منذ بدايات العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، عادت دعوات مقاطعة البضائع الداعمة لإسرائيل للظهور بقوة، ومع ازدياد وتيرة العنف الإسرائيلي وتصاعد عدد الضحايا، شهدت الحركة زخما واسعا وتأثيرا كبيرا، ليس فقط على مستوى الشرق الأوسط وإنما في جميع أنحاء العالم، خاصة مع تزايد الوعي بالقضية الفلسطينية وارتفاع الغضب الشعبي تجاه ازدواجية المعايير الغربية التي منحت غطاء متبجحا وغير مسبوق للجرائم الإسرائيلية.
تقوم فكرة المقاطعة على رفض التعامل مع منتجات شركة/جهة/بلد معين، بهدف فرض تغيير في الإجراءات السياسية أو الاجتماعية لتلك الجهة، من خلال توظيف تأثير الحركة الجماعية. وتكتسب حملات المقاطعة أهمية خاصة في المناطق التي تتمتع بقوة شرائية كبيرة، ويمكن أن يؤدي قرار مقاطعة المنتجات فيها إلى تداعيات مالية ملحوظة على الشركات المستهدفة. وكلما توسعت أعمال هذه الشركات، كانت أكثر عُرضة لتأثير المقاطعة في مناطق مختلفة من العالم.
ولا يتعلق تأثير المقاطعة وقوتها بتأثيرها على المبيعات فقط، ولكن الأهم في تأثيرها على سمعة الشركة وعلامتها التجارية. في دراسة أجراها برايدن كينج من قسم الإدارة والمنظمات في كلية كيلوغ للإدارة (Kellogg)، كشفت النتائج عن أن الشركات التي شهدت انخفاضا في السمعة العامة كانت أكثر تضررا من تلك التي شهدت انخفاضا في مبيعاتها، وأنه كلما زاد اهتمام وسائل الإعلام بالمقاطعة ازدادت فاعليتها.
وتشير دراسة كينج إلى أن انخفاض المبيعات يحمل تأثيرا ضئيلا من الناحية الإحصائية، إذا ما قورن بتأثير المقاطعة على السمعة أو الصورة العامة للشركات، وهو ما تنظر له الدراسة باعتباره مكمن القوة الحقيقية لحركات المقاطعة، حيث ينظر صناع القرار في الشركات، طبقا للدراسة، إلى تلك الحملات باعتبارها تهديدا أكثر خطورة على سمعتهم منها على المبيعات. وتقدم دراسة كينج عدة نصائح لدعم نجاح حركات المقاطعة، تتعلق باختيار الشركات المستهدفة. فالأفضل، طبقا لنتائج دراسته، هي تلك التي تعاني من أزمة في الصورة العامة، كما ينصح بوضع خطة لإشراك وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من البداية
يشير دليل المناصرة الفعالة الصادر عن صندوق أدوات المجتمع بجامعة كنساس (2) إلى دراسة استقصائية أُجريت عام 1991 في المملكة المتحدة، كشفت عن أن قادة الأعمال اعتبروا المقاطعة أكثر فاعلية من حملات الضغط أو الدعاوى الجماعية في إقناعهم بتعديل ممارساتهم. ويشير الدليل أيضا إلى أهمية تحديد أهداف واقعية، طويلة المدى، مع وجود أهداف أخرى للتحقق على المدى القصير.
وفقا لسيزار تشافيز، الذي قاد حركة المقاطعة ضد مزارعي العنب في كاليفورنيا في ستينيات القرن الماضي، تحتاج المقاطعة إلى إقناع نحو 5% من المستهلكين بالانخراط في المقاطعة المنظمة لإحداث تأثير مادي ملموس، أما إذا بلغت النسبة 10% من المستهلكين فذلك قد يؤدي إلى تأثير مدمر (3). لكن كما سبق أن أشرنا، طبقا لدراسة كينج، لا تحتاج المقاطعة دائما إلى تحقيق هذا التأثير على المبيعات، ففي بعض الأحيان يكون التهديد بخسارة السمعة والأعمال كافيا لإنجاح المقاطعة.
ولكي تتمكن المقاطعة من تحقيق أهدافها بشكل مستدام وطويل الأجل، لا بد من طرح بدائل مناسبة للمستهلكين، ذات جودة وأسعار مقاربة أو أقل من أسعار تلك التي يقاطعونها، ومن السهل الوصول إليها. وفي حملات مقاطعة البضائع المستوردة تحديدا، غالبا ما يتحول المستهلكون نحو البدائل المحلية، وهكذا إلى جوار تحقيق الأهداف السياسية والاجتماعية المرجوة من المقاطعة، يمكن أن تكون هناك تأثيرات إيجابية على الاقتصاد المحلي. ظهر ذلك على سبيل المثال في مصر، حيث أدى الزخم الكبير الذي تمتعت به حركة المقاطعة بين المصريين بمختلف طوائفهم وطبقاتهم الاجتماعية إلى ازدهار العديد من المنتجات، وجاء بمنزلة قُبلة حياة لبعضها.
وقد نشط الكثير من المؤثرين (الإنفلونسرز) في مواكبة هذا التيار والتعريف بالعديد من البدائل المحلية في مختلف المجالات. وبينما يثير معارضو المقاطعة عادة مخاوف بشأن تأثيراتها السلبية على العمالة، وعلى سلاسل التوريد، فعلى العكس، من الممكن أن تمنح المقاطعة الاقتصادية طويلة الأجل دفعة قوية للاقتصاد المحلي، مع حدوث طفرة في الطلب على البدائل المحلية. لكن ذلك يعتمد بالأساس على الاستمرارية على المدى البعي
التعليقات