أظهرت بيانات لوزارة المالية المصرية تهاوي قيمة المنح والمساعدات التي حصلت عليها مصر خلال الأشهر الستة الأخيرة من العام الماضي 2014، مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، فيما أرجعه خبراء اقتصاد إلى انحسار الدعم الخليجي بسبب الهبوط الحاد في أسعار النفط عالمياً، واستمرار الاضطرابات السياسية والأمنية في مصر، ما أثار مخاوف دول الخليج من عدم جدوى هذه المساعدات في ظل هذه الظروف.
وذكرت وزارة المالية الانقلابية في تقريرها لشهر يناير/كانون الثاني الماضي، نشرته على موقعها الإلكتروني، أن "المنح التي كانت تُعتبر موارد استثنائة لمصر" تراجعت بأكثر من 29 مليار جنيه (3.8 مليارات دولار) خلال النصف الأول من العام المالي الحالي الذي بدأ في يوليو/تموز 2014.
وأوضح التقرير أن المنحبلغت 7.8 مليارات جنيه (1.02 مليار دولار)، مقابل نحو 36.8 مليار جنيه (4.8 مليارات دولار) خلال النصف الأول من العام المالي الماضي، بانخفاض بلغت نسبته 78.8%.
وأدى تراجع المنح، حسب التقرير الحكومي، إلى ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة، إلى نحو 5.7% من الناتج المحلي ما يعادل 132 مليار جنيه ( 17.3 مليار دولار)، مقابل عجز بنسبة 4.5% يعادل 89.4 مليار جنيه (11.7 مليار دولار) خلال النصف الأول من العام المالي الماضي، بزيادة تبلغ نحو 47%.
وببلوغ نسبة العجز الكلي إلى الناتج المحلي الإجمالي 5.7% خلال النصف الأول من العام المالي الحالي، فإن استمرار نفس المعدل للعجز يعني توقع بلوغ نسبة العجز الكلي 11.4% خلال العام المالي كاملاً، وفق خبراء الاقتصاد، أي أعلى من النسب التي أعلن عنها وزير المالية هاني قدري دميان، والتي تبلغ 10% ، وأعلنها مؤخراً.
وتستهدف الحكومة المصرية خفض عجز الموازنة إلى 10% بنهاية العام المالي الجاري، وإلى 8% خلال 3 سنوات حسب تقرير وزارة المالية.
وكان وزير المالية، هاني قدري دميان، قد ذكر في تصريحات صحافية سابقة، بأن العجز سيبلغ 10.25%، مقابل 12.8% خلال العام المالي الماضي المنتهي في يونيو/حزيران 2014.
وقال الخبير الاقتصادي، الدكتور عبد النبي عبد المطلب، في تصريح لمراسل "العربي الجديد"، إن الدعم الخليجي تراجع نتيجة تراجع أسعار النفط في السوق العالمية خلال الأشهر السبعة الأخيرة والمطالبات الصريحة للولايات المتحدة بدعم مالي عربي لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في العراق وسورية، بالإضافة إلى ارتفاع بعض الأصوات في الامارات والكويت المنتقدة لتقديم منح لمصر في ظل استمرار الاضطرابات.
وأضاف أن الاقتصاد المصري لم يستطع تقديم نفسه كجاذب للاستثمار، رغم المساعدات التي حصل عليها خلال الفترة الماضية، مشيراً إلى أن كل الخطط والمشروعات الاقتصادية في الغالب ستتوقف إذا لم يستقر الأمن ولم تتوقف المظاهرات وتحدث مصالحة حقيقية بين الأطراف السياسية المتنازعة.
ولفت إلى أن الدول الخليجية أعطت مصر بعد 30 يونيو/حزيران 2013 نحو 24 مليار دولار، طبقاً للتصريحات الرسمية المصرية.
وانقلب الجيش المصري على الرئيس الشرعي محمد مرسي في الثالث من يوليو/تموز 2013، بعد عام واحد من وصوله للحكم، بعد إجراء أول انتخابات رئاسية عقب ثورة يناير 2011، التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك ذي الخلفية العسكرية، والذي ظل بالحكم نحو 30 عاماً.
وقال عبد المطلب، إن تقدير النصف الأول للموازنة الحالية أظهر عجزاً بقيمة 132 مليار جنيه، إضافة إلى تراجع قيم الصادرات، وزيادة عجز الميزان التجاري، كما سجل صافي الاستثمار الأجنبي المباشر تراجعاً ملحوظا"
ويبدو أن أرقام المساعدات خلال الفترة الأخيرة، أثارت قلق المسؤولين المصريين، خاصة أن القاهرة تطمح إلى جذب المزيد من المنح والاستثمارات خلال مؤتمر الاستثمار المقرر عقده منتصف مارس/آذار المقبل.
وتقول الحكومة المصرية، إنها تستهدف جذب استثمارات بنحو 20 مليار دولار خلال المؤتمر الذي سيقام في شرم الشيخ شمال شرق البلاد، عبر طرح 30 مشروعاً في قطاعات مختلفة.
وتخوض مصر معركة شاقة لاستعادة الثقة في اقتصاد منهك، جراء سنوات من الاضطرابات السياسية منذ الثورة، استمرت مع وصول زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي للسلطة منتصف 2014.
وفي هذه الأثناء، نقلت صحيفة اليوم السابع المصرية المحلية، عن مصادر وصفتها بالحكومية قولها، إن "السعودية والإمارات والكويت ستقدم لمصر 10 مليارات دولار في صورة ودائع، قبل انعقاد المؤتمر الاقتصادي الشهر المقبل".
ونقلت الصحيفة عن المصادر التي لم تسمها، إن الودائع ستصل "القاهرة قبل المؤتمر الاقتصادي من السعودية والإمارات والكويت في إطار دعم مصر".
لكن خبراء اقتصاد، قالوا إن هذه التصريحات ربما تستهدف "ردع السوق السوداء للدولار الأميركي نفسياً" والذي قارب 8 جنيهات، بعد سلسلة من الصعود التدريجي في السوق الرسمية بالمصرف المركزي منذ 18 يناير/كانون الثاني، سجل خلاله سعر صرف الدولار 7.62 جنيهاً.
وقال أحمد إبراهيم، المحلل الاقتصادي "الكل يعلم أن هناك صعوبة في حصول مصر على مساعدات جديدة من دول الخليج، خاصة المنح التي لا ترد في ظل الأوضاع المالية للدول النفطية مع تراجع أسعار الخام بشكل حاد في الأسواق العالمية".
وهوت أسعار النفط في السوق العالمية منذ يونيو/حزيران الماضي بأكثر من 60%، ليصل في تعاملات أمس إلى نحو 56 دولاراً للبرميل، فيما تعتمد أغلب بلدان الخليج على النفط في تقدير موازناتها.
وأضاف إبراهيم لـ "العربي الجديد" أن ما تردد عن اعتزام السعودية والإمارات والكويت تقديم مساعدات بـ 10 مليارات دولار ربما يكون من قبيل الحد من استعار سعر صرف الدولار في السوق السوداء، واكتناز بعض المدخرين له تحسباً لارتفاعات جديدة في الأسعار.
وتوقع ازدياد الضغوط على المواطنين، خاصة أنه لن يكون أمام الحكومة سوى زيادة الضرائب
وتقليص الدعم، والذي بدأته بالفعل منذ منتصف العام الماضي.
وحسب تقرير وزارة المالية، ارتفعت الإيرادات الضريبية بالموازنة العامة خلال النصف الاول من المالي الحالي 2014/2015 ليرتفع اجمالي الايرادات الضريبية بنسبة 9.9%، لتسجل 114 مليار جنيه (14.9 مليار دولار)، بفضل نمو إيرادات الضرائب على السلع والخدمات، بنحو 14 مليار جنيه (1.8 مليار دولار) بزيادة بلغت نسبتها 33.8% لتسجل 55.3 مليار جنيه (7.2 مليار دولار).
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]