المستقبل لهذا الدين قطوف دانية 17 للشيخ أحمد محمد أبو عجوة

المستقبل لهذا الدين ...

بغايا وخمارة ومسجد .

في زيارتي لمدينة برشلونة الأوروبية قبل ما يزيد عن ثلاثة أشهر ، رأيت ما أقر عيني وأثلج صدري ، وذلك بظهور ملامح الوعد القادم الذي أخبر به الصادق المصدوق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله : "( لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ ، بِعِزِّ عَزِيزٍ ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ ) – رواه أحمد وصححه محققو المسند .

فعند وصولنا إلى الفندق ، وبعد أن استرحنا قليلا ، نزلنا إلى شوارع المدينة في جولة استكشافية ، ومن العادات التي أُحافظ عليها قبل السفر إلى أي مكان في العالم ،أن أقوم بإعداد دراسة عن الهدف الذي أنوي زيارته ، وتشمل هذه الدراسة الجانب التاريخي والثقافي ، وأماكن الجذب السياحي ، وأماكن وجود الجاليات الإسلامية والمساجد إن وُجدت في تلك البقعة من المدينة .

وبالطبع فإنه ما من شارع مررنا به إلا وكان فيه ما يلفت الانتباه ، من المباني الأثرية المبنية على الطراز القوطي ، وكذلك الكنائس الضخمة ،والمحال التجارية ، والمقاهي والمطاعم على أنواعها ، وإن مما يشعر به السائح وهو يسير في شوارع برشلونة روح التاريخ التي تسري في الأجواء ... وسرنا حتى وصلنا إلى شارع " الرمبلاس " وهو – وبحق - أشهر شوارع المدينة على الاطلاق ، ولهذا الشارع ميزاته في ساعات النهار ، ولكن جماله وسحره الأخّاذ إنما يتجلى في ساعات الليل ، حيث يضاء الشارع بشكل فني يجعل للسير فيه ، أو الجلوس في أحد المطاعم فيه مذاقا وجدانيا فريدا .

على كل حال رأينا أشخاصا ملامحهم شرقية – وما أكثر هؤلاء في برشلونة من المسلمين وغيرهم – فبادرنا بتحية الإسلام : " السلام عليكم " فردوا التحية بأحسن منها ، فسألت أحدهم عن مسجد طارق ابن زياد – فاتح الأندلس –فأرشدنا إلى مكان المسجد ، وهو يقع في أحد الشوارع الفرعية لشارع " الرمبلاس " على مسافة خمس دقائق سيرا على الأقدام ، عند اقترابنا من المسجد لفت انتباهنا حركة مريبة لنساء مشبوهات ، عرفنا فيما بعد أنهن يبعن أجسادهن – نسأل الله العفو والعافية – وما زاد دهشتنا أن المبنى الملاصق للمسجد إنما هو خمارة !! نعم بغايا على مسافة عشرون مترا في أحد الطرق المؤدية إلى المسجد ، ومن ثم خمارة ملاصقة للمسجد ... ولكن مسجد طارق بن زياد هو منارة الإسلام في هذا البحر اللجي من الكفر والفساد والمفسدين !عند دخولنا إلى المسجد ، وهو مسجد مؤلف من طابقين ، ويتسع لقرابة 1000 مصل ، وجدنا المسجد عامرا بالمصلين ، وكان وقت صلاة العصر .

عندما جئنا إلى المسجد لحضور صلاة الجمعة كانت المفاجأة الكبرى ! فالمسجد كان قد امتلأ عن آخره ، وكانت هناك جموع غفيرة خارج المسجد ، وعند سؤالنا لأحد الإخوة عن المشهد الماثل أمامنا قال : إن هذه الحالة تتكرر كل يوم جمعة فيصلي الإمام بالفوج الأول من المصلين ، ثم تقام صلاة الجمعة مرة ثانية للمد البشري الذي ينتظر في الخارج ليصدح بالتكبير ، ويعتز بإسلامه في قلب برشلونة ، وهي القلب السياحي لإسبانيا !

نعم بالرغم من الحملة التي يتعرض لها الإسلام وأهله في مشارق الدنيا ومغاربها ، لكن هذه الحملة على الإسلام ما هي إلا إيذان بقرب تتحقق الوعد القادم ، الذي سينتشر فيه الإسلام بنوره وعدله وحضارته ، ليخلص البشرية البائسة من عذاباتها التي سلخت الإنسان الغربي عن آدميته ، وصيّرته عبدا أسير شهوات الجسد ، وطمست الجانب العلوي الروحاني فيه ، بدعوى التقدم العلمي والمدنية الحديثة .

وصدق الله : { يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون (32) هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (33) }التوبة.

الله أكبر .. يا أيها الدنيا أصيحي واسمعي إنّا بغير محمد لا نقتدي .

السياحة الحلال ...

يظن البعض – أو الكثيرون – أن معنى الالتزام بشرع الله أن يظل الملتزم حبيس المساجد والعبادات ، ولا يجوز له أن يستمع بما سخّره الله له في هذا الكون الفسيح ، وإن هذا تصور خاطئ عن الإسلام ، وعن فلسفة المسلم في للحياة .

فإن المسلم الحق هو الذي يستمتع بالحياة في حدود الشرع ، دون أن يجعلها غاية في حد ذاتها ، بل يتنعم بما رزقه الله وسخره له في هذا الكون بعد أن استخلفه في الأرض لعمارتها ، ويجعل الدنيا مزرعة للآخرة ، وهو مأجور على تنعمه بالمباحات ، وصدق الله : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. [الأعراف:32].

وهاكم إخوتاه بعض الصور التي التقطتها في رحلتي الأخيرة خارج البلاد إلى " برشلونة " :

1-المتحف البحري .

2- " السجرادا دي فاميليا " أشهر كنائس برشلونة ، وهي من تصميم غاودي .

3- متحف " بيكاسو " .

4- من أطايب شارع " الرمبلاس " .

5- مجمّع " الإيرينا " التجاري .

6- من مظاهر الإبداع الفني في شارع " الرمبلاس " .