اغلاق
اغلاق
  ارسل خبر

يافا: الأسير المحرر حافظ قندس "خرجت منتصب القامة مرفوع الرأس وعاد سجاني مطأطئا"

 


بعد نحو ثلاثة عقود من الانتظار، خرج إلى شمس الحرية، يوم الإثنين الموافق 14-5-2012، ابن مدينة يافا الأسير حافظ نمر قندس، وقد عانق الـ52 من عمره، بعد أن دخل السجن شاباً لم يتجاوز الرابعة والعشرين. وقد توافد الآلاف من المهنئين من كافة أرجاء فلسطين، من الجليل والنقب ومن القدس والمدن الساحلية، ليقولوا لأم حافظ: هنيئا لك بهذا البطل الذي كسر صلف السجان على صخرة صموده، فأبى السجان أن يمنحه تخفيضاً من محكوميته ولو لساعة واحدة.

قبل 28 سنة

في يافا وبينما كان الناس يتوافدون إلى منزل قندس، كان لنا معه لقاء حول سنين خلت، بل عقود خلت.

استقبلنا بعد صلاة العصر، وهو يقول: "سأعمل جاهدا على تغيير مفاهيم جيل الشباب في البلد، فيافا تستحق الكثير".

"كان ذلك في الخامس عشر من أيار عام 1984 (في ذكرى النكبة)، في الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، حيث داهمت جحافل الشرطة والوحدات الخاصة والمخابرات البيت من كل جانب، واعتقلوني ونقلت إلى المسكوبية، ثم أوقفت 15 يوما وأودعت سجن الجلمة في حيفا".

يقول حافظ "بدأ التحقيق معي بتهمة السفر إلى الدنمارك ولقاء مسؤولين في تنظيم "فتح" بهدف نقل معلومات. كانت هناك اعترافات، لكن تعرضت إلى وسائل تعذيب في دهاليز التحقيق لا يعرف قسوتها إلا من ذاقها على جسده. ومن وسائل التعذيب تقييدي إلى كرسي صغير والعبث بأماكن حساسة من جسمي، وكان الألم لا يوصف. وبعد التحقيقات قُدمت ضدي لائحة اتهام وحكمت بالسجن 15 سنة. وبدأت قضاء الحكم حتى عام 1992993 حيث حوكمت مرة أخرى بتهمة محاولة إرسال سلاح إلى غزة، فأدنت وأضيفت إلى الحكم الأول اثنتا عشرة سنة ونصف السنة، ليصل الحكم إلى 27.5 سنة، وبعد محاولة فرار من سجن عسقلان أضيفت إلى الحكم 6 أشهر أخرى".

حياة السجون

ويضيف "دخلت السجن فوجدت فيه أبطالا من فلسطينيي الداخل ومن الضفة وغزة.. ومنهم أسرى لديهم القدر الكبير من العلم والمعرفة والدراية والدين والأخلاق، فكانوا مثالا لي وقدوة، فكنت مع الأسرى الطيبين الثقات ولم أكن على علاقة مع من لا يعجبني سلوكه، فأنا مثلت يافا كمدينة ومثلت فلسطينيي الداخل فكنت أتمتع بكثير من الاحترام والتقدير بين الجميع. تأقلمت مع جميع الفصائل، وكانوا يعرفون أننا -أبناء الداخل- نتعامل مع قضية فلسطين كقضية وطنية بعيدا عن الفصائلية وعن الاستهلاك، وكنا نساهم دائما في تقريب وجهات النظر بين الفصائل، وكنت أبذل الجهود مع غيري لنكون موحدين، لتكون رسالة لمتخذي القرارات في كل مكان؛ أن الأسرى لهم دور، فهم الذين يدفعون ضريبة النضال، فإذا كانوا موحدين داخل زنازينهم فلِمَ لا تكون وحدة في الخارج وعلى كافة المستويات؟.

"الحياة في السجن لا توصف بأنها حياة فندق، فهي تحتاج إلى صبر ومصابرة، لأننا أمام جلاد وسجان جبار، فإذا لم نكسره بصمودنا فسيمارس غطرسته أكثر وأكثر. وعلى سبيل المثال إذا حسبت أيام العزل الانفرادي التي فرضت علي فقد تصل إلى أكثر من ألف يوم، لكن الذي كان يخرج مدير السجن من دائرة الصواب أنني كنت "أتلذذ" بالعزل الانفرادي، وكنت أهدد المدير: "إذا لم تعزلني سوف أقاضيك في المحكمة". وفي الحقيقة قد لا يصدق القارئ أنني كنت أطلب العزل.. كان يُجنّ جنون المدير كيف أن هذا الأسير يريد العزل بينما يقاتل غيره كي لا يعزل؟ فأنا كنت أقرأ الكتب وعندي برنامج، والعزل كان بالنسبة إلي خلوة وليس عقابا".

"خلال فترة السجن تعاملت مع كل الفصائل؛ فكنت أشارك في أي عمل للأسرى أو أية فعالية، حتى الإضراب الأخير شاركت فيه، لكن الإخوة أجبروني على كسر الإضراب لأنه بقيت لي أيام قليلة قبل الإفراج".

يقطع قندس كلامه قليلا ليرد على مكالمة تهنئة، ثم يواصل الحديث عن حياة السجن لكن هذه المرة بنبرة مختلفة: "لست نادما أنني لبست ثياب الأسير، فأنا مرتاح نفسيا، يعني بالعامية "مبسوط". وقد نقلت رسالة من يافا إلى داخل السجون، ثم رسالة أخرى إلى يافا من داخل السجون، واليوم يافا ذات سمعة عالية في السجون، كما أنني فزت برضا والديّ، فقد كانا يقولان لي بأعينهما: أنت يا حافظ على حق، فأكمل المشوار. كانت والدتي تأتي لزيارتي فأبادرها السؤال: هل كل شيء على ما يرام؟ هل الجميع بخير؟ ولا أذكر أنها نقلت إليّ خبرا غير سار. فهذه الأم جديرة بالحب والحنان وجديرة أن أقبل قدميها، فهي أنارت لي الطريق طوال فترة سجني. وأقول من خلال صحيفتكم إن التغيير بدأ يوم خروجي من السجن واحتضان والدتي وتقبيلها، وقد بلغني أن كثيرا من شبان يافا اليوم يقبلون أيدي أمهاتهم اقتداءً بهذا الخلق الإسلامي العظيم، وأقول: هذا درب من دروب محاربة العنف في مجتمعنا".

أمل بخروج مبكر

س - خلال ثلاثة عقود هل مرت فترة كان لديك فيها أمل في التحرر المبكر؟

فأجاب: "في الحقيقة ذات مرة أحببت الخروج والتحرر المبكر، فالسجن يبقى سجنا وإن كنت أختلف عن غيري، لكن الحرية مطلب كل إنسان. في فترة المفاوضات على الجندي "شاليط" كان هناك أمل وبات الخروج على الأبواب، كما قيل، وأدرج اسمي لكني لم أخرج، وذلك أن المخابرات الإسرائيلية وقفت على قدميها - حسب تحليلي- وربما وافقت على تحرير أربعة أو خمسة أسرى إضافيين لكن ليس حافظ، وأعتقد السبب كوني من مواطني يافا".

مفارقات

ويضيف قندس: "هناك العديد من الأمور الملفتة للنظر، فقد خرجت من يافا قبل 28 سنة مكبلا تقتادني القوات الخاصة إلى السجن، والآن عدت إليها وقد استقبلني الآلاف من أبناء شعبي وتزينت الشوارع وذبحت الذبائح، وأقيمت المهرجانات، وهذا يدل على حب الناس لي وأنني فعلت ما يستحق ذلك، ولفت انتباهي وجود المخابرات وأتباعهم الذين كانوا بالقرب من مكان الاستقبال.. وأنا سعيد لأنهم رأوا هذه الجماهير تستقبل حافظ في بيته.

وفي المقابل خرجت منتصب القامة رافع الرأس إلى عنان السماء بينما عاد سجاني خلف البوابة مطأطئا رأسه، وأعتقد -والحمد لله- أن لسان حال السجان يقول: كيف خرج هذا سليما معافى وصحته جيدة؟ فكثير من الأسرى عانوا ويعانون في السجون من الأمراض، لكنني خرجت بصحة جيدة والحمد لله وأنا أخطط لبناء مستقبلي الذي توقف يوم الاعتقال، سأتزوج وأعمل لكنني أبدا لن أنسى الذين تركتهم خلف القضبان".

رسائل أسير محرر

في ختام اللقاء بعث قندس برسالتين؛ الأولى إلى الأسرى والأخرى إلى الجماهير الفلسطينية. في رسالته إلى الأسرى قال: "يعجز لساني عن التعبير، فهذا شيء مقدس، ويجب أن يكون موضوع الأسرى على سلم أولويات كل الأحزاب والحركات، وأنتم أدخلتم قضيتكم كل بيت بإضرابكم الأخير، فأصبح على كل حركة وحزب واجب التطرق إلى قضيتكم، ومن مدينة يافا أحييكم يا أبطال الصمود والتحدي ولا أقول لكم اصبروا فالصبر شعاركم، وأنا أحييكم مرة أخرى؛ فأنتم كما عرفتكم "قدها وقدود"، وأسال الله لجميعكم التحرر القريب".

وأما في رسالته إلى الجماهير العربية فقال: "نحن حصلنا على هدية من الله؛ أننا ولدنا في فلسطين، ويجب أن نقف للحظات ونفكر بما يجري حولنا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية".

نقلا عن صحيفة صوت الحق والحرية

 

بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]

أضف تعليق

التعليقات

1
لقاء موفّق أولا:الحمد لله على سلامتك وجمعتك بوالدتك وأهلك وأحبابك. ثانيا:كل الاحترام لموقع يافا 48 على هذا اللقاء الموضوعي.
مخيّم الوحدات-عمّان- لاجئ من يافا - 27/05/2012
رد
2
البطل اولا هنيئا لك الحرية اللتي انتظرتها طويلا وهنيئا لامك الصابرة الحنونة لقد انتظرنا معها ساعة خروجك لنشاركها فرحتها لقد تعبت كثيرا وصبرت فانا متاكدة ان كل ما مر عليها من احزان ومتاعب نسيته بمجرد خروجك سالما انت صاحب العزيمة القوية اللذي رفض الاستسلام انت فعلا وبجدارة تستحق لقب الصابر كم نحن بحاجة لانسان متلك ومثل امك يعلمونا الصبر في زمن كهذا لم يعد لاحد فين صبر على مشاكل الحياة بالرغم من اننا نتمتع بكامل حريتنا بينما انت كنت اسيرا ولن صبرت على كل الصعوبات وتحديت كل المصاعب كموت اخيك وابيك رحمهم الله والكثير غير هذا تمنياتي لك بدوام الصحة والعافية ولوالدتك الصابرة
انا - 27/05/2012
رد
3
الله يحمبك يا حافظ كل الاحترام بارك الله لك اتت رمز الانتصار والعزه وانشاء اللة ربنا يعطيك القوة والصبر ق
ميمي - 27/05/2012
رد

تعليقات Facebook