اغلاق
اغلاق
  ارسل خبر

أثر الذنوب - بقلم: الشيخ كمال خطيب

 
 
قال ابن القيّم في كتابه - الجواب الشافي - عن أضرار وآثار الذنوب : "حرمان العلم والرزق ووقوع الوحشة بين الله والعاصي وظلمة الوجه والقلب والقبر، ووَهن القلب وضعفه أحوج ما يكون العبد إلى قوته، وحرمان الطاعة ومحق العمر، وزوال استقباح الذنوب. وأن المعاصي تورث الذل وتفسد العقل وتحدث فسادًا في الأرض والماء والهواء، وتذهب الحياء والغيرة وتوجب الهلاك". 
وذكر الإمام أحمد في مسنده فقال: "وجد في خزائن بني أمية حبة حنطة بقدر نواة التمرة وهي في صرّة مكتوب عليها" هذا كان ينبت في زمن العدل". وأخبرني جماعة من شيوخ الصحراء أنهم كانوا يعهدون الثمار أكبر مما هو عليه الآن، وكثير من هذه الآفات التي تصيبها لم يكونوا يعرفونها.
 
# إنّ للذنوب آثارًا حتى وإن تأخرت، وأنّ من مكر الله بالمذنبين أنهم يظنون أنّ تأخير عقوبة الله لهم في الدنيا هي إشارة إلى أنهم لم يذنبوا وينسون أن الله يمكن أن يُملي للظالم والمذنب لعله يتوب، لكنه إذا ظن أنّ هذا من دلائل صواب ما فعل، فإنه الشرّ العظيم الذي سينزل به، قال سليمان اليتيمي: "إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته". وقال يحيى بن معاذ الرازي: "عجبت من ذي عقل يقول في دعائه: اللهم لا تشمت بي الأعداء ثم هو يُشمّت كل عدو بنفسه، قيل كيف؟ قال: يعصي الله فيشمت به يوم القيامة كل عدو". 
 
# ومن آثار الذنوب أنها الوحشة بين المذنب العاصي وبين الناس، لا سيما أهل الخير والصلاح منهم، فإنه يجد وحشة بينه وبينهم. وكلّما قويت هذه الوحشة بَعُدَ منهم ومن مجالسهم وحُرم بركة الانتفاع، وقرب من حزب الشيطان وابتعد عن حزب الرحمن، وتقوى هذه الوحشة حتى تستحكم فتقع بينه وبين امرأته وولده وأقاربه وبين نفسه، فتراه مستوحشًا من نفسه وقد قال بعض السلف: "إني لأعصي الله فأرى عقوبة ذلك في خُلُق دابتي وزوجتي". 
# ومن آثار الذنوب تلك الظلمة يجدها في قلبه ذاك المذنب، يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم. وإذا ادّلَهم فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره. فإن الطاعة نور والمعصية ظلمة، وكلما قويت ظلمته ازدادت حيرته. قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "إن للحسنة ضياء في الوجه، ونورًا في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق. وأن للسيئة سوادًا في الوجه وظلمة في القلب ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق". 
 
# يقول ابن القيّم في كتابه القيّم -الداء والدواء- : "إن المعاصي تزرع أمثالها ويولد بعضها بعضًا، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها. فإن من عقوبة السيئة السيئة بعدها، ومن ثواب الحسنة الحسنة بعدها. فالعبد إذا عمل حسنة قالت أخرى إلى جنبها اعملني أيضًا، فإذا عملها قالت الثالثة كذلك وهلمّ جرا، فتتضاعف الأرباح وتزيد الحسنات. ومثل الحسنات فإنها السيئات، فإن جرأة العبد على المعصية يهون عليه المعصية بعدها، بل إنها تصبح صفات ملازمة له ويصبح يحس كأنه السمكة إذا فارقت الماء فإنها ستموت، فتراه يعود للمعصية فتسكت نفسه، حتى إنّ كثيرًا من الفساق ليواقع المعصية من غير لذة يجدها، إلا لمّا يجد من الألم بمفارقتها وهو ما يسمى "الإدمان" كما قال الحسن بن هانئ المعروف بأبي النواس أحد أشهر العصاة:
وكأس شربت على لذة    
               وأخرى تداويت منها بها
وقال آخر:
فكانت دوائي وهي دائي بعينها   
       كما يتداوى شارب الخمر بالخمر

بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]

أضف تعليق

التعليقات

تعليقات Facebook