اغلاق
اغلاق
  ارسل خبر

مقال "عِندَما يَفوزُ الإخوانُ بِرئاسَةِ مِصرَ" بقلم: الدكتور رائد فتحي


ألفُ مليونِ مَبروكِ لِمِصرَ ولكُلّ عربيٍّ وللقُدسَ فَوزَ الدّكتور مُحمّد مُرسي...

لا شَكَّ أنّ فَوزَ الإخوانِ المُسلمين بِرِئاسَةِ مِصرَ حدَثٌ كبيرٌ، بل كبيرٌ جِدًّا، وقَبلَ أنْ تتقادَمَ الوقائعُ على عُقولِ النّشء الجَديدِ، فلا بُدّ من التّذكيرِ أنّه –وإلى فَترَةٍ قَريبَةٍ جِدًا- كانَت مسألَةُ حُكمِ الإخوانَ لِقُطرٍ عَرَبيٍّ ضَربًا من ضُروبِ الخَيال، وذلِكَ لِعَدّةِ أسبابٍ:

- لأنّ المَنطِقَةَ العَربيّةِ حُكِمتْ – ولا تَزالُ في كثيرٍ من نواحيها- بالنّارِ والحَديدِ، وكانَت الأجهِزَةُ الأمنيّةُ هي الحاكِمَةُ على رِقابِ العالَمين!!

- لأنّ العالَم انقَسَمَ إلى شَرقٍ وغَربٍ – على ضَعفٍ واضِحٍ في "المَنظومَةِ الشّرقيّةِ"- ولَم يَعتَبرْ أيًّا من هذَينَ المُعَسكَرينَ بُروزَ تَيارِ الإخوانِ المُسلمين مَكسَبًا لهُ.

- بدأ بَعضُ ساسَةِ الدّولةِ العِبريّةِ وبعضُ السّاسَةِ الأمريكان، -ومَعَهم بَعضُ العَرَبِ- يَتَكلّمونَ على ما أسموهُ "الشّرق الأوسَط الجَديد"، وذلِكَ كَنتيجَةٍ من نتائجِ ما يُسمّونه بالنّظام العالميّ الجَديد. ولا شَكّ أن الإخوانَ المُسلمينَ بِطرحِهم للفِكرَةِ الإسلاميّةِ في الحُكم والسّياسَةِ والاقتِصادِ يَتعارضونَ بِشَكلٍ كامِلٍ معَ هذه الرّؤية.

- يُمكِنُ الإشارَةُ أيضًا إلى أنّ عَدَدًا غيرَ قَليلٍ من الحُكّامِ وصُنّاعِ القرار في الدّوائرِ الغَربيّةِ ما زالوا مَسكونين بالخَوفِ من التَجرِبَةِ الإسلاميّةِ، لِما أحدّثَته من ضَجّةٍ وجَلَبَةٍ في الطّرف الغربيّ للقارّةِ الأوروبيّةِ عندَما وصَلَ المُسلمون إلى حدود تولوز، وفي البوابة الشّرقيّة عندَما وصَلَ المُسلمونَ إلى حُدود فينّا. دَعْ عَنكَ الحُروبَ الصّليبيّة، فقد عَبّر بوش الإبنُ عَلَنًا عَن أنّه مَسكونٌ بآثارِ تِلكَ الحُروبُ الّتي مَضى عليه قريبٌ من ألف عام. بالإضافَةِ إلى اعتِبارِهم : اللّيبراليّةِ الاقتِصاديّةِ (الرّاسماليّة) والليبراليّةِ السّياسيّةِ (الدّيمُقراطيّة) "مَكسَبًا إنسانيًّا يَجِبُ الدّفاعُ عَنهُ"!!!

- لأنّ المُؤمّلَ بالإخوانِ المُسلمينَ أن يَنحازوا إلى قَضايا أُمّتهم الكُبرى بما في ذلك قضايا: فلسطين، الشّيشان، بنغلادش، السّودان، العراق... الأمرُ الّذي سيُحرِجُ المَجموعَتينِ العربيّةِ والإسلاميّةِ، بله والدّوليّةِ.

ولا شَكّ أنّ هذه بعضُ الأسبابِ القليلَةِ الّتي كانَت تَجعَلُ من إمكانيّةِ حُكم الإخوانِ المُسلمين لِعَرشِ مِصر أو غيرِها من الأقطار العربيّةِ أمرًا صَعبًا. فأمّا وقَدْ فازَ الإخوانُ المُسلِمونَ بِحُكمِ مِصرَ فإنّه ستواجِهُهم أمورٌ كثيرَةٌ أثناءَ أعادَةِ التّفكيرِ في صياغَةِ "شَرق أوسَط ما بَعدَ الرّبيعِ العربيّ":

- سَتُحاولُ الدولةُ العِبريّةُ أنْ تَمُدّ علاقاتٍ مَعَ جَماعَةِ الإخوانِ المُسلمينَ في مُحاولَةٍ مِنها لاختِزال قَضيّةِ فِلَسطينَ في مسأَلَةِ سيناء والقُدس.. وليسَ لديَّ أدنى شَكٍّ أنّ الإخوان المُسلمينَ سيَكونون على وَعيٍ وإدراكٍ تامٍّ فيما يتعلّقُ بهذه المَسألة.

- سَتبدأ الولاياتُ المُتّحِدَةُ –على التّحديدِ- بِمَدّ الجُسورِ مع الجَماعة، وقَد شَهِدنا ذلِكَ فِعلا عَبر زيارَةِ وَفدٍ إخوانيٍّ رَفيعِ المُستوى بِقيادَةِ المُهندِسِ خَيرَتِ الشّاطِرِ للولاياتِ المُتّحدَةِ. وأظُنّ أن الولاياتِ المُتّحدَةِ ستُرَكّزُ على ثلاثَةِ أمور: الأوّل الدّولَةُ العِبريّةُ، وما يتعلّقُ بِها من اتفاقيّة العار في كامب ديفيد، وهذا بالفعل ما تمّ طرحُهُ وصرّح بِذلِك المُهندِسُ خيرت الشّاطر، الأمرُ الثّاني هو: حُريّةُ المِلاحَةُ العَسكَريّةُ للأساطيلِ البَحريّةِ الأمريكيّةِ الّتي تعبُرُ ما بينَ فَترَةٍ وأخرى عَبر قَناةِ السّويس، والأمرُ الثّالث: هو المصالِحُ التّجاريّةُ للولايات المُتّحدة في المِنطَقَةِ.

- سَتُحاوِلُ روسيا الاتّحاديّةُ في مَرحَلةٍ ما الوصولَ إلى قادَةِ الإخوانِ المُسلمين والجُلوسِ مَعَهم وأرى أنّ ذلِكَ من المُمكِنْ أن يَكونَ عَبرَ وسَاطَةِ الأُستاذ أبو الوليد (خالد مَشعَل) رئيس المَكتَب السّياسي لِحَرَكَةِ حَماس لِما يربِطُ الحَرَكَةَ من علاقَةٍ يُمكِنُ ان يُعبّر عَنها بـ "الحَسَنَةِ" مَع روسيا، ولولا الدّور الّذي تلعَبْهُ روسيا في سوريّا اليوم، مِمّا يَخلُقُ تعارُضًا كبيرًا بينها وبينَ الإخوان المُسلمين، لرأيتُ أنّ أوّل دَولَةٍ كبيرَةٍ سَتَبعَثُ ببِطاقَةِ دَعوة إلى الرّئيسِ المِصريّ المُنتَخَبِ الدّكتور مُحمّد مُرسي هي روسيا الاتّحاديّةّ. وأمّا عَن الصّين، فإنّها ستُسارِعُ أيضًا إلى مَدّ جُسورٍ مَعَ الجَماعَةِ وأرشّحُ السّودان أن تَلَعَبَ دَورَ الوسيطِ بَينَها وبينَ الجَماعَةِ.

- الإتّحادُ الأوروبيُّ سيُحاولُ أن يُبارِكَ النّتائجَ ويُعلِنْ عَن "قَبولِهِ الكامِل" لِما أفرَزته الصّناديقُ لِما للإتّحاد الأوروبيّ من مَصالِحَ ليسَت قليلَةً في مِصرَ.

- وأمّا عَن المَنطِقَةِ العَربيّةِ، ففيما يتعلّق بِدِول الثّورة والرّبيعِ العربيّ ستَكونُ العلاقاتً على أكملِ وأجمَلِ ما يَكونُ. يُمكِنُ أن يُضافَ إليها بَعضُ الدّول هي: المَغرِبُ لأنّ الحُكومَةَ المُشَكّلةَ في المَغرِبِ هي من الإسلاميينَ، ويَشغَلُ الإخوانُ المُسلِمونَ فيها حِصّةَ الأسَدِ. والسُّودان، وسيَرَى الفريقُ عُمرُ البَشيرُ في فَوزِ الإخوانِ المُسلمينَ نَوعًا من الدّعْمِ لَهُ على مُنافِسِهِ الأشرَسُ الدّكتور حَسَنُ التُّرابيُّ. والثّالِثَةُ هي قَطَرُ: فقَد بَدى واضِحًا –مَهما حاولنا الإنكار- أنّ قَطَرَ مَعنيّةٌ بالإخوانِ المُسلمينَ كفرَسِ رِهانٍ لَها في سِباقِها – إن صَحّ قَبول تَسميَته سِباقًا- مع السّعوديّةِ. فكانَ واضِحًا أن قَطَرَ وقَفَت في صَفّ الإخوانِ في مُقابِل التّيارِ السّلفيّ وحَتّى النّاصريّ أو الحِزبِ الوَطَنيّ.. حَتّى لقد وَصَل البَعضُ إلى اتّهامِ السّلفيينَ بِتَلقي الدّعمِ من السّعوديّةِ واتّهام الإخوانِ بتلقّي الدّعمِ من قَطرِ!. لَكّنّي أظُنّ بل أكادُ أكونُ مُقتَنِعًا أن الإخوانَ المُسلمين سَيكونونَ على مَساحةٍ واحِدَةٍ ما بينَ قَطرَ والسّعوديّة، وقَد أظهرَت الأزمَةُ الأخيرَةُ بينَ مِصرَ والسّعوديّة أن الّذين سَووا الخلافَ هُم الإخوانُ المُسلِمونَ عَبرَ زيارَةِ رئيسِ مَجلِسِ الشّعبِ المُنتَخَبِ "المُنحَلّ!" الرّئيس سَعد الكَتاتني.

ما أرجوهُ للإخوان المُسلمين

- أنْ يَبقَوا أوفياءَ لما حَمَلوهُ من شِعاراتٍ جَميلَةٍ وكَبيرَةٍ على مَدار 90 عامًا . وذَلِكَ بأنْ يُعلنَ الإخوانُ أنّ للسّياسَةِ دِينًا، وأنّها لَيسَت كما أُشيِعَ ويُشاعُ لا دِينَ لَها.

- وأنْ يُؤمِنوا –كما هو مَعهودٌ عَنهم- أنّ الغاياتِ لا تُبرّرُ الوسائلَ، وأن لا يَتتبّعوا الفلسَفَةَ المياكافيليّةِ في السّياسَةِ والحُكم.

- أن يَتريّثوا كثيرًا قُبَلَ بِناءِ الأحلافِ، وقَطعِ العُهودِ والوعودِ... لأنّ ما تَحمِلُهُ الأيّامُ القريبَةُ من المُمكِنْ أن يُغيّرَ وَجه المِنطَقَةِ

- أنْ تَكونَ البوصَلَةُ – كما كانت دومًا في أدبيّات الإخوان المُسلمين- هي القُدسُ وفِلَسطينُ ، فالقُدسُ وفِلَسطينُ هي البوصلَةُ الكَفيلَةُ بأنْ تَحفَظَ على الجَماعَةِ أصالَتها.

- وأمّا في الأمر الدّاخليّ المصريّ فأنا على يقينٍ تامٍّ أنّ ما يَحمِلُهُ الإخوانُ المُسلمون من مشاريعَ قابِلَةِ التّطبيقِ هي مَشاريعُ كبيرَةٌ ورائعةٌ ومِن شانِها أن تَنهَضَ –فِعلا- بِمِصرَ في زَمَنٍ قِياسيٍّ، فلا أخافُ عليها من الدّاخِل إلا في الجانِبِ الأمنيّ.

- وأمّا فيما يتعلّقُ "بانتِخاباتِ" مَجلِسِ الشّعبِ –فيما لو حَدَثت- فأرجو أن يُبادِرَ الإخوانُ إلى عَرضِ تَحالُفٍ إسلاميٍّ يَضُمُّ الإخوانَ المُسلمين، وحِزبَ النّور وعبد المنعم أبو الفتوح، والوسط والنّهضة.. وقياداتٍ إسلاميّةً أخرى مُستَقلّة. لأنّ المَعرَكَةَ في المرّةِ الأولى كاَنت بينَ الإخوان المُسلمين أو الُحريّة والعدالة وبينَ (حَزب النّور). وأمّا هذه المرّة فأنا على يقينٍ أن فُلولَ النّظامِ السّابِقِ وبقايا "الحِزب الوَطَنيّ" سيُنافِسونَ بِشراسَةٍ وسَتُضّخُّ أموال هائلةٌ جِدّا في حَملاتِهمُ الانتِخابيّة، عليه فيَنبَغي أن تُوجّهَ المَعرَكَةُ إلى هؤلاءِ لا إلى أولاءِ...!

بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]

أضف تعليق

التعليقات

1
الخلافه اتيا انشاء الله بارك الله فيك على المقال الطيب الذي يعطينه الامل والخلافه اتيا انشاء الله
יפואית - 19/06/2012
رد
2
بارك الله في شيخنا الفاضل
لؤلؤة يـافــا - 19/06/2012
رد

تعليقات Facebook