اغلاق
اغلاق
  ارسل خبر

"التعميم عَمى ..!!!" بقلم: الشيخ علي الدنف

 
من الآفات الإجتماعية التي ينتهجها بعضنا لتكوين فكرة ما  قبل او خلال تعامله مع الغير  آفة التعميم !!
 
هذه النظرة العُمومية  التي لا تدع مجالاً للإستثناء فتحرِّق الأخضر واليابس .. وهي تُعمي صاحبها عن الموضوعية !!! 
وفِكرة التعميم تجد رواجًا عند فِئة كبيرة في المجتمع بكل مكوناته للاسف حتى عند بعض المثقفين والدعاة . وذلك لأنها لا تَستدعي الجُهد ولا العَناء في التفكير والبحث والتدقيق وهي لغة المفلسين !!!
الحُكم على الأشياء حسب الأفكار المُسبقة الجاهزة حتى لو لم يخوض التجربه مع الفكرة أو صاحبها !!
 
 فمن السهل أن يقول …… 
 - فلان لا خير فيه !!! 
- القبيلة أو العائلة الفلانيه لا خير فيها !!!
- أن الجماعة الفلانية لا خير فيها !!!
- أهل البلد الفلاني ما في عندهم دين !!!
- الناس اليوم كُلهم على جهنم !!!
َّ هذه العبارات وغيرها كثير ، وكأنها مُعلَّبه و مُختصرة في قوالب جاهزة  لا تَجلب إلا العَناء والشَقاء ، ومع أنها عبارات  تُودي بقائلها المهالك ، إلا أنَّا نجد صاحبها يقولها بكل سهولة ومن دون تفكير !! 
 
ومما لا شك فيه أن التعميم هو لغة سطحية بعيدة كل البُعد عن الموضوعية ، بل إن التعميم يُعَدُّ من العاهات الفكرية التي تمنع صاحبها من إتخاذ العدل والإنصاف والموضوعية أساس تكوين فكرة ما عن الافراد والجماعات . هذا الاسلوب من الحكم على الاشياء له صور شتى ، منها التعميم أو الحُكم على الأشخاص، أوج@: على جماعة معيّنه أو  على الأفكار، أو  على البلدان، 
أو حتى الحُكم على الأسماء ؛ ربما أساءَ له شخص ما يكره كل مَن يحمل هذا الاسم !! 
 إلى غير ذلك من صور التعميم.
 
* والنصوص الشرعية تؤكد على العدل والإنصاف لا على التعميم والحُكم الجماعي … 
 
- يقول الحق جلّ وعلا (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ) وقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) وقال(وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى).
 
- وجاء الحديث النبوي مؤكداً على ترك التعميم وتوزيع بطاقات الهلاك على الناس لئلا يتسبب صاحبه  في هلاك نفسه !!!  
 قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم :( إذا قال الرجل : هَلَك الناس فهو أَهلَكُهم ) أو (فهو أول الهالكين) .
تأمل معي يا صديق..  
- رغم ما لاقى النبي صلى الله عليه وسلم من أهل مكه في بداية دعوته إلا أنه لم يُعَمِّم في دعائه بل خصّص أشخاص معينين. 
- رغم ما لاقى النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الطائف من الجحود و السُّباب والشتم وإلقاء الحجارة عليه. 
إلا أنه لم يستخدم التعميم ليُكَوِّن فِكرة عامة  عن أهل الطائف !!!   بل تجنب التعميم وتجلّى ذلك بعدم قبوله نزول العذاب عليهم بل اكتفى بقوله - صلوات ربي وسلامه عليه-  ( لعل الله يُخرج من أصلابهم مَن يعبده ولا يشرك به)   
فمن صُلب الوليد بن المغيرة خرج خالد بن الوليد ، ومن صُلب أبي جهل خرج عكرمة بن أبي جهل، ومن صُلب العاص بن وائل خرج عمرو بن العاص، ومن صُلب عُتبة بن ربيعة خرج أبو حذيفة بن عتبة. 
- من خلال إستقراء النصوص النبوية يتبين لنا ان الحسنة تعُم والسيئة تخُص ، كقول النبي في حق مَن حضر مجلس علم حتى لو لم يقصد إلا أنه يتعرض لنفحات الخير فقط لوجوده في تلك البيئة ؛ فقال ( هُمُ القوم لا يَشقى بهم جليسهم )
  
* ومن نصائح ابن المقفع في باب التعميم قال :  "إذا كنت في جماعة قوم أبداً فلا تعُمَّنَّ جيلاً من الناس، أو أمة من الأمم بشتم ولا ذم؛ فإنك لا تدري لعلك تتناول بعض أعراض جلسائك مخطئاً؛ فلا تأمن مكافأتهم، أو متعمداً؛ فتنسب إلى السفه. ولا تذمنّ مع ذلك إسماً من أسماء الرجال، أو النساء بأن تقول: إن هذا لقبيح من الأسماء؛ فإنك لا تدري لعل ذلك غير موافق لبعض جُلسائك، ولعله يكون بعض أسماء الأهلين، والحُرُم. ولا تستصغرن من هذا شيئاً؛ فكل ذلك يجرح في القلب، وجرح اللسان أشد من جرح اليد".
 
* بناء على ما مضى فإن التحرّي، ولزوم العدل، والسلامة من الهوى من أوجب ما يجب على المتكلم أو الكاتب؛ فلا يليق به أن يُؤسس قاعدة عامة يبني عليها حُكماً كُلّياً بسبب خطأ ، أو سوء تصرف بَدَر من أحد أفراد ذلك العموم ، لذا ينبغي أن تُبنى الافكار في اي موضوع بشكل موضوعي بعيداً عن التعميم .
 
يقول عالمنا الجليل محمد راتب النابلسي " الموضوعية هي الأحكام الدقيقة، الموضوعية قيمة علمية، والموضوعية قيمة أخلاقية، أنت إذا كنت موضوعياً فأنت عالم، وأنت إذا كنت موضوعياً فأنت أخلاقي، لذلك أكثر آيات القرآن يقول الله عز وجل(  وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) "
أي أن القرآن الكريم لم يُعمّم الحُكم على أهل الكتاب  
قال تعالى " وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا "
 
في الختام… إعلم يا صديق… 
إذا تربّى الفِكر مُنذ الصِغر على صِحة التفكير نشأ صاحبه سديد الحكم، مُحبّاً للحق سواء كان له أو عليه.
لذا مَن كان هذا حاله بالتأكيد… 
 
 - سيُناقش  الفِكرة بمعزلٍ عن الأشخاص !!
فيقبل الحق حتى من عدوِّه ولو كان الشيطان بنفسه  !!! كحديث أبو هريرة مع فضل آية الكرسي ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " صدقك وهو كذوب ".
 
-  سيجعل الإنصاف أساس حُكمه على الأشياء
 لا أنصاف الكلام والمواقف !!
فبالتالي يُنصف حتى مع عدوّه
(وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى )
 
وآخر دعونا ان الحمد لله رب العالمين
 
الداعي لكم بالخير
الشيخ علي الدنف - رئيس الحركة الاسلامية في الرملة

بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]

أضف تعليق

التعليقات

تعليقات Facebook