بعد أن وقع بين أيدي المسلمين كتب يقول: (إنه لا يمكن الانتصار على المسلمين من خلال حرب، وإنما يمكن الانتصار عليهم بواسطة السياسة، باتباع ما يلي: 
 
1. إشاعة الفرقة بين قادة المسلمين، وإذا حدثت فليعمل على توسيع شقتها ما أمكن حتى يكون هذا الخلاف عاملًا في إضعاف المسلمين. 
2. عدم تمكين البلاد الإسلامية والعربية أن يقوم فيها حكم صالح.
3. إفساد أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء حتى تنفصل القاعدة عن القمة. 
4. الحيلولة دون قيام جيش مؤمن بحق وطنه عليه، يضحي في سبيل مبادئه. 
5. العمل على الحيلولة دون قيام وحدة عربية في المنطقة. 
6. العمل على قيام دولة غربية في المنطقة العربية تمتد ما بين غزة جنوبًا، وأنطاكية شمالًا، ثم تتجه شرقًا، وتمتد حتى تصل إلى الغرب!!).
 
ولنا أن نسأل، بعد النظر مليًا في هذه الوصية ونقول: هل هذه الوصية قد تحولت فيما بعد إلى الخطوط الأساس في الاستراتيجية الفرنسية لمحاربة الإسلام؟! وهل هذه الوصية هي التي دفعت فيما بعد الجنرال الفرنسي "غورو" -عندما تغلب على جيش "ميسلون" خارج دمشق- أن يتوجه فورًا إلى قبر صلاح الدين الأيوبي عند الجامع الأموي وأن يركله بقدمه ويقول: (ها قد عدنا يا صلاح الدين)؟!! وهل هذه الوصية هي التي دفعت فيما بعد "مسيو بيدو"، الذي كان وزير خارجية فرنسا أن يقول لبعض البرلمانيين الفرنسيين الذين طلبوا منه وضع حد للمعركة في مراكش: (إنها معركة بين الهلال والصليب)؟! وهل هذه الوصية هي التي دفعت فيما بعد الحاكم الفرنسي في الجزائر في ذكرى مرور مائة سنة على استعمار الجزائر أن يقول: (إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرؤون القرآن ويتكلمون العربية، فيجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم، ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم)؟! قد يقول قائل إن كل ذلك كان في الماضي وقد طواه التاريخ واندثر، وفرنسا اليوم هي ليست فرنسا التي كانت بالأمس؟! فإذا كان الأمر كذلك فكيف نفسر تصريحات "هانوتر"، الذي كان فيما مضى وزير خارجية فرنسا عندما قال مجددًا العهد مع وصية "لويس التاسع": (لا يوجد مكان على سطح الأرض إلا واجتاز الإسلام حدوده وانتشر فيه، فهو الدين الوحيد الذي يميل الناس إلى اعتناقه بشدة تفوق كل دين آخر)، ثم قال: (رغم انتصارنا على أمة الإسلام وقهرها، فإن الخطر لا يزال موجودًا من انتفاض المقهورين الذين أتعبتهم النكبات التي أنزلناها بهم لأن همتهم لم تخمد بعد)؟! لا بل كيف نفسر سلوك "جان بول سارتر" صاحب الفلسفة الوجودية الذي خرج بمظاهرات قبل حرب 1967 تحمل لافتات في باريس كتب عليها: (قاتلوا المسلمين)، ثم خرج بحملة تبرعات للمؤسسات الإسرائيلية تبرع فيها الفرنسيون بألف مليون فرنك خلال أربعة أيام فقط؟! ثم كيف نفسر دعم فرنسا إقامة "مفاعل ديمونا الذري" حتى تم للمؤسسة الإسرائيلية فيما بعد امتلاك القوة العسكرية النووية؟! ثم كيف نفسر سلوك الرئيس الفرنسي "ساركوزي"، الذي كان يحرص خلال ثورة الشعب التونسي عام 2011 أن يعقد كل ليلة لقاء مع الرئيس المخلوع "زين الدين بن علي" في تونس العاصمة للتعاون على إخماد تلك الثورة؛ بمعنى إخماد إنطلاقة الربيع العربي وهو في مهده؟! ثم كيف نفسر إصرار فرنسا استهداف أكثر من خمسة ملايين يعيشون فيها كجزء من مواطنيها اليوم وحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة على نسائهم وبناتهم، لدرجة أن كل مسلمة ترتدي النقاب في الأماكن العامة بفرنسا – بما فيها الشوارع – تغرم بمبلغ 150 يورو؟!
 
بناء على كل هذا السرد الموجز الذي أوردته هناك سؤال يدور في رأسي ومفاده ما يلي: هل مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية، التي نشرت الصور المسيئة، تنعق وحدها خارج السرب الفرنسي، أم أنها امتداد لقول المستشرق الفرنسي "كيمون" الذي أفتتحت به هذه المقالة، وامتداد لوصية "لويس التاسع" ولمن سار على نهج هذه الوصية؟! وهل يقف خلف هذه المجلة الساسة الرسميون في فرنسا اليوم ويدعمون غايتها التي تهدف للنيل من مقام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم؟!
 
إن فرنسا هي المطالبة اليوم أن تقدم هذا الجواب للأمة المسلمة، سيما وأن فرنسا تورطت اليوم بارتكاب المجازر الجماعية ضد المسلمين في مالي وأفريقيا الوسطى، ولا تزال تشارك في تدمير العراق وسوريا اليوم بذريعة إعلان الحرب على "داعش"؟! لذلك فنحن كأمة مسلمة لسنا متهمين، ولسنا مطالبين أن ندافع عن أنفسنا أمام فرنسا، بل فرنسا هي المتهمة في نظرنا، وهي المطالبة أن تقدم لنا أكثر من اعتذار عما اقترفت يداها في الماضي، وعما تقترف اليوم في حقنا، فهي فرنسا التي قادت بالأمس الحروب الصليبية، وأراقت دماء مليون من أهلنا في الجزائر، وشاركت في تقسيمنا بما عُرف فيما بعد بمعاهدة (سايكس بيكو)، وزودت المشروع الصهيوني بمفاعل ديمونا الذري. وهي فرنسا التي كانت ولا يزال لها الباع الطويلة في محاربة الربيع العربي بعامة والمشروع الإسلامي بخاصة، ومع ذلك ورغم كل هذا الكيد الفرنسي فنحن على أعتاب ((خلافة على منهاج النبوة))، رغم أنفك يا مجلة "شارلي إيبدو". 
 

بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]

أضف تعليق

التعليقات

تعليقات Facebook