اغلاق
اغلاق
  ارسل خبر

تصفية نشأت ملحم : الدلالات والأهداف - بقلم: توفيق محمد

 
لم يغتل القناص الاسرائيلي يوم الجمعة الماضي نشأت ملحم بقدر ما انه اغتال الرواية التي كان يكتنزها صدره ، لزرع الرواية التي يسعى لترويجها مرسلوه تمهيدا لترسيخ السياسة العدوانية التي باتت سمة هذه الحكومة اتجاه اهل الداخل الفلسطيني .
 
كان بإمكان الشرطة الاسرائيلية اعتقال نشأت ملحم بأقل التكاليف وأقل عدد ممكن من قوات الشرطة والأذرع الأمنية على مختلف مسمياتها ، فهي كانت قد علمت المكان الدقيق الذي يختفي فيه نشأت ملحم وكانت ترقبه ، ولكنها اختارت ان تأتي يوم الجمعة بقوات كبيرة جدا وبتشكيلات مختلفة ، واختارت هذه الهالة الأمنية الكبيرة التي انتهت بتصفية ملحم على طريقة الإعدام الميداني التي باتت هي ميزة هذه الحكومة وسياستها تجاه شعبنا الفلسطيني على جانبي الخط الاخضر . 
 
كان من السهولة بمكان اعتقال نشأت ملحم لو أرادت السلطة على مختلف مؤسساتها ذلك ولو أرادت أن تكون ككل الدول التي تحكمها القوانين المتعارف عليها دوليا ولكنها تعمدت التصفية الميدانية له لأسباب عدة منها : 
 
1. أرادت أن تغتال الرواية التي كان يحملها نشأت ملحم والتي قتلت معه ، وهو ما قصدته السلطة الإسرائيلية وذلك حتى تروي الرواية التي تريدها هي وتبني على هذه الرواية السياسة التي تسعى لتعاملنا وفقها في المرحلة القادمة والتي باتت سماتها بينة واضحة ومن أبرزها موضوع الحظر السياسي الذي كان أول نتائجه حظر الحركة الاسلامية وحظر 20 مؤسسة أهلية من مؤسسات العمل الأهلي التي تخدم مجتمعنا في كافة مناحي الحياة 
 
2. ترويج رواية التطرف المكذوبة بحق جماهير شعبنا في الداخل الفلسطيني من خلال زرع الرواية التي تريد ، وتحريض المجتمع الإسرائيلي بأسره على اهل الداخل الفلسطيني لتبرير قبضتها الحديدية في تعاملها مع أبناء شعبنا 
 
3. فرض الولاء للدولة التي بات نتنياهو يطالب به أعضاء الكنيست العرب 
 
4. ايجاد المسوغات "الوطنية" لفرض مزيد من القمع وتقليص مساحة الحريات الى الصفر بحق أهل الداخل الفلسطيني وبالتالي جعل موضوع اضطهادهم وفرض مزيد من القوانين العنصرية بحقهم مسألة إجماع وطني بين الأحزاب الصهيونية وقد بات يمهد لهذه السياسة من خلال خطين اثنين :
 
أ‌. الأول : ترويج رواية الإرهاب الكاذبة بحق شعبنا وأحزابه ومؤسساته ، 
 
ب‌. الثانية : تقليص هامش الجمعيات والمؤسسات الحقوقية التي تناصر ولو ببعض المواقف قضايا شعبنا الفلسطيني في المجتمع الإسرائيلي بل والتحريض عليها تمهيدا لتجريمها وحظرها ، وهو ما باتت بوادره ظاهرة للعيان . 
 
5. كان الهدف من الحضور بقوات كبيرة من الشرطة وبتشكيلات مختلفة من الأذرع الأمنية بما في ذلك القناصين هو فرض حالة من الإرهاب والرعب في صفوف العرب وإرسال رسالة مفادها أن التعامل معهم سيتم وفق سياسة القمع . 
 
6. من خلال المتابعات الإخبارية والمقابلات التي أجرتها الشبكة الثانية العبرية (ريشت بيت) وغيرها من الإعلام الإسرائيلي مع المواطنين اليهود بعد عملية التصفية الميدانية لنشأت ملحم فإن ما ميزها أمران : 
 
أ‌. كم هائل من الشتائم التي كان يكيلها اولئك لدى تناولهم الموضوع بالإشتراك مع الصحفيين الذين يحاورونهم وهو ما يعتبر خرقا فظا وفاضحا لكل أساسيات الصحافة والإعلام واعتداء صارخا على مهنة الإعلام ومهنيتها تقتضي من المؤسسات والهيئات الإعلامية الدولية إتخاذ موقف واضح منها وإعادتها الى المهنية الصحيحة أو معاقبتها وفقما تقتضي لوائح هذه المؤسسات ، فقد كانت تتحول بعض البرامج الحوارية من برامج حوارية أو إخبارية إلى برامج ردح وشتائم ومسبات والمذيع المشارك في هذه الشتائم يؤمن (يقول آمين) على الادعية التي تحمل طابع الشتائم والمسبات !!!
 
ب‌. تذويت المجتمع الإسرائيلي لمسألة الإعدام الميداني وابتعاده عن قيم المجتمعات الحضارية التي تجعل من كرامة الإنسان وحقه في محاكمة عادلة قيمة عليا اذ كانت ردود الفعل للناس العاديين وللإعلاميين تعبر صراحة عن الرضا التام من عملية (بل من عمليات) الإعدام الميداني وأنها الأفضل ، وان مسألة الاعتقال والمحاكمة والسجن ليست مجدية ولا يجب اتباعها ، وبمعنى آخر بات المجتمع الاسرائيلي مطالبا بمسألة الإعدامات الميدانية وعدم اعطاء الطرف الآخر حق المحاكمة العادلة كما هو متبع في كل دول العالم ، بل بات هذا المجتمع متقبلا لفرض أحكام "الأبرتهايد" وأحكام "الغيتو" على الآخر غير اليهودي . 
 
7. اذا فالمرحلة القادمة في ظل سلة القوانين العنصرية التي باتت تسنها هذه الكنيست وتجمع عليها كل الاحزاب الصهيونية والدينية اليهودية وفي ظل السياسة العدوانية ، المرحلة القادمة هي الاقصر الى المواجهة القادمة ما بين مشروعين احدهما كبير وان كان كانت مكوناته مشغولة بذاتها حاليا ولكنها ارهاصات صحوة حرية قادمة قد يقرأها البعض ضعفا ، لكنها ميزات الشعوب التي تنتفض ويُنتفض عليها ثم تعود وتنتفض في طريقها للانعتاق من حكام الظلم من ثم التحرر في مجمل الوطن العربي الذي تعتبر القضية الفلسطينية مركزه .
وقد يقول قائل إن ما يميز نتنياهو هو أنه شخصية إنتهازية وأنه يتساوق مع التوجهات اليمينية التي أضحت سمة المجتمع الإسرائيلي ، وأنه فقط يحسن إستغلال الأوضاع السياسية محليا وإقليميا ودوليا ، وينتهزها بغرض تثبيت حكمه ليس الا . 
 
والحقيقة إن نتنياهو إضافة إلى أنه شخصية إنتتهازية من الدرجة الأولى ويتقن أيما إتقان إستغلال الفرص المتاحة ، لكنه شخصية مؤدلجة الى درجة كبيرة جدا فهو تلميذ المؤرخ اليهودي بن تسيون نتنياهو (والده) الذي كان كثير الانتقاد لبيغن لأنه يعتبره أقل يمينية منه، فنتنياهو يحمل أجندة وسياسات يمينية عدوانية تجاه شعبنا الفلسطيني ليس اقل من أي من وزرائه المستوطنين الذين باتوا ارباب السياسة في هذه الدولة ، وهو صانع الأجواء العدوانية تجاه شعبنا الفلسطيني على كل خارطة الوطن التاريخية ، وهو يتقن تجيير الواقع المحلي والإقليمي والدولي لصالح انتهازيته ويتقن تجيير انتهازيته لصالح تثبيت حكمه. 

بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]

أضف تعليق

التعليقات

تعليقات Facebook