كان حصار يافا نزاعا عسكريًا بين الجيش الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت والقوات العثمانية بقيادة أحمد الجزار. في مارس 1799، حاصر الفرنسيون مدينة يافا التي كانت تحت السيطرة العثمانية. جرى القتال من 3 إلى 7 مارس 1799. في 6 مارس، تمكنت القوات الفرنسية من الاستحواذ على المدينة.
“كل من له وجه إنسان سقط صريع جنونهم” هكذا وصف أحد المشاركين في جيش نابليون بونابرت القائد العسكري الفرنسي أثناء ارتكاب حصار ومذبحة يافا في فلسطين بالعام 1799، حينما كانت تحت الحكم العثماني، في التوصيف الذي نقله المؤلف والمؤرخ الإنجليزي كريستوفر هيرولد في كتابه “بونابرت في مصر”.
يعتبر هذا التوصيف مؤشراً على شكل الأحداث التي جرت في مدينة يافا قبل 223 عاماً، إبان الحملة الفرنسية على مصر والشام، التي كانت شاهدة على واحدة من أفظع المجازر في أواخر القرن الثامن عشر، والتي تضاف إلى سجل فظائع نابليون بونابرت.
بعد احتلال نابليون بونابرت لمصر وبعد تحطيم أسطوله في معركة “أبو قير” البحرية، قرر نابليون غزو مدن الشام حتي يقضي علي سبل إمداد القوات الإنجليزية.
– كانت مدينة يافا تمتاز بالأسوار العالية الحصينة إضافة الي وجود قوات المدفعية تقدر بحوالي 2000 جندي. ورغم قوة تحصينها إلاّ أن نابليون قرر الإستيلاء عليها أوّلا حتى يستطيع غزو باقي مدن الشام نظرا لموقعها الاستراتيجي ولأنها أيضا تطل على البحر.
– بعث نابليون رُسله الي حاكم يافا العثماني عبد الله بك وأمره بالاستسلام.
– كان حاكم يافا يرى الموقف صعبا، فرغم تحصينات المدينة إلا أن الحامية الموجودة بالمدينة صغيرة ولا تستطيع الصمود طويلا امام جيش نابليون، كما ان الإمدادات العثمانية قد تتأخر واذا استمر الحصار سيؤدي حتما الي انهيار اسوار المدينة وسقوطها وقتل كل من فيها. لهذا عرض على نابليون الاستسلام وتسليم المدينة مقابل المحافظة علي ارواح سكان المدينة والجنود. ووافق نابليون علي هذه الشروط واستسلمت مدينة يافا. وبعد استسلامها نقض نابليون وعوده الى حاكم يافا وقام الجنود الفرنسيون بأعمال قتل واغتصاب في سكان المدينة وقام أيضا باعدام حاكم مدينة يافا.
بداية مذبحة يافا: عندما فشل نابليون في مصر فأراد تعويضه في الشام
بعد أن استطاع نابليون احتلال مصر وتحقيق عدة انتصارات، خسر في معركة اعتبرت ثورة في تاريخ المعارك البحرية، وهي معركة النيل أو “معركة أبي قير البحرية” في 1 أغسطس/آب 1798، أمام القائد البريطاني البحري المحنّك هوراشيو نيلسون، الذي دمَّر سدس سفن الأسطول الفرنسي، وفقاً لموقع Thought Co المهتم بالمواضيع التاريخية.
كانت هذه الهزيمة محورية في احتلال نابليون مصر؛ إذ أضعفت موقفه في السيطرة على البلاد التي كان يهدف من خلالها تأمين المستعمرات الفرنسية شرق المتوسط، ويفكر بأنها قد تفتح الطريق أمامه للهجوم على بريطانيا في الهند.
هنا؛ رأى نابليون أن عليه المحاولة وتحويل مسار حملته مع جزء من جيشه إلى الشام، وإبقاء الجزء الآخر في مصر، بهدف فصل الدولة العثمانية عن تحالفها مع بريطانيا، ومنع أي خطوة من شأنها طرده من مصر، وخطَّط للتمركز في مدينة يافا وجعلها قاعدة لغزو الشام، كونها تمتاز بموقع جغرافي جيد وبحسن التحصين والقلاع العالية.
خطة نابليون للسيطرة وحصار يافا
بعدما وصلت مقدمة الجيش الفرنسي أولاً إلى يافا، وأحاطوا بها وحاصروا سورها من الجهة الشرقية والغربية، وأرسلوا إلى حاكمها بأن يسلمها، إلا أن أحمد باشا الجزار لم يعطه موافقته على ذلك، وفقاً للجبرتي في كتابه “عجائب الآثار في التراجم والأخبار”.
ثم في أواخر اليوم اكتملت صفوف العساكر الفرنسية، وانقسموا إلى ثلاثة طوابير، واحد منها توجه على طريق عكا بعيداً عن يافا بأربع ساعات، وفي اليوم التالي أمر نابليون بحفر خنادق حول السور، من أجل عمل متاريس تشدد من الحصار، بعدما وجد أن السور ممتلئ بجنود وعساكر الجزار.
حصار ومذبحة يافا نابليون في فلسطين
بعد أن اقتربت الخنادق إلى السور مقدار 150 خطوة، أمر نابليون بنصب المدافع على المتاريس من ناحية، ونصبها بجانب البحر من ناحية أخرى، لمنع وصول جنود الجزار إلى مراكب الهروب المعدة سابقاً، ثم خدع جنود الجزار عندما رأوا أعداد الفرنسيين قليلة فخرجوا عليهم، ليتفاجأوا بأعداد كبيرة من الفرنسيين الذين قتلوا عدداً منهم، ثم عادوا للقلعة مرة أخرى، وشددوا عليهم الحصار.
ثم في السابع من مارس/آذار، أرسل نابليون رسالة مع رسوله إلى حاكم وأهالي يافا يطمئنهم فيهم على أرواحهم وجنودهم وأن سبب محاصرته لهم هو إخراج جنود الجزار العثمانيين من المدينة، وذلك كونهم اعتدوا على مدينة العريش، وأمهلهم ساعة لكي يستسلموا.
رفض أهالي يافا التسليم، واحتجزوا رسوله، فجن جنون نابليون وأمر جنوده بضرب المدينة بالمدافع، واستسلمت المدينة، ولكن نابليون نقض وعده وخان سكانها رغم وعودهم وإعطائهم الأمان، وقام جنوده بأعمال قتل إجرامية واغتصاب وسلب ونهب للمدينة.
مذبحة يافا.. إعدام 4 آلاف جندي بأول أيام العيد!
بدلاً من أن يحتفل المسلمون في يافا في أول أيام عيد الفطر ذلك اليوم، كان عليهم مواجهة أبشع وأفظع المجازر في ذلك الزمن، حيث أمر بإعدام أكثر من 4 آلاف جندي من الجنود المسلمين رمياً بالرصاص أو بحد السيف ثم رميهم في البحر، وسرقوا الذخائر والأموال والمراكب والأمتعة الثمينة، وفقاً للجبرتي.
وقد تحجج نابليون بارتكابه هذه المذبحة البشرية بحجج كثيرة، أبرزها صعوبة إبقاء جنود لحراسة أسرى المسلمين لأنه كان يريد استجماع كافة قواته لاحتلال عكا، وحجته الأخرى أن ثلث هؤلاء الجنود نقضوا عهدهم في العريش بأن لا يحاربوه.
أما عن أهوال ما حل بسكان مدينة يافا على يد الفرنسيين، فنقل المؤلف الإنجليزي هيرولد في كتابه “بونابرت في مصر” شهادات فرنسيين كانوا في الحملة على يافا، في فصل أطلق عليه اسم “الجزَّارون في الأرض المقدَّسة”.
إذ يقول هيرولد: “راح الفرنسيون يقتلون أعداءهم كالمجانين طوال ذلك المساء كله، والليل كله، وفي صباح الغد، فالرجال والنساء والأطفال والمسيحيون والمسلمون وكل من له وجه إنسان سقط صريع جنونهم، كما قال مالو الذي ما زالت الصفحات التي كتبها في وصف هذا المشهد البشع تتجاوب بشعور الفزع والخزي”.
هزيمة مدوية في عكا
بطبيعة الحال، تسبب الكم الكبير من الجثث المتحللة في يافا، في نشر وباء الطاعون الذي فتك بأعداد كبيرة من الجنود الفرنسيين وجنود الجزار أيضاً في المدن الأخرى، ولكن نابليون قرر الزحف نحو عكا التي اعتقد أنها ستسقط في وقت أقل من الوقت الذي سقطت فيه يافا، معتمداً على حالة الرعب التي نشرها.
في 20 مارس/آذار اتخذ الجيش الفرنسي موقعه أمام عكا، وبدأ الجنود الفرنسيون يحفرون الخنادق كما فعلوا في يافا، وبعدها بأسبوع أمر نابليون بالهجوم، فقذفت حصون عكا بالقنابل الفرنسية، لكن الجزار رد بنيران مضادة دمرت الكثير من القوات الفرنسية، ورغم ذلك استطاع الفرنسيون أن يتسلقوا أسوار المدينة، إلا أن صمود أهلها وجنودها ردهم خائبين.
حاول نابليون مهاجمتها أكثر من مرة، ولكن أحمد باشا الجزار تغلب على الفرنسيين واستطاع إلحاق خسائر كبيرة بهم، وخسروا الكثير من الجنود والضباط والجنرالات، في هزيمة فادحة قرر نابليون الرحيل على إثرها والعودة إلى مصر التي هُزم فيها أيضاً ورحل منها متخفياً إلى فرنسا.
التعليقات