اغلاق
اغلاق
  ارسل خبر

مقال "أزمة تربية" بقلم الشيخ: سعيد سطل "أبو سليمان"


الأولاد هبة من الله تعالى للإنسان كما اخبرنا القرآن بقوله تعالى : يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور , أو يزوجهم ذكرانا وإناثا , ويجعل من يشاء عقيما, والهبة هي العطية لمن يستحق ولمن لا يستحق , فالله وهب الأولاد للمؤمن وللكافر , وللبَر والفاجر , والأولاد هم زينة الحياة الدنيا , كما اخبر القرآن  بقوله تعالى : المال والبنون زينة الحياة الدنيا , بهم يسعد الإنسان ويأنس , يحبهم ويحنو عليهم , ويفضلهم على نفسه وعلى أبويه وإخوته , يضحي بسعادته من اجلهم , يبذل أقصى جهده لإسعادهم , يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم , يسعد لسعادتهم ويتألم لألمهم , كما قال الشاعر :

وإنما أولادنا بيننا          أكبادنا تمشي على الأرض

لو هبت الريح على بعضهم     لامتنعت عيني من الغمض

والإنسان لا يحب أن يرى أحدا من الناس متفوّقا عليه , ولكنه يرجو ذلك لولده , لأنه يرى فيه امتداده بعد مماته , والأولاد مطلب كل إنسان , الغني والفقير البر والفاجر المؤمن والكافر , الكل يتمنى الأولاد  ويشتهيهم ويحرص عليهم , يقول تعالى : زُين للناس حبُ الشهوات من النساء والبنين , المراد بالبنين الأولاد جاء بلفظ بنين للتغليب , ويقول تعالى  عن عباده المؤمنين : والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرّة أعين , وكذلك الأنبياء طلبوا من الله الذرية الصالحة , هذا نبي الله إبراهيم عليه السلام قال الله على لسانه : قال رب هب لي من الصالحين , ونبي الله زكريا عليه السلام قال الله على لسانه :قال رب هب لي من لدنك ذريّة طيبه , ما ينبغي التنبيه إليه لكي يظل حاضرا في الذهن , هو أن  الله عز وجل أوجب على الآباء للأولاد حقوقا عديدة ,  , من هذه الحقوق حق الحياة , وحق الرضاعة , وحق النفقة , وحق الحضانة , وحق الملاعبة , وحق التربية , وحق الرعاية وغيرها من الحقوق , ولا يجوز بحال من الأحوال التفريط بحق من هذه الحقوق , فالأبوان  مسئولان عن هذه الحقوق ومجزيّان عليها , يقول النبي صلى الله عليه وسلم : كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته , الإمام راع ومسئول عن رعيته , والرجل راع ومسئول عن رعيته , والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها , والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته , وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام : أن الله سائلٌ كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيّع , حقوق الأولاد مسئولية ضخمه لأنها تبدأ والطفل ما زال جنينا في رحم أمه , وتصحبه في مرحلة الطفولة وفي سن المراهقة حتى يبلغ أشُدّه , يقول النبي صلى الله عليه وسلم : كل مولود يولد على الفطرة , فأبواه إما يهودانه وإما ينصرانه وإما يمجسانه , فالطفل يكون بين يدي أبويه كالصفحة البيضاء ينقشان فوقها ما يشاءان , يرسمان فوقها الخطوط العريضة لسلوك الطفل , الأبوان هما اللذان يعلمان الطفل الأدب وحسن الخلق عن طريق الممارسة اليومية والسلوك الخلقي الحسن للأبوين فيتعرّف الطفل على محاسن الأخلاق سلوكا طبيعيا عمليا من أبويه ,  قبل أن يعرفها في معانيها المجردة.
وقد ثبت أن التربية بالقدوة هي أفضل وسائل التربية وأنجعها , فالسلوك المباشر والعملي أكثر نفعا وأعظم جدوى من تعليم الأخلاق نظريا , لأن علم الأخلاق ودراسته شيء وممارسته في السلوك اليومي شيء آخر, والطفل يتأثر بالأفعال أكثر من الأقوال , الفعل يظل راسخا في ذهن الطفل لا يُمحى مع مرور الزمن , وأكثر ما يؤثر في الطفل وينعكس على سلوكه وتعامله مع الآخرين هو سلوك أبويه لأنهما قدوته ومثله  الأعلى , قد تعلم طفلك عشرات المرات ألا يكذب فيطرق باب الدار احدهم , فتقول لابنك الطفل , قل له أبي ليس موجودا , فتهدم كل ما علمته  بثانيه واحده ,  وتفسد أخلاقه  بهذا السلوك , يقول الشاعر لكل معلم ومربي : لا تنه عن خُلق وتأتي مثله          عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ , يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بامرأة تنادي ابنها تعال أعطيك ,فقال لها النبي ما أردت أن تعطيه , قالت تمرا , قال أما انك لو لم تعطيه لكتبت عليك كذبه , قالت يا رسول الله إذا إحدانا قالت لابنها تعال أعطيك ولم تعطه كتبت كذبه , قال نعم إن ألكذبه تكتب كذبه والكذيبة تكتب كذيبه , إن ما نراه اليوم من انتشار الفساد , وارتفاع معدلات الجريمة بكل أشكالها وألوانها , وما نراه من انحراف الشباب , وما نراه في الناس من سوء خلق وندرة أدب في التعامل , هو نتاج التربية في البيوت, وهو نذير شؤم على المجتمع العربي بأكمله.

ما أحوجنا في هذه الأيام إلى تعاليم ديننا الحنيف , ما أحوجنا إلى هدي نبينا  صلى الله عليه وسلم الذي يقول للآباء : الزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم , فذلك الذي يقيهم الانحراف والانزلاق ومساوئ الأخلاق.

سعيد سطل أبو سليمان       21 / شوال 1433          8 آب 2012

بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]

أضف تعليق

التعليقات

1
مقال قيم بارك الله بك اخي ابو سليمان. أثرت موضوعا مهما جدا لطالما أشغل ويشغل بال الجميع منا أولياء أمور , رجال ونساء تربية وتعليم , وكل فرد في المجتمع كبيرا وصغيرا . موضوع التربية السليمة بات في خطر هذه الايام..للأسف..الاباء والامهات يشكون من عدم مقدرتهم على " تقويم" سلوك ابنهم/ابنتهم فاذا كان الاب/الام عاجزون عن ذلك..فكل سلوك غير قويم يصدر عن اولادهم يجعلنا لا نلقي اللوم على الابن/ الابنة. كما قلت اخي الكريم, كم أحوجنا في هذه الايام الى الدراية والانتباه الى سلوكيات ابناءنا وبناتنا لأن جزء كبير من هذه السلوكيات بات خطرا على الفرد نفسه وعلى المجتمع بأكمله.
يافية - 17/09/2012
رد
2
هي الأزمة وقد أصبت أيها الشيخ : هي أزمة تربية وأزمة أخلاق بالدرجة الأولى وهي أخطر علينا من خطر الحروب مجتمعنا في خطر
محمد - 08/09/2012
رد
3
كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، بارك الله فيك يا شيخ ابو سليمان على هذه الكلمات النافعة المفيدة التي اسأل الله عز وجل ان يجعلها في ميزانك يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم. ونصيحتي الى الآباء والأمهات ان يعملوا بهذه التوجيهات وان يُربّوا ابناءهم حق التربية حتى يصلُح هذا المجتمع ويتغيّر الى الحسن. الشيخ محمود شنير.
محمود خليل شنّير - 08/09/2012
رد

تعليقات Facebook