اغلاق
اغلاق
  ارسل خبر

نفحات رمضانية: هلال رشدٍ وخير - بقلم: الشيخ كمال خطيب

 
أيامٌ قليلة تفصل بيننا وبين هلال شهر رمضان المبارك، معلنًا بداية شهر الصيام والقيام والقرآن والصدقات والقربات، فهلال رمضان هو الماركة المسجلة والإشارة الأصلية لموسم التوبة وموعد الصلح. إنه شهر ليلة القدر التي هي ليلة حصرية لنا- نحن المسلمين- أكرمنا ربنا سبحانه وتفضل بها علينا بكرمه ومَنّه.
هلال رمضان إذا رآه الصالحون وأهل الطاعات شمروا عن سواعد الجد، وشدوا الأحزمة، وعقدوا العزم فصاموا نهاره وقاموا ليله وأقبلوا على القرآن إقبال العطشان على الماء البارد، وإذا رآه أهل الذنوب تحركت فيهم دفقات الخير واستيقظت بقايا إيمان؛ فنزعوا عن قلوبهم غشاوة الغفلة ومسحوا بدموع التوبة أدران الذنوب والمعاصي، ليجعلوا من هلال رمضان ميعادًا للصلح لا يُنقض، وذكرى للوقوف على باب الرحمن الرحيم لا تُنسى. 
هلال رمضان إذا رآه المحزونون أفرحهم، وإذا رآه المكروبون نفّس عنهم، وإذا رآه المكلومون خفف عن جراحاتهم، وإذا رآه البائسون واليائسون أضاء لهم بارقة أمل ووميض فرج، وإذا رآه المظلومون أيقنوا وتذكروا أنه شهر الله، الذي لا يقبل الظلم ولا يطيقه، وأنه نصير المظلومين وأنه حتمًا سينتصر لهم. 
هلال شهر رمضان.. كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال مطلع كل شهر خاطبه بالقول: "اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام، هلال رشدٍ وخير، ربي وربك الله".
هلال رمضان؛ وأنت الذي أطلت على الأمة فيه وقائع كثيرة ومشاهد عديدة وظروف مختلفة، ها أنت تهل على أمتنا وهي على واقعٍ صعب ومرير، فلا حرمنا الله سبحانه من بشائر الخير التي كنت دائمًا تحملها، ومن رسائل التطمين التي كانت بين ثنايا أيامك ولياليك، رسائل لا يفك حروفها ولا يدرك معانيها إلا من أحبك وعشقك يا رمضان، وإلا من عظم الله فيك وأحسن استقبالك.
وإنني على يقين يا هلال رمضان، يا هلال الرشد والخير والبركة، أنك تحمل لنا رسائل، بل برقيات أمل وفرج ونصر وتمكين، إنها برقيات يُمنٍ وإيمان وسلامة للإسلام وأهل الإسلام، فهكذا أنت دائمًا يا هلال رمضان هلال رشد وخير.
 
قلادة الحزن 
منذ ثمانٍ وأربعين سنة وهلال رمضان يطل على الأقصى الحزين والقدس المكلومة، فيستحيي أن ينظر إلى دموعها والغصة في حلقها، خشية أن تسأله القدس إن كان رأى في طريقه إليها جحافل الفاتحين وجيوش المحررين تتهيأ في القاهرة ودمشق استعدادًا لتحريرها. ولأنه لم يكن ليرى ذلك فإن هلال رمضان كان يسرع في العبور ليترك القدس تتلوى من الألم وتنتحب من الحزن وتعيش على الأمل إلى العام الذي سيأتي.
 
وتمر السنون، وبدل أن يحمل هلال رمضان بشريات الفتح للقدس والأقصى وإذا بها الأخبار تتوالى عن أحزان بغداد وقد فعل بها الأمريكان فعلتهم، وسلموها إلى الفرس يعيثون بها فسادًا، ومثل حال بغداد فإنه أصبح حال بيروت ودمشق وصنعاء، إنها تلك العواصم شقيقات القدس الشريف تتلفع بالذل، وتتحنى بالدم، وتنام على الهم وتصبح على صوت البارود والظلم .
 
تبكي القدس، وهي التي كانت على أمل أن يوم الخلاص قريب، لأنها صدقت ما كانت تسمعه من أقوال أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة من أنهم لن يغمض لهم جفن ولن تنام لهم عين إلا أن يعيدوا للقدس حريتها وكرامتها. وليس أن هؤلاء لم يفعلوها؛ وإنما هم الذين سرقوا البسمة من القاهرة، واغتصبوا الفرحة من دمشق، وأطلقوا النار على الأمل الذي كان يبرق من صنعاء؛ إنهم القتلة والمجرمون: السيسي وبشار وعلي عبد الله صالح وغيرهم من الطواغيت الذين طعنوا القدس في الظهر، ثم طعنوا القاهرة ودمشق وصنعاء في الصدر.
 
لقد بكت القدس حتى أعياها البكاء، وحزن مسجدها الأقصى حتى كاد الحزن يقتله. وكيف لا تبكي، وكيف لا تنتحب وهي التي في رمضان الأخير أفسد علوج الاحتلال عليها شهر الصوم، لما لم يسمحوا في صلوات الجمعة فيه إلا لمن هم فوق الخمسين، ولما لم يسمحوا في ليلة القدر إلا لخمسين ألفًا، وهم الذين في العادة من كل عام كانوا يصلون إلى أربعمائة ألف من الركع السجود.
 
بكت القدس وعلا نحيبها وهي ترى غزة خلال شهر رمضان تفطر، ليس على مدفع الإفطار، وإنما على قذائف الموت وطائرات الشؤم الصهيونية تدمر أحياءها وتقتل أبناءها وتشردهم .
 
بكت القدس لبكاء غزة، وبكت القدس وغزة أكثر لحال القاهرة التي اغتصبها الانقلاب، ولحال دمشق التي لوث طهرها وأصالتها ذئب أغبر يزعم أنه أسد، إنها قلادة الحزن تزداد حباتها من عام إلى عام، لكن حتمًا ويقينًا أن عقد الظلم وقيد القهر سينقطع، وستتحرر القدس وتنتصر غزة وتتحرر بغداد والقاهرة ودمشق وصنعاء. أليس كذلك يا هلال رمضان؟!!
 
حُطّوا زيتكو عَ طحينكو 
إنه شهر رمضان المبارك الذي أساء بعض الناس فهم رسالته وجهلوا الحكمة من تشريعه، وإذا به يتحول من شهر الطاعات إلى شهر الشهوات، ومن شهر القيام إلى شهر المسلسلات والأفلام، ومن شهر الترتيل إلى شهر الأراجيل؛ إنها عادات استحكمت فينا وغرزت أنيابها، حتى أصبح من العسير التخلص منها، وبخاصة المبالغة في الإسراف والإنفاق على موائد رمضان.
ولأنه لا مجال للتفصيل في عديد هذه المظاهر، فإنني سأشير إلى مظهر خطير وسلوك يتنافى مع ما يجب أن نكون عليه كأبناء شعب يتعرض إلى صنوف التضييق وأشكال التهميش والظلم؛ إنها ظاهرة النفير إلى المجمعات التجارية في المدن اليهودية قبيل رمضان وخلاله نملأ منها سلالنا وسياراتنا، تستهوينا تلك الإعلانات والدعايات للتنزيلات، فنترك قرانا ومدننا وحوانيتنا ومجمعاتنا التجارية لنذهب إلى هناك نفرغ ما في جيوبنا وأرصدتنا .
يا أهلنا.. يا أبناء شعبنا.. لا أتردد في القول إن القضية ليست فوارق الأسعار، لأنني على يقين أن في قرانا ومدننا نفس الأسعار لنفس السلع، بل لعلها أرخص، ولكنها عقدة "الخواجا"، وعقدة المباهاة السخيفة أن تقول الجارة لجارتها: اشترينا أغراضنا من شبكة "كذا" في العفولة أو طبريا، أو اشترينا حوائجنا من "كذا" في الناصرة العليا أو غيرها. إنه لأمر مخجل أن نذهب لنشتري من شبكات لا يخجل أصحابها من الإعلان عن دعمهم المستوطنات. 
أليس الأولى أن نكون مجتمعًا عصاميًا ولو بالحد الأدنى، فتذهب أموالنا إلى أبناء شعبنا الذين سينتفع شعبنا من زكاة أموالهم أو من تبرعاتهم لمشاريع قرانا، والذين يوفرون بنجاحاتهم فرص عمل لأبنائنا وبناتنا؟!!
في السنة قبل الماضية كان معدل إنفاق الأسرة العربية الشهري على السلة الغذائية يصل إلى 2500 شيكل، ويرتفع الإنفاق في رمضان إلى 4500 شيكل، وإن نسبة من يتسوقون من المجمعات التجارية قد وصلت إلى 40% ولعله زاد الآن إلى أكثر من 50%. لقد وصل مجموع ما أنفقه مجتمعنا العربي الفلسطيني في رمضان الماضي إلى 280 مليون دولار، منها 180 مليونًا على المواد الغذائية، والباقي على الهدايا والرحلات .
إنها إذن مبالغ كبيرة وأموال طائلة كان الأولى والأجدر أن يعود ريعها علينا وعلى مجتمعنا.
فيا أهلنا.. يا أبناء شعبنا.. إنها دورة المال يجب أن تدور فيما بيننا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ألا يكفينا سياسة الظلم والقهر والتميز والهدم تقع علينا من المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة الظالمة؟ وإذا كنا لا نستطيع ردها أو الوقوف في وجهها -كما قد يتذرع البعض- فعلى الأقل لنفعل ما في مقدورنا فعله؛ أن ينتفع بعضنا من بعض، ونتمثل المثل الشعبي الفلسطيني القائل (حطوا زيتكو ع طحينكو)، أي ليكن الزيت والطحين الذي منه نصنع العجين للخبز منا وإلينا، وليس منا للغريب !!
 
لا تؤخروا صدقاتكم وزكاة أموالكم 
إنها حكمة الله جل جلاله أن أودع في المسلمين حب الإنفاق في رمضان وحثهم على ذلك، فكان منها صدقات التطوع، وكان منها صدقات رمضان سنها النبي صلى الله عليه وسلم على كل مسلم، لا بل إن كثيرين من المسلمين من يخرجون زكاة أموالهم في رمضان طمعًا في البركة والثواب، مع أنه لا علاقة بين موعد إخراج الزكاة وبين شهر رمضان.
إن مجتمعنا يمر في ظروف صعبة، وإن شريحة واسعة من مجتمعنا تحتاج إلى هذه الصدقات والزكاوات، بل إنها تكون في انتظارها على أحر من الجمر، وتصبح الحاجة ملحة أكثر خلال شهر رمضان والعيد رغبة في التوسعة على العيال.
وعليه، ولأن الله جل جلاله قد حثنا على الإنفاق والبذل والزكاة والصدقات لما قال سبحانه: (والذين في أموالهم حقٌ معلوم * للسائل والمحروم)، وقال سبحانه: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلِّ عليهم إن صلاتك سكن لهم)، فإنني أدعو وأناشد أهل الخير والمحسنين والمتصدقين أن يعجلوا ويبكروا ويبادروا إلى إخراج زكاة أموالهم وصدقاتهم الواجبة أو النافلة مع بداية رمضان، حتى يتسنى للجان الزكاة إيصال هذه الأموال المباركة لأصحاب الحاجة لينتفعوا بها في رمضان لأولادهم وعيالهم.
إنه لا أصعب أن تمر أيام رمضان وبعض بيوتنا تتلوى تحت قهر الدَّيْن والحاجة، لذلك يتوجب الإسراع في إخراج الزكاة والصدقات مبكرًا، لعلها بذلك تزيح بعض الهم، وتدخل البسمة والراحة على بعض القلوب الحائرة من شدة الدَّيْن أو الحاجة.
فما دمت أخي تعلم حق الله عليك في مالك، وعندك النية الصادقة لإخراج الزكاة والصدقة، فلماذا التأخير؟ فعجِّل عجِّل، فلا أجمل ولا أعظم من شعورك وأنت تدخل الفرح والسرور على قلب مسلم.
 
اللهم بحق رمضان عليك 
اللهم، وأنت العليم بحالنا وما نحن عليه، نسألك بحق رمضان عليك ومنزلته عندك أن تكشف عنا الضر، وأن تزيل عنا الهم، وأن تفرج كربنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم، بحق رمضان عليك، عجل فرج وخلاص أهلنا في فلسطين وفي سوريا وفي مصر وفي اليمن وفي العراق وفي ليبيا وفي بورما وفي كل أرض فيها يُعذب مسلمون ويُظلمون.
اللهم، بحق رمضان عليك، نسألك أن تنتقم من الظالمين والجبابرة والطواغيت بشار والسيسي وأمثالهما الذين يسومون أهلنا سوء العذاب، إنهم الذين هدموا البيوت وشردوا الأهل وقتلوا الأطفال واغتصبوا النساء وسجنوا الشرفاء وأعدموا الصالحين، اللهم فبحق رمضان عليك أن تُرينا فيهم عجائب قدرتك.
اللهم، بحق رمضان عليك، نسألك أن تفك حصار أهلنا في غزة، الذين ومنذ ثماني سنوات يتجرعون كأس المر فيأتيهم رمضان ويرحل عنهم وهم على ما هم عليه من التجويع والحرمان من الطعام والدواء، يشارك في جريمة حصارهم قادة الاحتلال، وقد شاركهم في ذلك حسني مبارك ويشاركهم اليوم الأشقى والأظلم والأحقر والأحقد؛ عبد الفتاح السيسي. 
اللهم، بحق رمضان عليك، نسألك أن ترد كيد من أرادوا بمسجدك الأقصى سوءًا، اللهم احفظ المسجد الأقصى من مكرهم وتخطيطهم، اللهم اجمع حُرمة رمضان وحرمة المسجد الأقصى واجعلها عذابًا ونكالًا على من يمكرون بالأقصى ويريدون به كيدًا . 
اللهم، بحق رمضان عليك، نسألك ألا يأتي رمضان القادم إلا وجعلت لنا من كل ضيقًا فرجًا ومن كل همٍّ مخرجا، وأن تبعث من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من يجدد لها أمر دينها، وأن نرى رايات دولة الخلافة الراشدة وقد ارتفعت فوق مآذن القدس والقاهرة ودمشق وبغداد وصنعاء.
اللهم، بحق رمضان عليك، نسألك أن تغفر لنا ذنوبنا، وأن تتجاوز عن سيئاتنا، اللهم لا تعاملنا بما نحن أهله وعاملنا بما أنت أهله، فنحن أهل الذنوب والخطايا وأنت أهل التقوى وأهل المغفرة، اللهم فرجك، اللهم مغفرتك، اللهم نصرك، اللهم تثبيتك، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، برحمتك يا عزيز يا غفار.
 
رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالديّ بالمغفرة
(والله غالبٌ على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون)

بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]

أضف تعليق

التعليقات

تعليقات Facebook