يافا الجميلة:
تعد يافا (يافة) من أقدم مدن موانىء العالم ، كما وتعتبر من أقدم مدن فلسطين ، تعود بتاريخها الى بناتها العرب- الكنعانيين الذين نزلوا بلادنا منذ أكثر من 4500 سنة ، وكانت منذ ذلك التاريخ مركزا تجاريا هاما للمنطقة، حيث بدأ ساحل فلسطين في تلك الفترة يشهد وجود السكان الذين بدت لهم رابية يافا موقعا جذابًا، فازدهرت المدينة عبر العصور القديمة، وقد وقعت هذه المدينة تحت حكم المصريين والأشوريين والبابليين والفرس واليونان والرومان كبقية المدن الفلسطينية.
يافا قيل انها دعيت بهذا الاسم نسبة الى يافث بن نوح مؤسسها الأول، وقيل انها تحريف لـ "يافي" الكنعانية بمعنى الجميل، كما دعاها اليونان (يوب) و(جوب)، أي الجميلة ، وصدقوا عندما سموها يافا الجميلة، إذ روي في بعض المقولات عنها " واحة أفلتت من الجنة".
النبي يونس والفتح الاسلامي:
وقد نزل يافا عام 825 قبل الميلاد-كما تقول الروايات- النبي يونس ليركب من هنا سفينة قاصداً ترشيش، وعندما قذفه الحوت نزل على الشاطئ الفلسطيني عند النبي يونس قرب اسدود، أو عند تل يونس، بين روبين ويافا.
فتحت يافا في زمن الخليفة عمر بن الخطاب ، على يد عمرو ابن العاص، وقيل على يد معاوية بن ابي سفيان، في نفس اليوم الذي دخل فيها الخليفة عمر بن الخطاب مدينة القدس ،وفي ايام احمد بن طولون ( 220-270 هـ/ 835-884م) بنيت قلعة يافا في حي الطابية وذكر مسجدها المقدسي في القرن الرابع الهجري ، جاء في أحسن التقاسيم :" ويافه، على البحر صغيرة، إلاّ انها خزانة فلسطين ، وفرضة الرملة، عليها حصن منيع بأبواب مجددة، وباب البحر كله حديد، والجامع مشرف على البحر ، وميناؤها جيد".
موقع ومرفأ استراتيجي:
تحتل مدينة يافا موقعاً طبيعياً متميزاً على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط / الساحل الفلسطيني عند التقاء دائرة عرض 32.3ْ شمالاً وخط طول 34.17 شرقاً، وتقع يافا القديمة، فوق تلة ارتفعت عن مياه البحر بأربعين مترا، ولهذه التلة منظر رائع يطل على البحر والسهول الخصبة المجاورة.
وقد أسهمت العوامل الطبيعية في جعل هذا الموقع منيعاً يُشرف على طرق المواصلات والتجارة، وهي بذلك تعتبر إحدى البوابات الغربية الفلسطينية، حيث يتم عبرها اتصال فلسطين بدول حوض البحر المتوسط وأوروبا وإفريقيا. ويُعتبر ميناؤها أحد أقدم الموانئ في العالم، حيث كان يخدم السفن منذ أكثر من 4000 عام، وميناؤها من أهم موانىء فلسطين ومدخل القدس البحري، اذ تبعد عن القدس 60 كم ، يجري في أراضي يافا الشمالية نهر العوجا على بعد 7 كم، وتمتدّ على جانبي النّهر بساتين الحمضيات وخاصة البرتقال المشهور.
محطات تاريخية:
في عام 1099 احتلت يافا من قبل الصليبيين وارتكبوا مذبحة بشعة بحق اهلها وطرد الباقي منها وأصبحت مدينة للفرنجة، وبقيت كذلك حتى حررها القائد صلاح الدين الايوبي 587 هـ /1191م ، واحتلت مرة اخرى بيد الفرنجة حتى حررها الظاهر بيبرس عام 667 هـ / 1268م .
في أواخر الحكم المملوكي أكثر الناس من نزولهم الى يافا فأخذت تتقدم في عمرانها وزراعتها وتجارتها ، وفي الفترة العثمانية شهدت يافا تقدما وازدهاراً إذ أدرك العثمانيون أهميتها وأهمية موقعها الاستراتيجي، فأعادوا تحصينها وبناء قلعتها .
هاجمها نابليون عام 1214هـ/1799م وارتكب مجزرة فيها ، قيل انها بلغت اربعة ألاف شخص، وبعد احتلالها بأربعة أشهر رحل عنها .
وفي عام 1284هـ/1867م في عهد السلطان عبد العزيز أنشئت الطريق التي تربط يافا بالقدس، وفي عام 1304هـ/1886م بوشر في بناء حي المنشية شمالاً وحي العجمي جنوباً، خارج حدود السور، ومن ثم حي الجبلية جنوب العجمي، وتم هدم أسوار يافا وسويت مع الأرض في عام 1297-1306 هـ/ 1879-1888م تبعها مباشرة إنشاء أول خط حديدي في فلسطين بين القدس ويافا بطول 87 كم. وفي عام 1906 اقيمت فيها الساعة والتي هي من ابرز معالمها حتى اليوم، ذكرى لمرور ثلاثين عاما على جلوس السلطان عبد الحميد الثاني على الحكم وقد عكس من خلالها اهتمامه بارض فلسطين- والساعة ما زالت موجودة حتى اليوم وتعد من أهم وأبرز المعالم الأثرية فيها.
ولقد ترك العثمانيون فيها الكثير من المعالم التاريخية مثل السرايا ومحطة القطارات وساعة السلطان عبد الحميد والكثير من المساجد والكنائس.
في عام 1917م احتلت بريطانيا يافا وأخطر ما قامت به هو عملية القصف بالطائرات حيث هدمت المنازل ودمرت البلدة القديمة ، بحجة انها تريد تطوير يافا .
كغيرها من بلاد فلسطين شهدت مدينة يافا أحداث ثورة 1936، وكانت يافا آخر مدن فلسطين الكبرى التي سقطت في يد العصابات الصهيونية بعد معارك شرسة بدأت في منتصف ابريل/نيسان الى الثالث عشر من مايو (ايار) 1948م، وطرد العرب منها ولم يبق في المدينة الا عدد قليل لا يتجاوز 4000 نسمة ، مع ان عدد العرب في العام نفسه وصل الى نحو 100 الف نسمة . وكان في المدينة سبعة عشر مسجداً، وعدد من المقابر الواسعة.
يافا والنكبة الفلسطينية :
اقيمت مستوطنة تل- ابيب الى الشمال من يافا عام 1909 واحتلها الانجليز سنة 1917وقد سقطت في احداث النكبة في تاريخ 13 ايار 1948 وهجر معظم سكانها العرب بعد ان اقيمت بحقهم ابشع المجازر وحصارها لاكثر من شهرين.
ضمت مدينة يافا قبل النكبة سبعة أحياء ,هي :
• البلدة القديمة : ومن أقسامها الطابية والقلعة والنقيب.
• المنشية : وتقع في الجهة الشمالية من يافا.
• ارشيد : وتقع جنوب حي المنشية.
• العجمي : وتقع في الجنوب من يافا.
• الجبلية : وتقع جنوب حي العجمي.
• هرميش "اهرميتي" : وتقع في الجهة الشمالية من حي العجمي.
• النزهة : وتقع شرق يافا وتعرف باسم "الرياض" وهي أحدث أحياء يافا.
أما بعد النكبة فقام الاحتلال الصهيوني بتقسيمها الي 12 منطقة يسكن العرب في ثلاث منها فقط هي:
1- حي العجمي الذي تم تجميع كل عرب يافا بعد النكبة فيه(اسموه اليهود غيتو) وإعلان الحي كمنطقة عسكرية مغلقة.
2- حي الجبلية جنوب حي العجمي.
3- حي النزهة عند شارع جمال باشا.
أما البلدة القديمة فهي خالية من السكان العرب ولكنهم يثبتون وجودهم هناك من خلال المساجد والكنائس والبيوت العربية القديمة.
التهجير والمجازر:
أجمع عدد من المؤرخين المعاصرين الذين كتبوا عن نكبة الشعب الفلسطيني، على ان مذابح جماعية قد حصلت فعلا في مدينة يافا، ومنهم مصطفى الدباغ في موسوعته بلادنا فلسطين، والموسوعة الفلسطينية ، وعارف العارف في كتابه النكبة, وابو جابر في موسوعته جرح النكبة وغيرهم، هذه المذابح وثق بعضها، والبعض الاخر أشار اليه المؤرخون ضمن سياق الحديث عن مدينة يافا.
هذه المذابح تمت بالطرق والاساليب التالية، بدون حصر: تفجيرات وسيارات مفخخة، قصف بالهاون والمدافع، بنيران القناصة، اعدامات ميدانية بعد احتلال المدينة.
مقدسات يافا : اعتداءات اسرائيلية ورعاية اسلامية خاصة:
رغم التهجير والتطهير العرقي منذ النكبة الفلسطينية ، وتعرض المقدسات والأوقاف الاسلامية والمسيحية الى سياسة الهدم والطمس والمصادرة الممنهجة واعتداءات لم تتوقف ، وجرف مقابرها وتحويل الكثير منها الى حدائق ومراقص، وبناء الفنادق والمساكن عليها، وتحويل بعض مساجدها الى كنس يهودية او الى ملاه ليلية، بقي في يافا من بيوتها ومقدساتها مساجدها ، كنائسها ومقابرها ما يشهد على اسلاميتها وعروبتها .
حظيت مدينة يافا ومقدساتها باهتمام خاص من الحركة الاسلامية في الداخل الفلسطيني ومؤسساتها الفاعلة منذ نهاية اعوام الثمانين وبداية التسعينات من القرن الماضي، وكان لـ "مؤسسة الاقصى" عبر سنواتها الطويلة اهتمام خاص بمقدسات المدينة رعاية وصيانة ، ترميما وتعميرا.
فقد نفذت مشاريع ترميم عدة لمسجد حسن بك، ومسجد البحر، ومسجد السكسك ، ومقبرة طاسو ، وعبد رب النبي ، والشيخ مراد، ومقبرة الكزاخانة.
مقبرة الكزاخانة والحاجة الى ترميمها الشامل:
مقبرة الكازاخانة هي مقبرة اسلامية، مساحتها اليوم نحو 23 دونما ، تقع على تلّة جنوب البلدة القديمة وحيّ العجمى، على ساحل البحر الأبيض المتوسط، فوق هضبة شاطىء السريانيّ, وهي موقع قديم في حيّ الجبلية لخزن الوقود.
بالقرب من شاطئ السرياني أنشئ في العهد التركي (العثماني) "مبنى الكازاخانة" وهو عبارة عن مستودع للمحروقات (الكاز).
وقد بدأ دفن موتى المسلمين في المقبرة المذكورة في نهاية القرن التاسع عشر، واستمرّ حتى نهاية عام 1948م، حيث أغلقت بسبب الازدحام الذي أصابها.
ينتشر في مساحتها الشاسعة نحو اربعة آلاف قبر، كثير منها معرض للأندثار بسبب عوامل القدم وطبيعة قربها من البحر والعواصف الرملية، وفي العام 2008 نظمت "مؤسسة الاقصى" معسكر التواصل مع مقدسات يافا، وشارك المئات بعملية تنظيف واسعة للمقبرة، كما تتعاهدها بالرعاية والصيانة السنوية الدائمة، وأطلقت الحركة الاسلامية في يافا قبل أشهر حملة لترميم جميع القبور، واستطاعت حتى الآن ترميم نحو 1000 قبر.
في خضم مشروع الترميم كشفت الحركة الاسلامية في يافا و"مؤسسة الاقصى" عن قبور جماعية لرفات وعظام وجماجم شهداء قضوا خلال الاحداث والمجازر في فترة الاحتلال البريطاني ومجازر العصابات الصهيونية ، الأمر الذي أحدث حراكا وتغطية إعلامية على مستوى عالمي ومحلي غير مسبوق .
موعدنا يوم السبت في حي الجبلية 5/10/2013:
واليوم وفي ظل هذا التاريخ العريق ليافا ومقدساتها ، مقابرها ومساجدها ، وفي خضم الحديث عن قبور جماعية في مقبرة الكزخانة، وفي ظل الصراع على الحضارة والهوية والانتماء، يظهر جليا كم هو مهم أن نحفظ هوية وتاريخ مدينة يافا ، ولهذا سيكون مشروع ترميم مقبرة الكزاخانة هو المشروع الرئيسي في معسكر التواصل مع مقدسات يافا الذي تنظمه الحركة الاسلامية ومؤسسة الاقصى للوقف والتراث صبيحة يوم السبت القادم 5/10/2013م .
التعليقات