عاد ملف اقتحام مقرّ الكونغرس في “كابيتول هيل” في العاصمة الأميركية واشنطن في 6 يناير/كانون الثاني، على يد أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب إلى الواجهة، مع سماح قاضية فيدرالية، مساء أول من أمس الثلاثاء، للبيت الأبيض بأن يسلّم لجنة برلمانية تحقّق في ملابسات الاقتحام وثائق تتعلّق بالدور المحتمل للملياردير الجمهوري في الهجوم، على الرغم من محاولات الرئيس السابق للإبقاء على سريتها. واعتبرت قاضية المحكمة الجزئية في مقاطعة كولومبيا تانيا تشاتكان في حكمها، الذي نشرته وسائل إعلام أميركية، أنّ “المحكمة ترى أنّ المصلحة العامة تتطلب تأييد، وليس إعاقة، الإرادة المشتركة للسلطتين التشريعية والتنفيذية بدراسة الحوادث التي أدّت إلى أحداث 6 يناير، والنظر في إمكانية سنّ تشريع يمنع منعاً مطلقاً مثل هذه الأحداث من أن تحدث مجدداً”. ولم تفصل تشاتكان، في قرارها المدوّن في 39 صفحة، في صحة الحجة القانونية التي ساقها محامو ترامب، بأن السجلات الهاتفية وسجلات الزوار ووثائق البيت الأبيض الأخرى يجب أن تظل بعيدة عن أيدي اللجنة.
ويدفع ترامب بأن المواد التي طلبتها لجنة مجلس النواب تندرج تحت مبدأ قانوني يُعرف باسم “الامتياز التنفيذي”، الذي يحمي سرية بعض اتصالات البيت الأبيض. وردّ تايلور بودويتش المتحدث بإسم ترامب في تغريدة على “تويتر”، مشدّداً على أن “الرئيس ترامب لا يزال ملتزماً الدفاع عن الدستور وعن مكتب الرئاسة، وسيتابع العملية في هذا الاتجاه”، مؤكداً أن “مسألة الامتياز التنفيذي تفترض أن تبت فيها محاكم الاستئناف”. وكان الرئيس السابق يرغب خصوصاً في منع البيت الأبيض من تسليم لجنة التحقيق النيابية، التي يسيطر عليها الديمقراطيون، مئات الوثائق بما في ذلك قوائم بأسماء الأشخاص الذين زاروه أو اتصلوا به في 6 يناير. وتضمّ الوثائق التي تزيد عن 770 صفحة ملفات كبير موظفيه السابق مارك ميدوز، وكبير مستشاريه السابق ستيفن ميللر، ومساعد مستشاره السابق باتريك فيلبين. وكان ترامب يأمل أيضاً في منع نشر الصحيفة اليومية للبيت الأبيض، التي تضم وقائع أنشطته ورحلاته ومؤتمراته الصحافية ومكالماته الهاتفية. ومن بين الوثائق الأخرى التي لا يريد الرئيس السابق أن يطلع عليها الكونغرس، مذكرات إلى سكرتيرته الصحافية السابقة كايلي ماكناني، ومذكرة مكتوبة بخط اليد حول حوادث الاقتحام، ومسوّدة نص خطابه خلال تجمّع “أنقذوا أميركا” الذي سبق الهجوم. وبرّر محامو ترامب أمام المحكمة طلبه منع اللجنة النيابية من الحصول على هذه الوثائق بحقّ السلطة التنفيذية في الحفاظ على سريّة معلومات معيّنة. لكنّ القاضية تشاتكان رفضت هذه المبررات، مؤكّدة أنّ “الرؤساء ليسوا ملوكاً والمدّعي ليس رئيساً”. وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أن محامي ترامب يعتزمون استئناف هذا الحكم. ويأتي قرار تشاتكان بعيد إصدار لجنة التحقيق البرلمانية في الهجوم على الكونغرس دفعة جديدة من مذكرات الاستدعاء لعدد من المقربين من الرئيس السابق، من بينهم ماكناني. وأفادت اللجنة في مذكرة الاستدعاء لماكناني بأنه “بصفتكِ متحدثة باسم البيت الأبيض أصدرت العديد من البيانات العامة في البيت الأبيض وأماكن أخرى، حول تزوير مفترض في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2020″، وهي “ادعاءات استند إليها الأشخاص الذين هاجموا كابيتول هيل”. كما استدعت اللجنة ستيفن ميللر لأنه أعد مع فريقه الخطاب الذي ألقاه ترامب في التجمع قبيل الهجوم على الكونغرس. ومن بين المقربين الآخرين لترامب مساعده السابق نيكولاس لونا، ومساعد كبير موظفي البيت الأبيض كريستوفر ليدل، وكيث كيلوغ مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس السابق مايك بنس.
وقال رئيس اللجنة النائب الديمقراطي بيني طومسون “نعتقد أن الشهود الذين تم استدعاؤهم للمثول لديهم معلومات ذات صلة ونتوقع منهم التعاون في التحقيق”. وكانت اللجنة أعلنت يوم الإثنين الماضي، استدعاء شخصيات أخرى، بمن في ذلك أعضاء من فريق حملة ترامب مثل مستشار الأمن القومي السابق للرئيس الجمهوري السابق مايكل فلين، ومدير حملته بيل ستيبين. واستمعت اللجنة في إطار التحقيق لأكثر من 150 شخصاً حسب النائبة الجمهورية ليز تشيني. ومع أن مبدأ “الامتياز التنفيذي” غير منصوص عنه في الدستور الأميركي، إلا أن المحكمة العليا قضت بأنه يكرّس مبدأ “فصل السلطات” في مقابل صلاحية “الإشراف” الممنوحة للكونغرس، ويسمح في ترسيخ سيادة كل طرف دستورياً. وسبق أن هدد ترامب باستخدام “الامتياز التنفيذي” أثناء التحقيق في مسألة التدخل الروسي في انتخابات عام 2016، لمنع استماع لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ إلى مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي “أف بي آي” السابق جيمس كومي للإدلاء بشهادته. لكن ترامب تراجع بعد ذلك، واستمعت اللجنة لكومي. إلا أن الرئيس الجمهوري عاد واستخدم هذه الصلاحية أثناء “تحقيق مولر” الخاص بالتدخل الروسي بالانتخابات والذي قاده المحقق روبرت مولر. أما في القضية الحالية، فقد تضمّنت دعوى ترامب منع حصول “لجنة 6 يناير”، المؤلفة من تسعة نواب، سبعة ديمقراطيين واثنين جمهوريين، على الدفعة الأولى من الوثائق من الأرشيف. وجاء في الدعوى أن “لا سلطة للجنة في التحقيق ولا في الحصول على الوثائق”، وأن “السجلات محمية بامتياز تنفيذي”. مع العلم أن اللجنة طلبت الوثائق مرتين، في شهري مارس/آذار وأغسطس/آب الماضيين. لكن الرئيس جو بايدن، الذي دعم تحقيقات “لجنة 6 يناير”، اعتبر أن الامتياز الذي يعلّل به ترامب دعواه، “لا ينبغي تطبيقه في هذه الحالة”، أي الاقتحام غير المسبوق.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]