اغلاق
اغلاق
  ارسل خبر

مقال "اللغة المضيّعة" بقلم: الشيخ سعيد سطل "أبو سليمان


لم أر أمة من أمم الأرض ظلمت لغتها كما ظلم العرب لغتهم العربية , ولولا حفظ القرآن لها لضاعت واندثرت , شعوب الأرض كلهم يولون لغاتهم جُل اهتمامهم ,كل شعب يعتز بلغته ويفاخر بها ويعتبرها شيئا مقدسا , إلا العرب من دون الشعوب كلها يفرّطون بلغتهم , ويعملون على تهميشها في واقع الحياة , ومنهم من يزعم أنها لا تواكب العصر والتقدم العلمي والتقني , هذه اللغة التي اختارها الله عز وجل أن تكون لغة القرآن , كما في قوله تعالى : أنا أنزلناه قرآنا عربيا لقوم يعقلون.

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله , لغة العرب هي أفصح اللغات وأبينها وأوسعها, وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بها النفوس, فلهذا أنزل اشرف الكتب بها , لم يقل ابن كثير هذا الكلام تعصبا , إنما هذا ما قرره الأئمة الأعلام قديما وحديثا , وكذلك ما اقرّ به المنصفون الخبراء باللغات من المستشرقين.

يقول روفائيل بتي وهو يجيد تسع لغات, هي العربية والانكليزية والفرنسية والالمانيه والروسية والفارسية والهندية والآرامية والعبرية ,يقول في كتاب صدر له في نيويورك سنة 1976 إنني اشهد من خبرتي الذاتية , انه ليس ثمة من بين اللغات التي اعرفها لغة تكاد تقترب من العربية , سواء في طاقتها البيانية أم في قدرتها على أن تخترق مستويات الفهم والإدراك , وان تنفذ وبشكل مباشر إلى المشاعر والأحاسيس تاركه أعمق الأثر فيها  أما الأئمة الأعلام فيقول ابن تيميه رحمه الله : وما زال السلف يكرهون التكلم بغير العربية إلا لحاجة , ومنهم الإمام الشافعي والإمام احمد والإمام مالك , بل قال مالك من تكلم في مسجدنا بغير العربية أخرج منه.

الأئمة سوّغوا التكلم بغير العربية للحاجة , وكرهوها لغير الحاجة , ليس هذا عداء للغات غير العربية , ولا انتقاص من قدرها وليس عنصرية ولا رفضا لها ولا تسفيها لها ولأهلها , إنما اعتزازا وفخرا بالعربية, ولأن فيها ما يغني ويثري , يقول المستشرق الاسباني فيلا سبازا : اللغة العربية من أغنى لغات العالم بل هي أرقى من لغات أوروبا لأنها تتضمن كل أدوات التعبير في أصولها , هذه هي لغتنا الغنية التي وصفها شاعر النيل حافظ إبراهيم قائلا : أنا البحرُ في أحشائه الدُرُ كامنٌ , فهل سأل الغوّاص عن صدفاتي , لغتنا العربية هي هويتنا هي التي وحدت العرب عبر تاريخهم كله, حفظها من تمام حفظ الإسلام , ما بال أهلها اليوم يعرضون عنها  لا يولونها أدنى اهتمام , على مستوى الحكومات وعلى مستوى الشعوب , اللهجة العامية هي السائدة بين المجتمعات العربية , طغت على السن الناس وكأنها هي الأصل , ومن سوأت اللهجة العامية أنها سهلة الاختراق بالعبارات والمصطلحات الأجنبية , الحديث بالعامية بين مختلف الفئات, لا يخلو من العبارات والمصطلحات الأجنبية وبخاصة العبارات العبرية , غالبية الطلاب العرب يعزفون عن دراسة اللغة العربية بدعوى صعوبتها , لذلك كثيرة الأخطاء النحوية واللغوية في كلام المتحدثين والخطباء والكُتاب , حتى لا نكاد نقرأ مقالا ولا نسمع خطبة جمعه أو موعظة إلا وهي مملوءة بالأخطاء النحوية واللغوية , حتى أن الكثير من مدراء المدارس لا تخلو كلماتهم في حفلات التخريج من الأخطاء النحوية واللغوية.

ومن يقرأ تعقيبات المتصفحين في المواقع وغالبيتها باللغة العربية , يذهل لكثرة الأخطاء النحوية واللغوية  ويصاب بالإحباط , ويُصاب إلى جانب الذهول والإحباط بالخزي , ويشعر بالقلق على الهوية العربية المعرّضة للضياع.

إلى الطلاب الذين يعزفون عن دراسة اللغة العربية

إلى الذين يفضلون الرطن على التحدث بالعربية

إلى الذين يتحدثون العربية في الأماكن العامة همسا وعلى استحياء

إلى الأهالي الذين يفضلون لأولادهم الثقافة العبرية على العربية

يقول محمد بن احمد الخوارزمي البيروني من ازباكستان , وهو احد كبار علماء المسلمين ولعله أعظمهم على الإطلاق , تنوعت مجالات معرفته , فهو مؤرخ وجغرافي وفلكي ورياضي وفيزيائي ومترجم , لقد أذهل العلماء العرب والأوربيين بأبحاثه العلمية واكتشافاته , ويعتبر مرجعا لكثير من العلماء  في مختلف المجالات حتى اليوم , سواء رياضيه أو تاريخيه وجغرافيه أو فلكيه , عكف البيروني على دراسة عدد من اللغات حتى أتقنها منها ألفارسية والهندية والسريانية واليونانية والعربية , يقول رحمه الله : والله لئن أهجى بالعربية أحب إلي من أن أمدح بالفارسية ,

سعيد سطل أبو سليمان ,       

9 /8 / 2012   21  رمضان 1433

بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]

أضف تعليق

التعليقات

1
راجع الاية يا شيخ "انا انزلناه قرانا عربيا لعلكم تعقلون"
فاعل خير - 02/12/2020
رد
2
مقال رائع واقع مؤلم...مقال يتحدث بالضبط عن مأسآة نعيشها، الا وهي التنكر للغة العربية وعدم إعطائها حقها...بارك الله فيك شيخنا الفاضل على هذا المقال الهادف والقيّم.. ثبتنا الله جميعا على دينه...
ام ابراهيم - 12/08/2012
رد

تعليقات Facebook