تتعرض المقدسات والآثار العربية الإسلامية في الرملة إحدى مدن فلسطين التاريخية للعبث والإهمال ومحاولات الطمس من قبل الاحتلال، وهو ما يعتبره سكانها العرب استمرارا للعدوان عليها والحرب على تاريخها وذاكرتها ويدعون إلى إنقاذ تلك الصروح التاريخية.
وتنتشر في المدينة مبان أثرية بنيت في فترات تاريخية مختلفة ولا تحظى بأعمال الصيانة والترميم التي تبقيها على قيد الحياة. ومن أبرزها خان تل الفخار الذي يستغل اليوم ساحة خلفية لورشات صناعية تتراكم فيها الخردوات والمهملات، وتسكن قاعاته التاريخية الغربان والخفافيش.
ولا يختلف عن ذلك مصير مرافق أثرية من الفترات الإسلامية في منطقة السوق البلدي وسط الرملة المدينة التي اتخذها الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك عاصمة له.
حرب على الذاكرة
ويستفز مشهد طمس المعالم العمرانية الأثرية الإسلامية المؤرخ الإسرائيلي شيمعون جات الذي وضع أطروحة الدكتوراه عن مدينة الرملة في العصور الوسطى.
ويشكو جات من محاولات طمس الآثار الإسلامية في المدينة بجبال قمامة بدلا من صيانتها نظرا لقيمتها العمرانية والأثرية واستغلالها لتعزيز الجاذبية السياحية للمدينة.
ويحذر جات من أن استمرار إهمال هذه الآثار سيؤدي إلى اندثارها، مشيرا إلى أن الحي الأرمني القديم يلقى مصيرا مشابها.
ويؤكد ذلك أيضا مدير المركز الجماهيري في الرملة ميخائيل فانوس الذي يقول إن الحي الأرمني التاريخي في المدينة صار موقفا للسيارات بعد تهدم معظم مبانيه.
ويشير فانوس للجزيرة نت إلى أن الإهمال يصل كل ما يدل على الطابع العربي والإسلامي للمدينة من ذلك حمام تركي تعود ملكيته لعائلة خليل الوزير (أبو جهاد) ابن مدينة الرملة، وهذا الحمام يوشك أن يسقط بسبب الإهمال المتعمد، ويتابع قائلا "الحرب على الذاكرة ما زالت مفتوحة وهذا يفسر مأساة الآثار والأوقاف".
خطة مشكوك فيها
وتدعي بلدية الرملة أنها تستعد لإنجاز مشروع ترميم واسع في المدينة التي يوجد بها 71 ألف نسمة، نحو 17 ألفا منهم من العرب الذين قدم معظمهم لاجئين من القرى المجاورة المهجرة في النكبة عام 1948.
وتشير البلدية إلى أن قسم الهندسة فيها بلور بمشاركة وزارة الداخلية خطة هيكلية لتطوير البلدة القديمة وترميم آثارها بغية تعزيز قدراتها السياحية.
ويشكك عضو البلدية عن المجتمع العربي فايز منصور في وعود البلدية، موضحا أن الإهمال تسبب في انهيار الكثير من المباني الأثرية في مدينة الرملة التي كانت يوما حاضرة إسلامية.
ويشير في تصريح للجزيرة نت إلى سلسلة مساجد ومقامات متداعية في أنحاء المدينة ويبدي قلقه على مئذنة النبي صالح الجميلة التي تحتاج لعمليات ترميم وصيانة عاجلة، إضافة إلى المسجد الأبيض ومقام النبي صالح المجاورين لها. ويقول "نجت بركة العنزية المبنية في الحقبة العباسية من الإهمال بعد استغلالها لبناء مرفق سياحي".
الذاكرة الجماعية
ويوضح فايز منصور أن هناك صروحا عمرانية من الحقب العربية الإسلامية تواجه في معظمها الاندثار مشيرا إلى أن البلدية أهملت عمدا عملية ترميمها بدوافع سياسية وهي في الوقت نفسه تتهرب من قبول ترميمها على أيدي السكان العرب أنفسهم.
وشهدت مدينة الرملة الصيف الماضي معسكر عمل لترميم بعض المقدسات الإسلامية نفذته الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح و"مؤسسة الأقصى للوقف والتراث"، بالتعاون مع أهالي الرملة.
ويشدد الشيخ أحمد أبو عبيّد إمام مسجد الجاروشي في الرملة على أهمية صيانة الآثار والمقدسات في الرملة التي تكابد حالة صعبة، مشيرا إلى أن البلدية ودائرة الآثار الإسرائيلية لا تقومان بترميم بعض الآثار الإسلامية المركزية وتمانع في إنجاز ذلك على أيدي فلسطينيي الداخل.
ويشير الشيخ أبو عبيّد إلى أن قلبه يخفق بقوة كلما مرّ بجوار النبي صالح وغيره من المساجد والمصليات والمقامات التي بناها الأمويون والعباسيون.
ويقول إنه "في ظلال هذه المنشآت الأثرية يعصف داخلك انفعال شديد، وتشعر بأن بوسعك إمساك التاريخ بقبضتك ويحز في نفسك الوضع البائس لهذه الصروح التي تذكر بسنوات الشموخ وباتت تواجه الهجران والطمس".
ويشير إلى أن صيانة الماضي ليست قيمة تاريخية أثرية فحسب بل هي حراسة للوعي وللذاكرة الجماعية من أيادي العبث ومخططات التشويه، منوها لسلسلة مبان أثرية إسلامية تتعرض لخطر الاندثار في كافة مدن فلسطين التاريخية، نتيجة انعدام الترميم.
الجزيرة
التعليقات