واجهت تركيا خلال السنوات الماضية، سلسلة تحديات اقتصادية معقدة برزت بشكل خاص عقب أزمة الليرة في 2018.
وأفرزت هذه التحديات تأثيرا بالغ الأهمية في المشهد السياسي، إذ احتل الوضع الاقتصادي مكانة محورية في النقاشات بين الكتل الحاكمة وأحزاب المعارضة، وتأثرت بفعل هذه التحولات مختلف القطاعات الاقتصادية، لا سيما قطاع الإنشاءات الذي كان يمثل حوالي 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي في 2017، قبل أن يتراجع بصورة ملحوظة إلى ما دون 5% بحلول 2022، بانكماش 4.7% في المتوسط خلال 4 سنوات فقط. وكان ينظر في السابق إلى قطاع العقارات في تركيا كركيزة أساسية لدعم النمو الاقتصادي، وجذب رؤوس الأموال الخارجية، فضلا عن كونه مصدرا حيويا للعملة الصعبة، إذ كان يشكّل نحو 57.5% من إجمالي التكوين الرأسمالي الثابت في 2018 قبل أن ينخفض إلى 41.8% في 2022.
ويمثل التراجع مؤشرا ملحوظا إلى التحديات التي يواجهها قطاع الإنشاءات، كما يفتح الباب لإعادة التساؤل حول مستقبل القطاع العقاري في تركيا والعوامل المؤثرة فيه.
وحسب أحدث بيانات معهد الإحصاء التركي، انخفضت مبيعات العقارات في تركيا 17.5%، خلال 2023 مقارنة بالعام السابق عليه، وبلغت مليونا و225 ألفا و926 وحدة عقارية، ليحقق بذلك أدنى مستويات للمبيعات خلال آخر 9 سنوات.
ولعل أبرز العوامل المؤثرة؛ هو الانخفاض الكبير في مبيعات العقارات للمستثمرين الأجانب، إذ بلغت المبيعات لهذه الفئة نحو 35 ألف وحدة في 2023، بتراجع نسبته 48.1% عن العام السابق له، مسجلا أقل مستوى منذ 2018. ووجّه الروس الأنظار في السوق العقاري التركي خلال العام الماضي، إذ تصدّروا قائمة المشترين الأجانب برصيد قدره 10 آلاف و560 وحدة سكنية، ما يمثل 30.1% من إجمالي المعاملات العقارية الأجنبية في 2023، تلاهم الإيرانيون بنسبة 12.2% في سجل المشترين.
وأظهرت الدول العربية وجودا ملحوظا؛ إذ احتل العراق المرتبة الأولى بشراء 1917 وحدة سكنية، ثم الكويت بـ 822 وحدة، فالسعودية بـ 810 وحدة. ومقارنة بسنة 2022، كان العراق تصدر القائمة بـ 6241 وحدة، ثم الكويت 1671، واليمن 1202.
وعلى الصعيد الجغرافي داخل تركيا، تصدرت ولاية أنطاليا قائمة الولايات التركية الأكثر بيعا للعقارات للأجانب بواقع 12 ألفا و702، وتبعتها إسطنبول بمبيعات بلغت 11 ألفا و229 وحدة، في حين سجلت مرسين 3016 عقارا.
ويقول الباحث الاقتصادي، محمد أبو عليان، للجزيرة نت، إن موجة من التحديات الاقتصادية والسياسية المتلاحقة التي تجتاح تركيا أدّت إلى تسجيل انخفاض كبير في مبيعات العقارات للأجانب، ويُعزى هذا التراجع إلى تدهور مستمر في المؤشرات الاقتصادية الكلية خلال السنوات القليلة الماضية، حسب قوله.
فعلى سبيل المثال، شهد التضخم ارتفاعا إلى مستويات غير مسبوقة بنهاية 2022، وصلت إلى حوالي 85.5%، قبل أن تتراجع إلى حدود 64.7% بنهاية 2023، لتسجل بذلك واحدة من أعلى النسب عالميا، الأمر الذي دفع الإدارة الاقتصادية الجديدة إلى التعهد بمكافحته، حيث رفع البنك المركزي الفائدة من 8.5% إلى 42.5% في 7 جلسات متتالية، وفق محمد أبو عليان.
وأوضح المتحدث ذاته أن الحملات التي قادتها أحزاب المعارضة ضد الوجود الأجنبي في المدن الكبرى كانت سببا رئيسا في دفع الحكومة لزيادة حد الاستثمار العقاري المطلوب للأجانب من أجل الحصول على الجنسية التركية، من 250 ألف دولار إلى 400 ألف دولار.
من جانبه، يقول المستشار العقاري أحمد مهنا للجزيرة نت إن ارتفاع تكاليف البناء أدى إلى تضخم أسعار العقارات بشكل مبالغ فيه في السنوات الأخيرة، مضيفا أن مؤشر أسعار المساكن لا يزال مرتفعا، فضلا عن اتجاه الأجانب للأسواق المنافسة والأكثر جاذبية من السوق التركية.
وانخفضت حصة المبيعات للأجانب من إجمالي السوق العقارية في تركيا إلى 2.9% في 2023، مقارنة مع 4.5% في 2022، ما يعكس تراجع نصيب تركيا في السوق العقارية الدولية إلى أقل من 1%.
وشهد شهر ديسمبر/كانون الأول 2023 انخفاضا حادا في مبيعات العقارات للمستثمرين الأجانب، بتراجع بلغ 67.7% مقارنة بالشهر ذاته من 2022، ما أدى إلى تقلص حصة المبيعات للمساكن الموجهة للأجانب إلى 1.5% فقط من إجمالي المبيعات، وتعدّ هذه النسبة الأدنى منذ يوليو/تموز 2020.
التعليقات